هبط أداء الاقتصاد الصربي إلي مستويات دنيا، وتبخرت سيطرة الصرب علي يوغوسلافيا السابقة، ثم قصفت بلغراد، العاصمة الصربية. والآن، تبدو صربيا وهي تتجه إلي التفكك أيضاً: فقد اعترفت بعض البلدان الأوروبية، كما والولايات المتحدة باستقلال كوسوفو، وهو شيء ما كان ليحدث قبل عقدين. كما قد لا يتذكر أحد الآن، فإن حروب يوغوسلافيا لم تبدأ في البوسنة ولا في كرواتيا، وإنما بدأت في كوسوفو. وكانت سلسلة الحوادث التي أفضت إلي مذبحة سبرنيتشا ومن ثم إلي قصف بلجراد بدأت هناك في أواخر ثمانينيات القرن الماضي. وفي ذلك الحين، اتخذ الزعيم الصربي الراحل سلوبودان ميلوسوفيتش سلسلة من الإجراءات القمعية ضد هذا الإقليم الألباني في معظمه وشبه المستقل "والمتمتع بحكم ذاتي" في إطار صربيا. وقد تراكمت كل هذه العوامل في عام 1990 عندما أنهي ميلوسوفيتش حالة شبه الاستقلال، وألغي الحكم الذاتي لكوسوفو، وعين قوة شرطة جديدة، وأغلق الصحف الألبانية، وطرد أساتذة الجامعات، وتسبب بشكل عام بنجوم فوضي اقتصادية وسياسية علي حد سواء. كان قصد ميلوسوفيتش أن يعيد تأكيد الهيمنة الصريبة والأرثوذكسية علي كوسوفو، وهي الأرض التي دارت عليها رحي معركة تاريخية ذات مغزي بين الصرب والإمبراطورية العثمانية في عام 1389 (خسرها الصرب)، وهي موطن لأقلية أصلية صربية أساسية. وماذا كانت النتيجة؟ في الأسبوع الماضي، وبعد حوالي عقدين من تلك الأحداث، أعلنت كوسوفو -التي تتحدث الألبانية وغالبيتها من المسلمين، والتي يرجح أن يكون الصرب فيها أقل موضعا للترحيب، وحيث لن تسلم أي كنيسة أرثوذكسية من الهجوم عليها- أعلنت استقلالها عن صربيا. وبهذا، فإنه سيكون من الصعب العثور علي تجليات أكثر وضوحاً لقانون حدوث التبعات غير المقصودة. في الحقيقة، وبينما كنت أرقب الجموع وهي تحتفل ليلة السبت قبل الماضي في شوارع بريشتينا، تساءلت عما إذا كان ثمة درس أكثر عمقاً هنا يمكن أن يوجه إلي أقاليم مجاورة أخري. لقد كان هدف ميلوسوفيتش المعلن، بعد كل شيء، تحقيق المجد الأعلي لصربيا (كانت لديه أهداف أخري غير معلنة أيضا مثل تكريس هيكل سلطة علي غرار الحقبة الشيوعية: لكن لا عليك). وقد ساعد، رافعاً راية القومية الصربية، في تحويل الأقليات الصربية في عموم يوغوسلافيا إلي ميليشيات صغيرة. وأوحت هذه الأقليات، بدورها، بخلق ميليشيات صغيرة أخري -الكرواتية والبوسنية والألبانية وغيرها- والتي شرعت في قتال بعضها البعض في سلسلة من الحروب الصغيرة والحمقاء. تستطيع أن تتهمني هنا، محقاً، بالمبالغة في تبسيط السيرة التاريخية. لكنني أعتقد بأن من الصحيح، رغم ذلك، القول بأن نتيجة هذا النشاط -التفرقة والتطهير العرقي والأعمال القتالية- كانت كارثة شاملة علي صربيا. فقد هبط أداء الاقتصاد الصربي إلي مستويات دنيا، وتبخرت سيطرة الصرب علي يوغوسلافيا السابقة، ثم قصفت بلغراد، العاصمة الصربية. والآن، تبدو صربيا وهي تتجه إلي التفكك أيضاً: فقد اعترفت بعض البلدان الأوروبية، كما والولايات المتحدة باستقلال كوسوفو، وهو شيء ما كان ليحدث قبل عقدين. وإذن، فقد أضر ميلوسوفيتش، القومي الكبير، والشخص الذي كان يطمح لأن يكون زعيم صربيا المبتعثة والقوية والناجحة- أضر بصربيا نفسها أكثر مما بأي بلد آخر. ستعكس سياسة روسيا تجاه هؤلاء الذين سيصبحون انفصاليين خلال الأسابيع القليلة القادمة قدرا وافيا من عقلية العصبة الحاكمة في روسيا. وإذا كان لدي صغار رجالات الكرملين بصيص اهتمام بمستقبل ينطوي علي الرفاهية لرفاقهم، فإنهم سيكممون أفواههم ويحاولون إسكات الجميع. وإلا، فإني آمل أن يتذكروا حقيقة أن مخاطر قانون التبعات غير المقصودة ستسري عليهم أيضاً.