سمير فرج: طالب الأكاديمية العسكرية يدرس محاكاة كاملة للحرب    رموز «الحوار الوطني» يتحدثون عن المبادرة الأهم بتاريخ مصر الحديث    تباين أداء مؤشرات البورصات الخليجية خلال تداولات الأسبوع    محافظ الإسكندرية: معرض ثابت كل أسبوعين لدعم الأسر المنتجة    وزير خارجية إسرائيل: سنؤجل عملية رفح الفلسطينية إذا توصلنا لاتفاق بشأن المحتجزين    شيفيلد يونايتد يودع البريميرليج بعد الخسارة أمام نيوكاسل بخماسية    أمن الجيزة يضبط تشكيل عصابي لسرقة السيارات بالطالبية    ياسمين عبد العزيز تكشف ظهورها ببرنامج «صاحبة السعادة» | صور    أبو حطب يتابع الأعمال الإنشائية بموقع مستشفى الشهداء الجديد    لمكافحة الفساد.. ختام فعاليات ورش عمل سفراء ضد الفساد بجنوب سيناء    «صلبان وقلوب وتيجان» الأقصر تتزين بزعف النخيل احتفالاً بأحد الشعانين    خبير: التصريحات الأمريكية متناقضة وضبابية منذ السابع من أكتوبر    خبير ل الحياة اليوم: موقف مصر اليوم من القضية الفلسطينية أقوى من أى دولة    توقعات عبير فؤاد لمباراة الزمالك ودريمز.. مفاجأة ل«زيزو» وتحذير ل«فتوح»    رمضان عبد المعز: على المسلم الانشغال بأمر الآخرة وليس بالدنيا فقط    وكيل صحة الشرقية يتابع عمل اللجان بمستشفى صدر الزقازيق لاعتمادها بالتأمين الصحي    الرضيعة الضحية .. تفاصيل جديدة في جريمة مدينة نصر    استهداف إسرائيلي لمحيط مستشفى ميس الجبل بجنوب لبنان    المصريون يسيطرون على جوائز بطولة الجونة الدولية للاسكواش البلاتينية للرجال والسيدات 2024 PSA    حكم الاحتفال بعيد شم النسيم.. الدكتور أحمد كريمة يوضح (فيديو)    بالفيديو .. بسبب حلقة العرافة.. انهيار ميار البيبلاوي بسبب داعية إسلامي شهير اتهمها بالزنا "تفاصيل"    سؤال برلماني عن أسباب عدم إنهاء الحكومة خطة تخفيف الأحمال    هيئة كبار العلماء بالسعودية: لا يجوز أداء الحج دون الحصول على تصريح    بعد جريمة طفل شبرا الخيمة.. خبير بأمن معلومات يحذر من ال"دارك ويب"    كيفية التعامل مع الضغوط الحياتية.. لقاء تثقيفي في ملتقى أهل مصر بمطروح    رامي جمال يتخطى 600 ألف مشاهد ويتصدر المركز الثاني في قائمة تريند "يوتيوب" بأغنية "بيكلموني"    رئيس الوزراء الفرنسي: أقلية نشطة وراء حصار معهد العلوم السياسية في باريس    أحمد حسام ميدو يكشف أسماء الداعمين للزمالك لحل أزمة إيقاف القيد    مصر ترفع رصيدها إلى 6 ميداليات بالبطولة الإفريقية للجودو بنهاية اليوم الثالث    إنجازات الصحة| 402 مشروع قومي بالصعيد.. و8 مشروعات بشمال سيناء    بيريرا ينفي رفع قضية ضد محمود عاشور في المحكمة الرياضية    الإمارات تستقبل دفعة جديدة من الأطفال الفلسطينيين الجرحى ومرضى السرطان.. صور    بالتعاون مع فرقة مشروع ميم.. جسور يعرض مسرحية ارتجالية بعنوان "نُص نَص"    فوز أحمد فاضل