فجر قرار حظر شركات الأمن الأجنبية والخاصة في أفغانستان خلافات حادة حيث يعد إحدي أبرز قضايا الخلاف بين حكومة الرئيس حامد كرزاي والدول الغربية والهيئات الدولية، إلي أن توصل الطرفان إلي حل وسط قبل نفاذ مهلة الأشهر الأربعة التي منحتها الحكومة الأفغانية. ووفقا لتصريحات مستشار الرئيس الأفغاني للشئون الأمنية معصوم ستانكزي، لعل أسوأ ما في شركات الأمن الخاصة والأجنبية -مثل بلاك ووتر وأخواتها- أن الأمن إذا تحول إلي تجارة فإن مصلحتها تكون في ازدياد التدهور الأمني. ورغم إشارته إلي وجود علاقة قوية بين زيادة استثمارات هذه الشركات وأعمال العنف في أفغانستان، لا ينكر ستانكزي أن هناك إشكالية في التشريعات التي تنظم عمل هذه الشركات، مستدركا بالقول إن الحظر مرده أسباب أخري علي رأسها أن هذه الشركات باتت خارج السيطرة وأن نموها يأتي علي حساب بناء قوات الأمن والشرطة والجيش. يضاف إلي ذلك -والكلام لستانكزي- أن هذه الشركات باتت تستنفد أموال التنمية ومدخرات البلاد التي يجب إنفاقها علي مشاريع التنمية، حيث أصبحت ذريعة الأمن شماعة تعلق عليها النفقات الزائدة للمشاريع الصغيرة والكبيرة وأعمال المؤسسات المحلية والأجنبية التي يفترض أن تعمل لمصلحة الشعب الأفغاني. وبعد اجتماع رفيع المستوي لممثلي ما يوصف بالمجتمع الدولي بحضور كل من الرئيس حامد كرزاي وقائد القوات الأمريكية والأطلسية في أفغانستان الجنرال ديفد بترايوس، أعلنت الحكومة الأفغانية إصرارها علي تنفيذ قرار حظر شركات الأمن الخاصة، وتبعه إعلان دعم الأممالمتحدة لموقف الحكومة. بيد أن الحكومة ما لبثت أن أعلنت قرارها بإرجاء التنفيذ لشهرين وأن القرار لن يشمل حماية القوافل والمنشآت العسكرية للقوات الأجنبية أو مواكب الدبلوماسيين والشخصيات الهامة، ليقتصر تطبيقه علي الشركات غير القانونية التي ذكر وزير الداخلية الأفغاني بسم الله محمدي أن عددها 54 شركة تم إيقاف 26 منها بالفعل. وبرر المستشار الأمني للرئيس كرزاي هذه التنازلات بعدم رغبة الحكومة الأفغانية في ترك فراغ أمني، وحرصها علي استبدال شركات الأمن تدريجيا بقوات الأمن والشرطة الأفغانية. بالمقابل، ربط بعض المراقبين في كابل أزمة شركات الأمن بالضغوط التي يتعرض لها كرزاي من قبل حلفائه الغربيين علي خلفية ملفات كثيرة آخرها الانتخابات، خاصة أن الضجة التي أثارتها المؤسسات الغربية في أفغانستان ضد قرار حظر شركات الأمن الخاصة والأجنبية خفتت بمجرد إعلان ما وصفت بصفقة حفظ ماء الوجه. فبعدما كانت تحذر من خسارة أفغانستان لمليارات الدولارات إذا ما قررت هذه المؤسسات الرحيل بسبب المخاوف الأمنية، وتصاعد العمليات التي تستهدفها بنسبة 29% هذا العام، ومقتل عشرة من العاملين في مجال الإغاثة، عادت هذه المؤسسات لتؤكد أن قرار الحظر لن يؤثر علي العمل الإنساني. وميزت منظمة "أكبر" -وهي مجلس تنسيق لهيئات الإغاثة العاملة بأفغانستان_ في بيانها بين الشركات التي تعتمد علي الأمن الخاص في حماية مشاريعها التنموية وبين المؤسسات الخيرية التي لا تحتاج إلي مسلحين لحمايتها، وأشارت إلي وجود أكثر من 2000 منظمة غير حكومية محلية و360 منظمة أجنبية. غير أن المراقبين لا يرون في إرجاء تنفيذ قرار الحظر إلا مهلة جديدة لإنهاء معركة كسر العظم بين كرزاي والغرب التي ظهرت فيها شركات الأمن ضيفا ثقيلا علي كاهل الحكومة تزيد من حنق الأفغان عليها وعلي الأجانب أيضا.