لعل أهم ما يقدمه كتاب هيا صالح "الخروج إلي الذات" هو تعريف القارئ العربي بتجارب مهمة في القصة الأردنية المعاصرة، حيث يكشف هذا الكتاب إلى جانب قيمة هذه النصوص الأدبية،مدى القصور الإعلامي في تحقيق التواصل الثقافي والمعرفي الهادف إلى تسليط الضوء على تجارب في الكتابة تستحق أن تصل للقارئ ، وتأخذ حيزا من تقييمه. في مقدمتها للكتاب تبين المؤلفة الغاية من جمع هذه المقالات المتفرقة التي بلغ عددها أربع وعشرين مقالة تناولت أعمالا إبداعية ما بين القصة القصيرة ،والقصة القصيرة جدا.. وتوضح أن وجود القصة القصيرة بحد ذاته كفن مستقل يفرض بالتالي وجود فن المقالة التي يتناولها بالنقد والتحليل،من هنا حرصت هيا صالح منذ السطر الأول لكتابها في تفنيد الاعتراضات التي تنسب إلى الكتب النقدية التي تقوم على جمع عدد من المقالات المنشورة مسبقا في الصحافة ومن هذه الاعتراضات :الاعتماد علي المقالة الصحفية، والميل إلى التطبيقي مع الإغراق بالانطباعية، وغياب التناول النظري الشامل للأدب بوصفه ظاهرة أو مجموعة من الظواهر المترابطة ،فقد ردت على الاعتراضات قائلة: "يمكن ملاحظة الفارق الكبير ما بين إصدار كتاب يُبنى على قاعدة جمع مقالات مستقلة، يمتلك كل منها مشروعيته كنص نقدي معتمد،يقترحه الواقع الثقافي والنوع الأدبي على حد سواء،وبين تلفيق نص نقدي "موحد" ينظر إلى المقالة كنص متدني الأهمية،ويحاول تجاوزها بتركيبها قسرا، إلى جانب مقالات أخرى ،في بنية تدعي التماسك،وتتقمص البعد النظري.وعليه فإنني أجد من الضرورة بمكان، وأفضل أيضاً الحفاظ علي الشكل الأصلي الذي كُتبت به المقالات التي يتضمنها هذا الكتاب، لا سيما وأنها كتبت أصلا في أوقات مختلفة، ومن زوايا نظر متباينة" . لكن الكاتبة رغم الحديث عن استقلالية نصوص "الخروج من الذات"إلا أنها تنبه القارئ أيضا لوجود ظواهر مشتركة في التجارب المتناولة والتي تشير بدورها إلى وجود تقاسيم رئيسية في القص الأردني المعاصر،حيث العودة إلى الذات هي الملمح العام لتجارب الكتابات في منجز سنوات التسعينيات.من هنا جاء اختيار العنوان "الخروج إلي الذات" كما ترى المؤلفة علي أن الخروج فيه انفتاح وتفاعل ، وقد جرى القول على استخدام مفردة "العودة إلى الذات" في حين ترى هيا صالح أن العودة فيها "نكوص يقود إلى التقوقع والانغلاق على الذات". إن النصوص التي اختارتها الناقدة تحمل تقنيات سردية خاصة لعل ملمحها الأساسي في الاسترجاعات الذهنية، واستحضار الماضي بحساسية مرهفة،طبعا بالإضافة إلى تجاوز عامل الزمن من حيث التقديم والتأخير،في حين تشترك النصوص في عدم الاكتراث لعامل "المكان".وأيضا في حضور "الراوي كلي العلم".وعن هذه الخاصية تقول المؤلفة " وهنا لا بد من التوضيح أن الراوي كلي العلم ، وهو مصطلح متداول عربيا على نطاق واسع ؛ ليس بالدقة الكافية للإشارة إلى ما تتسم به القصة الأردنية منذ بداية التسعينيات،فهذا المصطلح الذي تم الأخذ به نقديا على علاته من دون تدقيق وتمحيص،ودون تطوير،يبدو نافلا بعض الشئ ما لم نأخذ بعين الاعتبار أن المقصود هنا هو قصر الرؤية والعلم علي ما تراه وتنتقيه حساسية الذات (المبدعة- الساردة) وليس هو الراوي كلي العلم على وجه التحديد" لم يخضع اختيار الكاتبة لترتيب هذه النصوص-كما توضح - سوى لضرورة الحفاظ على استقلالية كل منها،من دون مراعاة لتاريخ الكتابة ، أو لأهمية التجربة موضوع التناول،كما أن الفعل النقدي للأعمال المتناولة جاء محكوما ببرنامج القراءة الذاتية،تقول "وعلى الرغم مما يبدو في ذلك من ارتجال،فإنه لا مجال هنا للحديث عن العشوائية،فبرنامج القراءة بالعادة يحدد موضوع الكتابة النقدية حينما تعتمد الأخيرة المقالة شكلا لنصها، مما يوضح غياب تجارب إبداعية مهمة وأسماء لامعة في المشهد الثقافي الأردني" أما الأسماء التي ضمها كتاب هيا صالح بين دفتيه وتناولت في تحليلها إبداعاتهم القصصية فهي: " عدي مدانات وخليل السواحري ويوسف ضمرة وهند أبو الشعر وسليمان الأزرعي ومحمود الريماوي وجمال أبو حمدان وعزمي خميس ونايف النوايسة وبسمة النسور وياسر قبيلات وجميلة عمايرة وأحمد النعيمي وحزامة حبايب ومفلح العدوان وجواهر الرفايعة وخليل قنديل وسامية عطعوط ومحمد طحيمر وأميمة الناصر ويحيى القيسي وحنان شرايخة ومحمد جميل خضر وسميرة ديوان.