بمقعد نقيب أطباء الأسنان بكفر الشيخ    «صباح الخير يا مصر» يعرض تقريرا عن مشروعات الإسكان في سيناء.. فيديو    "بيت الزكاة والصدقات" يستقبل تبرعات أردنية ب 12 شاحنة عملاقة ل "أغيثوا غزة"    رئيس جامعة جنوب الوادي: لا خسائر بالجامعة جراء سوء الأحوال الجوية    الشرطة الأمريكية تفض اعتصام للطلاب وتعتقل أكثر من 100 بجامعة «نورث إيسترن»    الكشف على 1670 حالة ضمن قافلة طبية لجامعة الزقازيق بقرية نبتيت    النقض: إعدام شخصين والمؤبد ل4 آخرين بقضية «اللجان النوعية في المنوفية»    «تملي معاك» أفضل أغنية عربية في القرن ال21 بعد 24 عامًا من طرحها (تفاصيل)    مصر تواصل أعمال الجسر الجوي لإسقاط المساعدات بشمال غزة    الصين: مبيعات الأسلحة من بعض الدول لتايوان تتناقض مع دعواتها للسلام والاستقرار    قائمة باريس سان جيرمان لمباراة لوهافر بالدوري الفرنسي    أهمية وفضل حسن الخلق في الإسلام: تعاليم وأنواع    علي الطيب يكشف تفاصيل دوره في مسلسل «مليحة»| فيديو    قطاع الأمن الاقتصادي يواصل حملات ضبط المخالفات والظواهر السلبية المؤثرة على مرافق مترو الأنفاق والسكة الحديد    وزير التعليم ومحافظ الغربية يفتتحان معرضًا لمنتجات طلاب المدارس الفنية    الدلتا للسكر تناشد المزارعين بعدم حصاد البنجر دون إخطارها    «السياحة»: زيادة رحلات الطيران الوافدة ومد برنامج التحفيز حتى 29 أكتوبر    «شريف ضد رونالدو».. موعد مباراة الخليج والنصر في الدوري السعودي والقنوات الناقلة    إزالة 5 محلات ورفع إشغالات ب 3 مدن في أسوان    استمرار حبس عاطلين وسيدة لحيازتهم 6 كيلو من مخدر البودر في بولاق الدكرور    حصيلة تجارة أثار وعُملة.. إحباط محاولة غسل 35 مليون جنيه    تعليم الإسكندرية تستقبل وفد المنظمة الأوروبية للتدريب    أفضل دعاء تبدأ وتختم به يومك.. واظب عليه    خبير أوبئة: مصر خالية من «شلل الأطفال» ببرامج تطعيمات مستمرة    إشادة دولية بتجربة مصر في مجال التغطية الصحية الشاملة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



باكستان فوق صفيح ساخن
نشر في نهضة مصر يوم 07 - 02 - 2010

بدت باكستان خلال السنوات القليلة المنقضية كما لو كانت تمضي بدأب لتدرج اسمها ضمن قائمة الدول "الفاشلة"، التي أمست مزرعة لحزمة متنوعة من المشكلات والأزمات ما بين إثنية واقتصادية وسياسية وأمنية .فتحت وطأة الحرب علي ما يسمي بالإرهاب، تضافرت أجواء عدم الإستقرار الأمني جراء العمليات العسكرية والتفجيرية التي تقوم بها حركة طالبان باكستان بين الفينة والأخري، والتي استتبعت عمليات عسكرية مضادة من قبل القوات الأمريكية والجيش الباكستاني دفع ثمنها غاليا الشعب الباكستاني، علاوة علي إنبعاث الصراع الإثني مع الإنقسامات والتوترات التي ألقت بظلالها علي نظام الرئيس زرداري لتفاقم من مأزق ذلك الأخير.
