توجد جماعات كثيرة من المجاهدين التواقين للحظة إعلان النصر علي الولاياتالمتحدة، وفي هذه الحالة فإن الساحة المرجحة للتمدد ربما لن تكون مرة أخري واشنطنونيويوركولندنومدريد، بل إنها علي الأغلب سوف تتوجه إلي "العدو القريب" الذي هو البلدان العربية والإسلامية. من الآن وصاعدا سوف نجد في الصحافة والإعلام ومراكز البحوث تقييما لما جري أثناء إدارة الرئيس الأمريكي الحالي جورج بوش؛ كما سنجد توقعات وبدائل لما سوف يقوم به من سيفوز بالانتخابات الأمريكية أو ما يجب عليه أن يفعله سواء كان الفائز هو المرشح الديمقراطي باراك أوباما أو المرشح الجمهوري جون ماكين. وبشكل من الأشكال، وفي العادة، فإن مثل ذلك يحدث في كل الدول الديمقراطية عند حلول الانتخابات العامة، ولكن بالنسبة للولايات المتحدة، ولأسباب كثيرة اقتصادية وسياسية وإستراتيجية، فإن مثل ذلك يحدث في العالم كله بسبب الانتخابات الأمريكية التي لا يصوت فيها أحد إلا الأمريكيون. وربما كان ذلك هو فضيلة الديمقراطية، وبالتأكيد فإنه إحدي نتائج العولمة، ولكن المهم أن عملية التقييم الجارية لا تهم الولاياتالمتحدة وحدها، أو الغرب وحده، بل إنها أول ما تهم مصالحنا نحن التي تتقاذفها أمواج ما يجري في العالم من صراعات وتفاعلات. ولاشيء جري في العالم خلال السنوات الماضية، خاصة منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 علي نيويوركوواشنطن، مثل ما بات معروفا بالحرب علي الإرهاب. وهي حرب غامضة ليس لها حدود معروفة، وجبهات محددة، وفيما عدا مسرحي العمليات في أفغانستان والعراق، فإن الحرب ممتدة بامتداد العالم كله، وكانت لها وقائعها ومعاركها في غابات الفلبين بقدر ما كانت في سكك حديد لندن أو مدريد. وخلال السنوات الماضية ساد الانطباع أن الولاياتالمتحدة، وحلفاءها وأصدقاءها أيضا، قد خسروا الحرب علي الإرهاب، فلا يزال أسامة بن لادن ورفاقه وحلفاؤه في حركة طالبان أحياء، وتنظيمهم يتمتع بحرية الحركة ليس فقط في أفغانستان، ولكن أيضا خلق مجالا واسعا له في باكستان أيضا. ووفقا لعدد من التقارير الدولية المهمة فإن عدد العمليات الإرهابية، وعدد ضحاياها في تزايد مستمر حيث ذكر المركز الأمريكي لمقاومة الإرهاب في تقرير له أن هناك 41% من الهجمات الإرهابية بين عامي 2005و2006، وهناك زيادة مماثلة في عام 2007. وأورد معهد ميموريال لمنع الإرهاب أن عدد القتلي من الإرهاب في العالم ارتفع بنسبة 450% بين عامي 1998 و2006. كل هذه المعلومات أوردها الكاتب فريد زكريا في مقال نشره أخيرا في مجلة النيوزويك، ولكنه في نفس الوقت عاد ووجد في هذه الدراسات ومثيلاتها كثر عيبا رئيسيا وهو أنها تحسب القتلي في العراق جميعا علي أنهم ضحايا للإرهاب بينما في الواقع أن الغالبية منهم سقطوا بسبب العنف الطائفي الذي جرت العادة علي أن يصنف وحده كنوعية خاصة من العنف فلم يحسب في عداد الإرهاب ضحايا الصراع في دارفور أو عدد من الدول الإفريقية لأنها كلها جرت بسبب الصراع بين الطوائف أو القبائل. ولذلك فإن دراسة أخري قامت بها جامعة سيمون فريزر الكندية وجدت أن الضحايا في العراق شكلوا حوالي 80% من ضحايا الإرهاب، ومن ثم فإن استبعادهم من الصورة ألإرهابية يؤدي إلي الاستنتاج أن الإرهاب قد تراجع في