لو أردنا أن نجمع ما قيل في السجون من شعر منذ فجر التاريخ العربي المضئ حتي الآن، لحصلنا علي "ديوان" شعري ضخم مكتوب بالعذاب والألم والشعور بالظلم والتوق إلي الحرية، ومثل ذلك القصة والرواية العربيتان. وقد لا تعدو الحقيقة إن قلنا إن الأدب العربي كله أدب سجون، لأن الأديب العربي مقيد، حتي وهو في بيته، بقيود كثيرة فكرية واجتماعية واقتصادية وسياسية وفنية. هذا التقييم لأدب السجون كما ورد علي لسان الناقد الدكتور ركان الصفدي يوسع دائرة هذا الجنس الأدبي الذي يحتل مكانة متميزة وبارزة في العالم العربي، لسبب أساسي، هو أن من حق السجون العربية - كما يقول الصفدي - أن تفاخر علي باقي سجون العالم بكثرة عدد الأدباء والمثقفين الذين تربوا في عزها فقلما تجد أديبا عربيا لم يعرج في مسيرة حياته علي سجن أو مخفر أو مركز أمني. وحسنًا فعل مركز البحوث العربية والأفريقية ان قام بتنظيم ندوة عن الأديب السجون في الفترة من 11 إلي 12 ابريل الجاري. وحسنًا فعل أن اهدي الندوة إلي الأدب الكبير صنع الله إبراهيم "أحد الذين ذاقوا مرارة التعذيب والتنكيل والسحل"، وكان ما يزال في الواحدة والعشرين من عمره الفتي، وباعتباره أحد اكبر صانعي الرواية الجديدة، وكانت روايته الباكرة "تلك الرائحة" عام 1966 فاتحة لشكل جديد من الكتابة وصودرت حين صدورها كما يقول الناقد الأديب شعبان يوسف الذي لعب دورًا كبيرًا في أن تري هذه الندوة النور ومنسقها وجامع خيوطها. وقد رأس هذه الندوة المهمة المفكر الكبير الدكتور سمير أمين صاحب الكتابات الابداعية في تحليل النظام الرأسمالي العالمي وتحدث في جلستها الافتتاحية كل من حلمي شعراوي مدير مركز البحوث العربية والأفريقية، وصاحب الفضل الأول في انعقاد ونجاح هذا الحدث الفكري والثقافي - والسياسي - الفريد كما تحدث منسق الندوة شعلة النشاط شعبان يوسف. وفي الجلسة الأولي التي رأسها الأديب الكبير بهاء طاهر قدمت الناقدة المحترمة والكاتبة الكبيرة الدكتورة رضوي عاشور ورقة قيمة عن أدب السجون في العالم العربي تضمنت عرضًا لكتابات السجون العربية من خلال المرويات: مذكرات وسير ذاتية وروايات انتجها معتقلون سابقون عن تجربة الاعتقال والسجن السياسي، واختارت تناول كتابة السجن في اربعة بلدان عربية هي مصر والمغرب - لأن كم النصوص التي نشرت فيهما يفوق ما انتج في البلدان العربية الأخري - وفلسطين ولبنان واعتبرتهما حالة واحدة لتناولهما كتابة تجربة الاعتقال السياسي في السجون الاسرائيلية، وأصبحت قاصرة عن تناول الشعر لأنه بحاجة إلي دراسات قائمة بذاتها تحيط بالعامي منه والفصيح وما انتجه شعراء أومن عبروا عن أنفسهم شعرا وإن لم يتحولوا إلي شعراء لأنهم اختاروا ذلك أو لأنهم غير مؤهلين له. وتختتم الدكتورة رضوي عاشور ورقتها القيمة بقولها إن كتابات السجن علي تنوع أساليبها واختلاف قيمتها البلاغية والتوثيقية أقرب لنسجية فذة، وراء كل تفصيلة من تفاصيلها عرق ودم وحكاية يقشعر لها البدن: جرنيكا فريدة تتجاوز قدرة أي فنان فرد وإن كان بوزن بيكاسو، عمل جماعي يشهد علي قدرات الانسان علي التحمل والتجاوز والانتصار رغم كل شئ.