نظرية المؤامرة قد تصيب احيانا ولكنها كثيرا ما تفشل خاصة اذا كانت القضية مهمة وملحة مثل قضية تطوير المناهج وعلي رأسها ما حدث مؤخرا من موافقة وزارة التربية والتعليم علي ما طرحه وقدمه بنفسه د. علي جمعة مفتي الديار المصرية من معايير واضحة لاجراء بعض التطوير والتعديل علي مناهج التربية الدينية الاسلامية بل والاتفاق علي وضع منهج جديد بجانب كتب ومناهج الدين سوف يطلق عليه منهج الاخلاق من وجهة نظر اسلامية. لذلك فإن الاسراع بكيل الاتهامات والرفض لأي خطوة للتطوير تحت دعاوي انها نظرية المؤامرة من الغرب التي تتوغل فيها الافكار الصهيونية لهدم كل ما هو اسلامي.. قول جانبه الصواب في تلك القضية المهمة لأنه ليس كل ما يأتي من الغرب بدعة وتحكمه نظرية المؤامرة ولكن لدي الغرب وهو ليس الاوروبي فقط بل نقصد الغرب المتقدم حضاريا وعلميا وبالتالي ينطبق ذلك ايضا علي الدول الاسيوية.. حضارة انسانية متكاملة وبالتالي فان الاحتفال بمظاهر الحضارة الغربية من طائرات وسيارات وموبايل وغيرها ورفض الافكار الانسانية والاجتماعية الاخري. قضية اصبحت من الماضي الآن، بل لعلي لا أزيد في ان محاولات بث أي فكر مستنير أو حتي عقلاني مثل طرح قضايا حقوق الانسان - المواطنة - الديمقراطية - اصبحت افكارا انسانية عامة دخلت في قاموس الانسان المصري العادي والبسيط ايضا والدليل ارتفاع عدد الاعتصامات والاحتجاجات داخل مختلف فئات الشعب المصري وبالتالي فان سرعة تجهيز الاتهامات بأن كل ما يطرح الآن هو استجابة لاجندة غربية - صهيونية قول جانبه الصواب تماما، بل اكاد اشعر ان العكس هو الصحيح وأن وأد أي محاولات للتطوير وتغيير الخطاب الديني الحالي ليصبح خطابا علميا - مستنيرا.. هو بالضبط ما يريده اعداء مصر والاسلام لمجتمعنا حتي نظل نلف وندور حول الحديث في قضايا هامشية بل وتافهة وتستغرق فيها حتي نقتل بعضنا البعض من اجلها بينما هم تجاوزوا العبور الي القمر الي ما وراءه. لذلك فان الخطوة التي اقدم عليها مفتي الديار المصرية هي خطوة مهمة وشجاعة تستحق التقدير ولكن بموضوعية ايضا تطرح هل تغيير المعايير لمناهج التربية الدينية وكذلك اضافة منهج جديد اسمه الاخلاق كاف لعمل تعديل وتغيير في الحالة المجتمعية الحالية التي تشهد بالفعل تطرفا واحتقانا وتعصبا شديدا داخل المجتمع وهل تطوير مناهج الدين فقط يعد كافيا لاجراء مثل هذا التطوير المنشود وهل الطلاب بالفعل يدرسون بجدية ما تحتويه مناهج مادة الدين التي تدرس بالمدارس من الصف الاول الابتدائي وحتي نهاية المرحلة الثانوية. ام ان الامر اذا كنا ننشد تطويرا حقيقيا يساعد في تغيير البيئة الحالية يستلزم ان نقتحم بشجاعة ايضا مناهج اللغة العربية والدراسات الاجتماعية وهي التي يهتم بهم الطالب اصلا علي حساب قراءة منهج الدين الذي لا يتم قراءته فعليا وعمليا الآن الا قبيل الامتحان فيه. فاذا نظرنا الي مناهج اللغة العربية سنجد ان محتوي المناهج نفسه يحتاج الي خطة انقاذ عاجلة تبدأ اولا بأن يكون الغرض الاساسي من دراسة اللغة هو تحبيب الطلاب أولا في اللغة العربية والاقبال علي دراستها بنهم وتفهم وليس من اجل النفور منها كما يحدث الآن والدليل ان اذا سألنا الطلاب ليس فقط عن صعوبة المواد الدراسية بل عن المواد المحببة له سنجد ان اللغة العربية تتذيل قائمة المواد. واحسب أنني قرأت تقريرا مهما صادرا من اليونسكو يذكر التقرير ان اللغة العربية من ضمن عشر لغات في العالم مهددة بالاندثار مستقبلا!! ولولا انها لغة القرآن الكريم لكنا نندب الآن مستقبل هذه اللغة كما قال الزميل احمد المسلماني. كذلك لابد وان يمتد امر التطوير الذي تسعي اليه مناهج الدراسات الاجتماعية، لانها من فرط الاهتمام بالتخفيف منها تحت دعاوي ازالة الحشو ومراعاة عدم تكدس المناهج اصبحت مجرد عناوين فقط بلا دلالة واذا استثينا كتاب التاريخ للثانوية العامة فقد يتخرج الطالب في جميع المراحل الدراسية بدون ان يعرف او يتعلم شيئا حقيقيا عن تاريخ وواقع بلاده، مع أنه في بلاد اخري - الغرب علي سبيل المثال - ومنه فرنسا فان الطالب يدرس اجباريا مادة الدراسات الاجتماعية حتي الحصول علي شهادة الثانوية العامة وبالتأكيد لن اتحدث عما تتضمنه هذه الكتب والمناهج من معلومات، لان الحقيقة المرة لن تكون في صالح مناهجنا.