تنامي خطر طالبان باكستان:
تعود بدايات ظهور حركة طالبان باكستان إلي حقبة حكم حركة طالبان لأفغانستان في منتصف تسعينيات القرن الماضي، ثم الغزو الأمريكي لأفغانستان في أكتوبر 2001 ويقدر عدد المقاتلين في صفوفها بما بين 30 و35 ألف مسلح معظمهم من خريجي ومنتسبي المدارس الدينية، التي تتبع المدرسة الديوبندية وتدرس فقه الإمام أبو حنيفة.وعلي الرغم من أن السلطات الباكستانية تنبهت لنشاطات ومخاطر تلك الحركة بمجرد الإعلان عن تأسيسها، حيث أصدرت يوم 25 أغسطس 2008 قرارا بحظرها معتبرة إياها "تنظيما إرهابيا"، كما بعث الجيش بحوالي ثلاثين ألف جندي إلي منطقة وزيرستان الحدودية مع أفغانستان في السابع عشر من أكتوبر الماضي للإجهاز علي مقاتلي الحركة بعد أن تعهد الرئيس زرداري بذلك، إلا أن ذلك لم يحل دون توسع مقاتلي الحركة في عملياتها العسكرية التي تنامت بشكل ملحوظ خلال العام المنقضي حتي طالت أهدافا عامة كالساحات والأسواق والملاعب الرياضية وأخري تابعة للدولة الباكستانية وثالثة تخص الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية كما إنتقلت من القري والمدن الصغيرة إلي كبريات المدن الباكستانية كبيشاور وروالبندي وإسلام أباد ولاهور، أسقطت خلالها مئات القتلي وآلاف الجرحي والمصابين وشلت علي إثرها الحياة في تلك المناطق، لتغدو حركة طالبان باكستان وعملياتها المتواصلة والموجعة مصدر رعب وعدم إستقرار جديد يهدد مصير نظام الرئيس زرداري ويقض مضاجع القوات الأمريكية والدولية ويفرض تحديات جديدة أمام المشاريع الأمريكية المستقبلية في المنطقة.
وثمة توقعات بإزدياد الأمر سوءا مع تنامي نفوذ التيار الأصولي بباكستان في ظل نشاط ثمانية عشر ألف مدرسة إسلامية هيأت الأجواء لتفريخ آلاف المتشددين الذين لا يدخرون وسعا في الإنضمام إلي صفوف ذلك التيار الذي يتخذ من تردي الأوضاع المعيشية والأمنية وفساد النظام والتدخل الأمريكي تكئة للتغلغل إلي قلوب وعقول الملايين من أبناء الشعب الباكستاني، إلي الحد الذي أتاح لجماعة تطبيق الشريعة المحمدية قبل سنتين تأسيس ما يشبه الدولة الإسلامية في وادي سوات وفرض تطبيق الشريعة الإسلامية علي السكان في إقليم الحدود الشمالية الغربية، وهو ما قبلت به الحكومة الباكستانية وأقرته من خلال إتفاق عقدته مع حركتي تطبيق الشريعة وطالبان في شهر فبراير الماضي، غير أنها سرعان ما شرعت في التنصل منه علي خلفية الضغوط الأمريكية والإنتقادات الأفغانية.
كذلك، يتوقع خبراء أمنيون باكستانيون أن تفضي استراتيجية أوباما الجديدة حيال أفغانستان والتي تتضمن تزويدها بزهاء ثلاثين ألف جندي أمريكي إضافيين إلي زيادة نفوذ وعمليات حركة طالبان الباكستانية لأن عناصر القاعدة وطالبان أفغانستان سيضطرون إلي مغادرة أفغانستان والتوجه إلي باكستان كوطن بديل مما يدعم موقف نظرائهم في تلك الأخيرة، وهو الأمر الذي يجعل المواجهات بين القوات الأمريكية والقوات الحكومية الباكستانية من جانب ومقاتلي طالبان باكستان وحلفائهم الجدد من جانب آخر أكثر سخونة ودموية إلي الحد الذي يلقي بظلال من الغيوم علي مستقبل باكستان.
