يخشي الواحد منهم أن يبدو في صورة "المتطرف" أو "المتشدد" أو "المنافق" الذي يريد أن يراهن علي التيار الديني أو يدغدغ مشاعر المتدينين فيدعي في تصريحاته أنه "يخجل" من بعض الأدوار التي تُعرض عليه (!) وتقول أخري إنها تراجعت عن المشاركة في بطولة المسرحية "إياها" لأنها "خجلت" أن يراها أولادها في هذا "الوضع" وكأنها ضُبطت في شقة دعارة (!) ويحاول المسئول أن يبرر لجوءه إلي حذف بعض اللقطات، من دون أن تطالب الرقابة بذلك، فيقول: حذفت كل المشاهد التي "أخجل" أن يراها ابني أو حفيدي إذا ما اصطحبته لمشاهدة هذا الفيلم (!) وتتوالي "التمثيلية السخيفة" فيؤكد ممثل مبتدئ أنه يرفض الأدوار التي "يخجل" أن يراها أولاده (!) فماذا يحدث؟ وما حكاية "الخجل" الذي يتمسحون فيه، ويدارون فيه "فشلهم" أو "نفاقهم للتيار الديني"؟ لقد بلغت المأساة ذروتها بالتصريح الذي أكدت فيه راندا البحيري أنهم وضعوا صورتها علي "أفيش" فيلم "قبلات مسروقة" بشكل غير لائق مقارنة بزميلاتها "الأحدث فنيا" لأنها "رفضت أن يقبلها أحد في الفيلم بينما احتفي المنتج باللاتي وافقن علي ذلك"!! هل تحولت المبادئ إلي "تجارة"؟ والقيم إلي وسيلة للتباهي والمفاخرة؟ ولماذا لم نسمع أو نقرأ يوما تصريحات كهذه علي لسان فاتن حمامة وماجدة وسعاد حسني وهند رستم وغيرهن.. بل لماذا لم يفطن أحد من نجومنا الكبار ومبدعينا إلي هذه "اللعبة" من قبل، ولم يلجأ أحد منهم إلي "تجميل" صورته بهذه الشعارات الأخلاقية، التي تبدو براقة، ومثيرة لإعجاب قطاعات عديدة في المجتمع، بينما هي في الحقيقة تؤكد كل معاني الزيف والخداع. النجم الكبير والفنان القدير محمود ياسين يحاول بموضوعيته المعهودة تحليل الظاهرة فيقول: في غياب الخلفية الثقافية، والإيمان الصادق بالقيم والمثل والمبادئ، يلجأ البعض أحيانا إلي تعويض جهله وتراجع وعيه فيقدم نفسه من خلال مثل هذه العبارات البراقة عساه أن يخدع من حوله، وهي ظاهرة سائدة، ومتفشية، بكثرة في مجتمعنا هذه الأيام بينما المفروض أن الفن مدعاة للتفكير والتأمل والتمهل، ولا مكان فيه للعجلة أو إصدار الأحكام المتسرعة. لكن الأمر الذي لفت انتباهي في هذه الظاهرة أن الفنانين الذين خرجوا من الحارات الشعبية، المشهورة بالقيم والأصالة والأخلاق والتمسك بالأعراف والتقاليد، كانوا الأكثر ثقافة واستنارة ووعيا وفكرًا، ومن ثم كانت لديهم الجرأة في تقمص الأدوار والشخصيات المختلفة من دون أن يتوقف عند أمور "شكلية" أو يدعي رفضه لدور لأنه "خجل منه"؛ فالثقافة هنا كانت تلعب دورًا كبيرًا في تحصين الفنان، ومنحه الثقة في نفسه، وفيما يختار من شخصيات حتي لو كانت صادمة للمجتمع أحيانًا، والثقافة والوعي هما أيضًا اللذان كانا العنصر المهم الذي يجعله يستشعر الفشل قبل وقوعه، وبالتالي يتحسب له حتي لا يكون مدعاة لخجله أمام الناس، حرصًا علي مكانته وقيمته، وليس لمداهنة تيار أو نفاق أشخاص. والواقع، أيضًا، أننا افتقرنا إلي الجيل صاحب الرؤية، باستثناء قلة بيننا اليوم، القادر علي أن يناقش ويطرح وجهة نظره قبل التصوير، ويدرك