العالم بنسبة 40% منذ عام 2001. ويشير فريد زكريا بالإضافة إلي ذلك إلي دراسة أخري أجراها مركز أمريكي للبحوث المخابراتية وجد في منتصف 2007 أن الهجمات التي قامت بها منظمات إسلامية تراجعت من أعلي نقطة عام 2004 بنسبة 65% بينما تراجع عدد القتلي بنسبة 90%. وفي نفس الوقت نشرت صحيفة الهيرالد تربيون تقريرا كبيرا يشير إلي تراجع العمليات الإرهابية في منطقة جنوب شرق آسيا خلال السنوات الأخيرة ومنذ الهجوم الكبير الذي جري في بالي اندونيسيا والهجمات التي قامت بها جماعة أبوسياف في الفلبين. والحقيقة أنه لا يوجد سبب واحد لتراجع العمليات الإرهابية، فهناك عدة أسباب بعضها يرجع إلي الهجمات الكبيرة من قبل الحكومات المختلفة علي العناصر الأصولية لديها، وبعضها الآخر يعود إلي الاحتياطيات الوقائية التي اتخذتها المجتمعات في المطارات والموانئ ومداخل المؤسسات العامة، والانخفاض الشديد في التمويل الموجه للحركات الأصولية الجهادية. ولكن واحدا من بين هذه الأسباب يبدو أنه يقع بين أهمها وهو تراجع التأييد الشعبي لهذه الجماعات، فالجماعات الأصولية الإسلامية في باكستان لم تحصل إلا علي ستة مقاعد فقط في الانتخابات الأخيرة، ووفقا لاستطلاعات جرت في أفغانستان فإن نسبة التأييد للجماعات الجهادية لم تتجاوز 1%، وفي شمال باكستان فإن التأييد لأسامة بن لادن تراجع من 70% في أغسطس 2007 إلي 4% في يناير 2008 بعد اغتيال بنازير بوتو. وفي استطلاعات للرأي نشرتها مجلة المجلة السعودية في عددها الأخير حول رأي المسلمين في العمليات الانتحارية وجد أن هناك تراجعاً في نسبة التأييد لها ما بين عامي 2002 و 2007 حيث تراجعت في لبنان من 74% إلي 34%، وفي بنجلاديش من 44% إلي 20%، وباكستان من 33% إل 9%، والأردن من 43% إلي 23%، واندونيسيا من 26% إلي 10%، وتنزانيا من 18% إلي 11%، والنيجر من 47% إلي 42%. ولكن المدهش هو أن النسبة زادت في تركيا من 13% إلي 16%. وفي استطلاع آخر تراجعت نسبة الثقة في أسامة بن لادن بين عامي 2003 و2007 حيث هبطت نسبة الثقة في الأردن من 56% إلي 20%، وفي لبنان من 20% إلي 1%، وفي اندونيسيا من 59% إلي 41%، وفلسطين من 72% إلي 27%، وتركيا من 15% إلي 5%، وباكستان من 68% إلي 46%، والكويت من 20% إلي 13%. هذه الاستطلاعات تختلف فيما بينها بالطبع، وهناك كثير من الاعتبارات الفنية والإحصائية التي تدفع إلي عدم التعميم من هذه الإحصائيات، ولكنها في مجموعها تعبر عن توجه عام يقول أولا إن هناك اتجاها للتراجع في الظاهرة الإرهابية سواء علي مستوي العمليات أو مستوي الضحايا أو التأييد العام من قبل جمهرة المسلمين. ويقول ثانيا إن الظاهرة لا تزال باقية وقيادتها حية وفاعلة ولها مؤيدون لديهم دوافع واستعداد. ولذلك فإن الحصيلة ربما لا تزيد عن كونها حالة من الانكماش المؤقت القابل للتمدد مرة أخري. وكل ذلك سوف يتوقف علي نتائج الحالة العراقية والأفغانية حيث توجد جماعات كثيرة من المجاهدين التواقين للحظة إعلان النصر علي الولاياتالمتحدة، وفي هذه الحالة فإن الساحة المرجحة للتمدد ربما لن تكون مرة أخري واشنطنونيويوركولندنومدريد، بل إنها علي الأغلب سوف تتوجه إلي "العدو القريب" الذي هو البلدان العربية والإسلامية. ودعونا ننتظر ونري!!.