تفاقم النزعات إنفصالية:
كان من شأن الإضطراب الأمني والتدهور الاقتصادي الذي تعاني منهما باكستان بالتزامن مع ضعف وإنقسام الحكومة المركزية، أن أفضوا إلي تفجر المشكلات الإثنية والنزعات الإنفصالية في بعض المناطق، إذ شهد إقليم بلوشستان الباكستاني، الذي يشكل نحو 48% من المساحة الإجمالية للبلاد في حين يمثل سكانه أقل من 5% من إجمالي السكان
، أحداثا أكثر دموية في السنوات الأخيرة ووصلت ذروتها باغتيال حاكم الإقليم السابق علي أيدي الجيش الباكستاني. ومن وجهة نظر الجماعات البلوشية المسلحة التي تتحمل مسئولية الهجمات وتنادي بالسيادة الوطنية المستقلة كجيش تحرير بلوشستان وجبهة تحرير بلوشستان وجيش التحرير الشعبي، فإن الصراع يدور حول الهوية والحقوق القبلية والعدل والفرص الاقتصادية المتساوية مع أبناء بقية الولايات لا سيما البنجاب.ومع تجاهل الحكومة الباكستانية لتلك المطالب، بدأت تشهد ولاية بلوشستان موجة من الغليان بعد أن جنحت أحزاب قومية مسلحة للدعوة إلي الإنفصال والاستقلال عن باكستان، ومما يفاقم من خطورة هذا الأمر وجود معلومات إستخباراتية تؤكد ضلوع دول مجاورة بل وقوي كبري في دعم وتأييد تلك النزعات الإنفصالية، كما أكدت قيادات الحركات الإنفصالية في بلوشستان الموجودة في العاصمة الأفغانية كابل وفي بعض مناطق بلوشستان أنها تتلقي الدعم من أصدقائها في الهند وفي واشنطن "لنيل الحرية".
ولا تقتصر المخاطر المحتملة لتأجج تلك النزعات الإنفصالية فحسب علي إحتمالات فقد باكستان لما يتمتع به إقليم بلوشستان من موارد طبيعية وثروات مهمة كاليورانيوم والنحاس والفحم والنفط والغاز، الذي يشكل ثلث إحتياطي البلاد من الغاز الطبيعي، وإنما تتسع لتشمل المخاوف من أن تنتشر عدوي المطالبة بالإنفصال كالنار في الهشيم بين الجماعات الإثنية المختلفة التي تنتشر في ربوع الأراضي الباكستانية، والتي يشعر جلها بالإحتقان جراء الحصار بين مطرقة الغبن الاقتصادي والتهميش السياسي من جانب وسندان العيش القلق في ظروف بالغة السوء من كافة النواحي علي الجانب الآخر. وهو الأمر الذي يهدد وحدة باكستان وينذر بالنيل من إستقرارها وتماسكها الوطني، لاسيما وأن ذلك البلد تتسم يتسم بتنوع إثني غزير ولامركزية مفرطة في إدارة الدولة، التي تضم خمسة أقاليم كبري يتمتع كل منها بمساحة هائلة من الإستقلالية، فضلا عن أن الحكومة المركزية في إسلام أباد تواجه أزمة تغلغل حقيقية إذ يصعب عليها بسط نفوذها وسيطرتها علي كامل الأراضي الباكستانية.