كيف يحافظ علي احترامه لنفسه ولتاريخه. من ناحيته يري المخرج علي عبدالخالق الظاهرة من وجهة نظر أخري فيقول: كل شيء ينبغي أن يكون موظف دراميا، وفي سياق العمل، حتي القُبل والعري، وإلا اختل السياق. لكن يحدث أحيانًا أن يتم إقحام القبلات والمشاهد العارية بلا ضرورة إلا "بيع الفيلم بالصور العريانة"، وفي حالة كهذه لا تصبح أمام فيلم درامي بل "بورنو" ينتمي إلي الأفلام الجنسية الخليعة. أما الممثلة التي "تخجل" فعليها أن ترفض العمل أو تنسحب منه طالما وجدت أنها غير قادرة علي الاستمرار.. وفي حال إذا ما وجدت أن ما يطلق عليه البعض "جرأة صادمة" تفرضه ضرورة درامية سوف تنعكس عليها بصورة إيجابية فعليها ألا ترفض، وفي الكثير من الأحوال تصبح مثل هذه الشخصيات أو المشاهد "الصادمة" سببًا في تغيير مسار الفنان.. والأمثلة كثيرة. لكنني لم أنزلق يومًا إلي المستوي الذي أخجل منه أو أندم، وكنا نصنع أفلامًا نزهو بها، علي الرغم من انتقادها اللاذع للمجتمع، بعكس بعض الأفلام التي نراها في الوقت الراهن، ونجدها أقرب إلي أفلام "البورنو" ولا أظن أن أحدًا يحترم نفسه يصل إلي هذا المستوي. بجرأة وحدة يقول الكاتب والسيناريست محمود أبو زيد ردًا علي ما يحدث هذه الأيام: من يخجل من شيء لا يفعله، وله كل الحق في هذا، لكن من أدبيات العمل الفني أن موافقة الممثل أو الممثلة علي المشاركة في عمل ما يعني التزامًا و"كلمة شرف"، وليس من الأخلاق في شيء أن تهاجم ممثلة عملاً، بحجة أنها غير راضية أو غرروا بها إلي آخر مثل هذه الحجج التي نقرأ عنها ونسمع اليوم؛ وأذكر أن الفنان الكبير فريد شوقي رحمه الله مشارك في أفلام كثيرة علي سبيل المجاملة، ولم يرض عن نتيجتها النهائية لكنه أبدًا لم يهاجمها، وربما تحمل عبء الدفاع عنها أمام الصحفيين والنقاد، كنوع من الاحترام للنفس وللآخرين. وفي هذا المثال يكمن الفارق بين فنانين "زمان" و"الآن"؛ فقد اختفي الجيل الذي كان يؤمن بروح الهواية وظهر الجيل الذي يرفع شعار "لا يمني علي الفكة"، ولا يمكن في غياب القيم والمثل والأخلاق أن يتحدث أحد عن غياب الفن الصادق والجاد.. فهذا أمر طبيعي جدًا. الناقدة والكاتبة ماجدة خير الله تلمس الوجع وتنكأ الجرح بقوة كعادتها وتقول: "الخجل" شعار سخيف يرفعه البعض أحيانًا ليداري فشله وخيبته، وأظن أن هذا ما حدث مع راندا البحيري، التي لم تكن موفقة إطلاقًا في فيلم "قبلات مسروقة" فراحت تسوق إلينا أسبابًا واهية، وتحاول أن تقدم نفسها كبطلة أخلاقية رفضت أن تقدم تنازلات فظلموها (!) وقد حدث الأمر نفسه بشكل آخر معاكس مع هند صبري عندما قالوا إنها تتواجد علي الساحة لأنها توافق علي القبلات والعُري بينما الأخريات يرفضن هذا، وسرعان ما أثبتت الأيام أن هند صبري موهوبة بالفعل وأن تميزها هو الأصل، وليس جريها وراء شعارات وحجج واهية وواهمة كالتي يرفعها غيرها، ومازلت أري أن ادعاء الخجل ومحاولة إقناع الناس به كوسيلة للوصول إليهم هو نوع من التبرير الساذج للفشل وغياب الاجتهاد وقد تخدع الناس بعض الوقت لكنك لن تخدعهم طوال الوقت.