علي النقيض مما كانت عليه الحال منذ ثلاثين عاماً، لن نجد الآن في النظام البيروقراطي الصيني الضخم قوي سياسية عاتية تدفع نحو الإصلاح السياسي. الآن بعد أن خفتت توابع زلزال سيشوان العظيم، أظن أن الوقت قد حان لكي نسأل أنفسنا عن الصدمات التي ربما أحدثها ذلك الزلزال في النظام السياسي في الصين. هل كان الزلزال سبباً في ولادة قوة سياسية إيجابية جديدة قادرة علي التعجيل بالإصلاح؟ لقد حدث ذلك من قبل. فجميعنا نذكر أن التغيرات السياسية الهائلة التي شهدتها الصين سقوط "عصابة الأربعة" وتحول دينج زياوبنج إلي قائد أعلي للصين جاءت في أعقاب زلزال تانغشان المدمر في العام 1976. وفي ظل التباين الحاد بين موقف رئيس الوزراء ون جياباو الذي اتسم بالاهتمام الشديد أثناء الزلزال، والأداء السياسي المتواضع للرئيس هيو جينتاو، لا يملك المرء إلا أن يتصور أن الزلزال ربما تسبب في قلب التوازن بين أعلي المستويات القيادية في الحزب الشيوعي، فدفع القوي الليبرالية الممثلة في ون إلي مركز السلطة. إلا أن هذا في الحقيقة تصور ساذج. فعلي النقيض مما كانت عليه الحال منذ ثلاثين عاماً، لن نجد الآن في النظام البيروقراطي الصيني الضخم قوي سياسية عاتية تدفع نحو الإصلاح السياسي. فآنذاك أرغمت ثورة ماو الثقافية عدداً ضخماً من رفاقه الثوريين إلي اتخاذ مسار إصلاحي. أما في الصين اليوم فإن الأغلبية الساحقة من البيروقراطيين يعشقون الوضع الراهن ولديهم من الموارد ما يكفي لحماية أنفسهم. ورغم فوز ون بالتأييد الشعبي من خلال جهوده المخلصة المتواصلة لمساعدة ضحايا الزلزال، إلا أنه يظل معزولاً داخل الدوائر الرسمية. ورغم أن هيو يكاد يعجز عن إخفاء تواضعه كزعيم، إلا أن ذلك لا يشغل بال البيروقراطيين كثيراً، إذ إنهم لا يريدون شخصاً قادراً وجاداً يتحكم فيهم. إلا أن زلزال سيشوان لم يكن منفصلاً تمام الانفصال عن التقدم السياسي في الصين. فقد سعي ون رغم الضغوط التي تفرضها عليه البيروقراطية إلي تغيير الوضع من خلال توسيع الانفتاح الإعلامي والشفافية. كما سعي إلي استغلال ألعاب بكين الأوليمبية لمنح الإعلام الأجنبي قدراً غير مسبوق من الحرية، إلا أن البيروقراطيين نجحوا في عكس قراره. لقد منح الزلزال ون فرصة ثانية لم تكن علي البال. فقد استخدم التلفزيون واستفاد من أدائه المتميز البارز في إثبات قدرة الأدوات الإعلامية والمعلوماتية الحديثة علي تحجيم البيروقراطية في الصين. ولن يكون التراجع عن هذه السابقة بالأمر اليسير، ولسوف يكون لها تأثير إيجابي بعيد المدي في التقدم السياسي في الصين. إلا أن هذا لا يعني أن شخصاً ما سوف يبرز من الحزب بكل الشجاعة والقدرة علي تمثيل الزعامة السياسية الجريئة. بل إنني في الواقع أتصور أن زعماء المستقبل في الصين من المرجح أن يبرزوا من المجتمع المدني الناشئ المحدود في الصين، وليس من بين أبناء الطبقة البيروقراطية. وربما يكون قطاع الجمعيات الأهلية والمنظمات غير الحكومية الناشئ في الصين من بين المصادر المحتملة للزعامة السياسية في الصين في المستقبل. ورغم أن الحزب يلجأ إلي سبل متنوعة لقمع تطور هذه الجمعيات، إلا أن زلزال سيشوان أظهر فشل الحزب في القضاء علي القوة الاجتماعية التي تتمتع بها هذه الجمعيات الأهلية. وهناك قوة صامتة أعظم قد تنتج جيلاً جديداً من الزعماء السياسيين، والتي تتمثل في الجيش سريع النمو الذي يقدر الآن بحوالي عشرين مليون مواطن صيني. إن الصين التي يبلغ تعداد سكانها 3.1 مليار نسمة لا تفتقر إلي من يتمتعون بملكة الزعامة، وأنا أعتقد أن القدر الأعظم من هذه الموهبة موجود خارج بيروقراطية الحزب، بين أهل المؤسسات الناشئة التابعة للجمعيات الأهلية، والمؤسسات الخيرية، بل وحتي المؤسسات التبشيرية. إلا أن كل هذه المؤسسات في بيئة اليوم، التي تكاد تكون مغلقة، تفتقر إلي الوعي بمهاراتها وبصيرتها السياسية. والحقيقة أن المزيد من انفتاح وشفافية البيئة العاملة من شأنه أن يساعد علي إيقاظ حس هذه المؤسسات بمهمتها السياسية. ولكن ما زال علينا أن نتساءل: متي يأتي وقت التغيير السياسي الحقيقي؟ ليانج جينج اسم مستعار لأحد كبار باحثي السياسة الصينية في أحد المراكز البحثية التي أسسها زهاو زيانج الأمين العام للحزب الشيوعي سابقاً. والمقال ينشر بترتيب مع "بروجيكت سنديكيت.