مأزق زرداري:
بينما كانت الأوضاع المتردية التي تعايشها باكستان منذ سنوات هي أحد أهم وأبرز العوامل التي ساعدت علي تفجر حزمة المشاكل والأزمات التي تعصف بهذا البلد حاليا، لم يكن الأمر علي هذا النحو بالنسبة لنظام الرئيس زرداري، الذي تنحو أزمته نحوا أعمق وأشمل بكثير، فقد جاء الرجل إلي سدة الحكم في ظروف بالغة الحساسية مهدت له السبيل للإفلات من ملاحقة ماضيه المثقل بالأعباء والأوزار بيد أن الرئيس الجديد الذي ظل يعدو في عكس إتجاه ماضيه المؤلم سرعان ما وجد نفسه يصطدم بحائط منيع يرده القهقري ليواجه تداعيات أخطاء الماضي ما بين إتهامات طالته وأقرب مساعديه بالفساد والرشوة، وتعقد الحسابات السياسية داخل النخبة الحاكمة إثر حدوث ما يشبه التحالف بين رئاسة الوزراء والجيش إستنادا إلي إعتبارات عديدة أهمها:
- التقارب المزمن بين مؤسسة رئاسة الوزراء وبين المؤسسة العسكرية التي ينظر إليها بوصفها الحاكم الفعلي للبلاد. فرئيس الوزراء رغم أنه منتم إلي حزب الشعب، إلا أن خلفيته السياسية كانت تاريخيا أقرب إلي حزب الرابطة الإسلامية المعارض بزعامة نواز شريف، والذي كان علي مدي التاريخ الباكستاني مقربا من المؤسسة العسكرية.
- انزعاج العسكر من الرئيس زرداري بجريرة تلوث سمعته بالرشاوي والفساد وهو ما ينال من مصداقيته أمام الشارع الباكستاني مثلما يمس سمعة الجيش كونه لا يتخذ الإجراءات المناسبة لإصلاح هذا الخلل.
- إستياء الجيش ورئاسة الوزراء معا من انتزاع الرئيس زرداري لبعض الصلاحيات الدستورية لرئيس الوزراء، والتي ورثها بدوره عن الرئيس السابق برويز مشرف والذي خصصها لنفسه بوصفه الحاكم العسكري للبلاد بحسب المادة السابعة عشرة من الدستور، وهي الصلاحيات التي تخول الرئيس حل البرلمانات المحلية والفيدرالية وإقالة الحكومات وتعيين قائد الجيش وقادة أفرعه.
- لا يزال عسكر باكستان يحرصون علي تعظيم نفوذهم لاسيما وأنهم ينظرون إلي أنفسهم علي أنهم الوريث التاريخي لدولة باكستان، بالإضافة إلي كونهم صمام أمان الوحدة الوطنية، ومن ثم طفقوا يتلمسون الخطي لإيجاد رئيس جديد للبلاد يكون مقبولا نوعا ما من قبل الشعب ولا يعبث بموارد البلاد أو يسيء إلي سمعتها ويضر بوحدتها وإستقرارها، لإدراكهم أنهم في النهاية هم الذين سيدفعون الثمن، وهم الذين سيأخذون علي عاتقهم مهمة التعاطي مع التداعيات السلبية التي تتمخض عن الممارسات غير المقبولة لهذا الرئيس أو ذاك.ومن ثم بدأت قيادات الجيش تعمل بالتعاون مع الحكومة علي تهيئة الأجواء لمرحلة ما بعد زرداري.
وفي سياق مواز، ألقي تحول باكستان إلي مسرح للحرب علي الإرهاب بظلاله علي نظام زرداري، الذي بدأ يئن من وطأة الحصار الذي يلاحقه ما بين تآكل شرعيته في الداخل إثر تهاوي الثقة الهشة بينه وبين سائر القوي السياسية والتنظيمات المسلحة والقبلية، بما ينذر بنشوب حرب أهلية في باكستان لاسيما بعد الإنتقادات الحادة التي أمطرته بها قوي المعارضة بشتي أطيافها إثر تغييره المفاجيء والعنيف لاستراتيجبته التصالحية مع مقاتلي طالبان وحركة تطبيق الشريعة المحمدية، توخيا منه للإبقاء علي دعم واشنطن المشروط لنظامه وترميم تحالفه الملغوم مع نظيريه الأمريكي والافغاني من جهة، والضغوط الهائلة التي تنهال عليه من قبل الولايات المتحدة حتي يواصل حربه ضد مقاتلي طالبان باكستان والقاعدة الذين يعبرون لأفغانستان ويستهدفون القوات الأمريكية هناك، من جهة أخري.
ففيما كانت الاستراتيجية الأمريكية بشأن التدخل العسكري في باكستان تميل إلي تجنب التورط المباشر أو الانخراط الغائر عبر قوات مشاة نظامية، كما تجنح لإيجاد حلول إقليمية بمشاركة حلفاء وأصدقاء إقليميين لمحاربة ما يسمي بالإرهاب والقضاء علي تنظيمي طالبان والقاعدة في ظل إحجام القوات الأمريكية والدولية عن التدخل، فقد كان الرهان علي الحليف الباكستاني المتمثل في الرئيس زرداري وجيشه، من خلال انتهاج سياسة الجزرة والعصا كالتلويح لزرداري تارة بالتخلي عن دعمه اقتصاديا وسياسيا في مواجهة خصومه السياسيين في الداخل حالة تقاعسه عن التجاوب مع المطالب والإملاءات الأمريكية فيما يخص القضاء علي مناهضي واشنطن وخصومها القابعين في بلاده، وإغرائه تارة أخري بإغداق المكافآت عليه عند امتثاله لتلك المطالب والإملاءات.
وفي مسعي منها لشحذ عزيمة زرداري وجيشه، وفك الارتباط بين مقاتلي ذلك الأخير وبين القبائل فضلا عن توسيع الفجوة بينهم وبين التنظيمات والجماعات الدينية المتشددة في باكستان، حرصت إدارة أوباما علي تقديم الدعم المالي والعتاد العسكري المتطور لهما توخيا لتحقيق الاستغلال الأمثل للجيش الباكستاني في محاربة ما يسمي بالإرهاب داخل الأراضي الباكستانية، ليس لكونه الواجهة المثلي والمظلة الآمنة في مواجهة مقاتلي طالبان والقاعدة لما يتمتع به من تفوق عددي يناهز ال700000 مقاتل وقدرة فائقة علي التعاطي مع مثل هذه النوعية من المقاتلين في مسرح عمليات ذي طبيعة جيواستراتيجية خاصة كذلك الباكستاني فحسب، ولكن لأنه يشكل العمود الفقري للدولة الباكستانية، كونه يسيطر علي الاقتصاد من خلال المجمع العسكري الصناعي الذي يملكه، والذي يتجاوز رأسماله عشرين مليار دولار، إضافة إلي تملكه 4.8 مليون هكتار من الأراضي الخصبة. وبموازاة ذلك، تم استبدال الجنرال دايفيد ماكيرنان القائد الأعلي للقوات الأمريكية ذات الأداء العسكري التقليدي بالجنرال ستانلي ماكريستال الخبير بحرب العصابات وحركات التمرد.
وإلي جانب التحريض وتقديم الدعم، لم تتورع واشنطن عن التدخل العسكري الحذر والمحدود في باكستان من خلال الطلعات والضربات الجوية التي ألفت الطائرات الأمريكية بدون طيار القيام بها بين الفينة والأخري ضد المناطق الحدودية ومناطق القبائل الباكستانية مدعية أنها تتم بناء علي اتفاق سري بين واشنطن و إسلام آباد، وهي الضربات التي خلفت مئات القتلي وآلاف الجرحي من المدنيين علاوة علي ما يناهز المليونين من المشردين والنازحين.ويبدو أن سياسة إدارة أوباما في التعاطي مع نظام زرداري والقائمة علي الترغيب والترهيب قد آتت أكلها، ذلك أن تصعيد العمليات العسكرية الأمريكية في باكستان لم يعد يقابل بانتقاد باكستاني رسمي وإنما لقي تعاونا من قبل النظام والجيش الباكستانيين تجلي في موافقة زرداري علي إشراك الجيش الباكستاني رسميا وعلنا في العمليات التي تشنها الطائرات الأمريكية بدون طيار داخل الأراضي الباكستانية، والتي طالما ادعي النظام الباكستاني من قبل رفضه لها وتبرأ من تواطؤه فيها.
وبعد أن أبدت قلقها من حدوث فوضي سياسية وأمنية في باكستان، التي تتسم بتنوع إثني غزير ولامركزية مفرطة في إدارة الدولة، لوحت إدارة أوباما بوضع شروط صارمة للمساعدات المقدمة لذلك النظام، مشيرة إلي إمكانية مد جسور التواصل مع نواز شريف بعد تآكل ثقتها في زرداري، الذي اضطر بدوره لتدارك الموقف عبر إعطاء الجيش الباكستاني أوامر بشن هجمات مكثفة مدعوما بالطائرات والمروحيات ضد مقاتلي طالبان وحركة تطبيق الشريعة المرابطين بمنطقتي دير وبونير، بعد أن سيطروا عليهما عنوة عقب توقيع اتفاق وادي سوات مع زرداري في فبراير الماضي
، وهو الهجوم الذي أسفر إلي جانب سقوط عشرات القتلي والجرحي من الجانبين وتهجير عشرات الآلاف من السكان المدنيين، عن إعلان الملا صوفي زعيم حركة تطبيق الشريعة المحمدية تعليق الحوار مع حكومة إقليم الحدود الشمالي الغربي وإسلام آباد إلي أجل غير مسمي. وفيما اعتبر الباكستانيون مواقف زرداري الساعي لاسترضاء واشنطن تواطؤا منه مع العدوان الأمريكي علي بلادهم، هرعت واشنطن نحو مباركة تلك الخطوات، حتي أن مجلس النواب الأمريكي عكف علي الإعداد لتقديم مساعدة مالية للحكومة الباكستانية، كمكافأة لها وتشجيعا لها علي مواصلة جهودها في هذا المضمار.
مصير الترسانة النووية الباكستانية:
لعل أخطر التداعيات المحتملة للاضطرابات الداخلية والخارجية التي لحقت بباكستان، ذلك القلق المتنامي بشأن مصير الترسانة النووية الباكستانية في ظل التربص الإقليمي والدولي بها والذي تنامت مخاوف الباكستانيين مما يمكن أن يتأتي من ورائه .فإلي جانب المطالبات الهندية والإسرائيلية بوضع الترسانة النووية الباكستانية تحت رقابة غربية، أعربت إدارة أوباما عن مخاوفها من وقوع الترسانة النووية الباكستانية في أيادي طالبان وحلفائها، خصوصا وأن بحوزة باكستان ما بين ثمانين إلي مائة رأسا نوويا قابلة للاستخدام الفعلي إثر تدعيمها بأدوات توصيل متطورة بعيدة المدي كالصواريخ الباليستية والطائرات القاذفة .وقد أكدت تقارير استخباراتية أمريكية أن باكستان لا تكف عن تطوير وتوسيع ترسانتها النووية بعد أن شرعت خلال الآونة الأخبرة في إنتاج كميات كبيرة من اليورانيوم والبلوتنيوم علاوة علي شراء كميات أخري من السوق السوداء العالمية مستفيدة من المساعدات المالية التي تتلقاها من واشنطن وتقدر بمليارات الدولارات سنويا تحت بند محاربة الإرهاب، فيما تقدم لها واشنطن دعما ماليا آخر بقيمة 100 مليون دولار لمساعدتها علي تأمين ترسانتها النووية والحيلولة دون وقوعها في أيدي المتطرفين.. لذلك، استقبلت دوائر سياسية وأمنية باكستانية صدور القانون الذي وافق عليه الكونجرس الأمريكي أخيرا لمنح باكستان مساعدات اقتصادية تبلغ 75 مليار دولار علي مدي 5 سنوات. بقلق وحذر بالغين، حيث تري تلك الدوائر أنه يهدف ظاهريا لدعم جهود مواجهة عناصر قوي التطرف الباكستانية. بينما يحمل في باطنه نيات خبيثة لتجريد باكستان من سلاحها النووي وتفكيك قدراتها النووية.
وفي هذا الإطار تتوقع الدوائر الأمنية الباكستانية تعرض بعض المنشآت النووية الباكستانية خلال الفترة المقبلة لهجمات مسلحة، أو أن تشهد عمليات سطو للحصول علي مواد خطيرة وتهريبها خارج الحدود. كما حدث مع بعض دول الاتحاد السوفيتي السابق. أما أخطر السيناريوهات التي تقلق الباكستانيين في هذا الشأن فهو قيام جهات ما إقليمية كالهند بالطبع أو دولية كالولايات المتحدة بتوفير مواد نووية لجماعات مسلحة داخل أفغانستان ثم الادعاء بأنهم حصلوا عليها من داخل الترسانة النووية الباكستانية. وبرغم تبني الدولة الباكستانية خطة محكمة لحماية منشآتها النووية، هناك مخاوف من أن تلجأ الجهات التي تسعي لسرقة مواد نووية من المنشآت الباكستانية للمستشفيات التي تقوم باستخدام المواد المشعة في أجهزة الاشعة أو أجهزة علاج الأورام للحصول علي مواد نووية. ثم الادعاء بأنه تم الحصول عليها من داخل منشآت نووية باكستانية.
طريق الخلاص:
ثمة سبيلان للخروج بباكستان من النفق المظلم الذي هوت إليه، أحدهما دولي والآخر محلي.فدوليا، وبعدما تبين أن اعتماد واشنطن علي الاستخدام المفرط للقوة العسكرية كركن ركين لاستراتيجيتها الرامية إلي محاربة ما يسمي بالإرهاب مع إغفالها الإجراءات التنموية والتحديثية لم يخلف إلا الدمار والمآسي الإنسانية في البلدان التي صارت مسرحا لتلك الحرب ومن بينها باكستان، تبدو الحاجة ملحة إلي استراتيجية إنقاذ دولية متكاملة لتلك البلدان تقوم علي إنهاء التدخل العسكري فيها وااستعاضة عنه بخطط متكاملة للتنمية الشاملة وإعادة الإعمار.
ومحليا، يجدر بالقوي السياسية وتنظيمات المجتمع
المدني والإنتلجنسيا الباكستانية أن تتكاتف فيما بينها وتتجاوز خلافاتها السياسية وأحقادها الشخصية وتعمل من أجل طي صفحة الأنظمة الحاكمة الموالية لواشنطن والتي تستمد شرعيتها وأسانيد صعودها إلي سدة الحكم وبقائها فيه من دعم أمريكي سياسي واقتصادي لقاء مساهمة غير محسوبة في مشاريع أمريكية بالمنطقة تحت مظلة مايسمي الحرب علي الإرهاب .وظني أن تشكيل حكومة وحدة وطنية أو حكومة طواريء تضم كل ألوان الطيف السياسي والإثني في باكستان، تعمل بدأب وإيثار للمصلحة الوطنية العليا فوق أية توجهات فئوية ضيقة، وتتولي تشكيل لجنة وطنية من الخبراء والمختصين لوضع دستور مدني ديمقراطي جديد للبلاد يراعي خصوصية تجربتها كيما يعينها علي إجراء انتخابات حرة ونزيهة تتاح المشاركة فيها للجميع بغير إقصاء، بما يساعد علي إيجاد نظام ديمقراطي وطني يضع باكستان علي جادة الصواب حيث الديمقراطية والتنمية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.