عندما نتذكر هذا اليوم الحزين والعصيب.. يوم 5 يونيو "حزيران" والذي بدأت به نكسة وهزيمة عام 1967 ومر عليها الي الآن اربعون عاما لابد في نفس الوقت الا ننسي مقولة "ليندون جونسون" رئيس الولاياتالمتحدةالامريكية حينذاك في ذلك اليوم بعد ان اتضحت نتائجه "لقد انتهت القضية.. وانتهي الديك الرومي "Turkkey- shoot". ولعل هذه العبارة بابعادها وان كانت تحمل الشماتة والقلب المفعم بالسواد والحقد والسعادة والحبور لهزيمة مصر عسكريا في ذلك اليوم الا انه بلا شك يؤكد من جانب آخر مدي ابعاد المؤامرة التي دعمت اسرائيل من خارجها.. وقبل بدء الحرب بمدة ليست بقصيرة بهدف انهاء الرئيس عبد الناصر وريادة مصر للمنطقة وقضايا التحرر العالمي. واذا كان انتصار اكتوبر المجيد عام 1973.. وعبور ابطال مصر بالقوات المسلحة ورجالها وشهدائها الأفذاذ للقناة وتحطيم خط بارليف الذي أنشأة الاسرائيليون لحماية حصونهم واحتلالهم لارض سيناء.. أقول إذا كان هذا النصر قد ضمد الجراح الدامية وخفف بلا شك من آثار النكسة والهزيمة.. فها هم نفس الرجال يؤازرهم كل الشعب بمصر.. بل ابناء الامة العربية جمعاء يحققون نصرا عسكريا علي اسرائيل ويستردون ارض سيناءالمحتلة رغم كل العقبات والتدخلات الدولية المعادية.. ويسطرون في التاريخ ما قد يمحو الذكريات والذكري المؤلمة لهزيمة ونكسة 67.. عندما تحقق لهم ظروف الحرب والقدرة علي الالتحام عسكريا في مواجهة العدو.. والظروف السياسية والشعبية والمعنوية بالاضافة الي القدرة علي اتخاذ القرار من قيادة سياسية.. وعسكرية.. تحدد الهدف.. وتسدده في المرمي الصحيح فكان الانتصار او الشهادة.. هو الامل والارادة لرجال مصر الاوفياء. وقد يقول قائل.. او يتساءل سائل "ها وقد تحقق النصر لمصر في اكتوبر عام 73... وهي الآن في معاهدة سلام مع اسرائيل.. بل لعل الفلسطينين انفسهم في صراعهم مع اسرائيل يسعون الي انهاء الصراع اذا ما حصلوا علي حقوقهم العادلة مع اسرائيل سلميا.. علي الرغم مما يلم بصفوفهم من تصارع فلسطيني فلسطيني.. يترك اثاره علي مسيرة القضية.. ومصير الشعب الفلسطيني.. وينوء به راغبو السلام من دول وشعوب بمنطقة الشرق الاوسط وخارجها.. فلماذا نعود لذكري وذكريات هزيمة 5 يونيو "حزيران" عام 1967 بحلول شهر يونيو كل عام وحتي اليوم اي بعد اربعين عاما.. الا يكفينا النصر الذي تحقق في اكتوبر 1973.. الا يكفينا الهموم الاخري من احداث وحروب ودماء وتدمير وفتن في اطار صراعات من داخلنا.. والي داخلنا.. في العراق.. ولبنان.. وفلسطين.. والصومال.. ودارفور بالسودان.. الخ.. الا يكفينا اخبار الفم والهم في مجريات تلك الاحداث وأبعادها.. حتي نضيف عليها لمسات اخري من ماض حزين وهزيمة منكرة.. ألم يأت الوقت لتدفن ولو في ضلوعنا.. وتوأد ولو في مخيلاتنا؟! وقد يأتي رأي آخر وانا معه ليؤكد وجهة نظر تتناقض مع تلك الرؤي لاسباب ثلاثة.. هي: ان وقائع التاريخ لا تنسي ولا تمحي بمرور الايام والزمن.. وليس بالامكان ان نعبر علي ذكراها أليمة كانت او حبيبة عندما يتجسد امامنا اليوم والزمن وتاريخ وقوعها عبور ومرور الكرام.. خاصة وانه كل يوم تظهر حقائق وتستبين معلومات دقيقة.. لابد ان يسطرها التاريخ.. فتمتزج في وثائقه ومخطوطاته. ان الدول والشعوب المتقدمة.. كما تسجل وتحلل وتدرس انتصاراتها.. فهي في نفس الوقت.. تفعل نفس الشيء وبنفس اليقظة.. مع نكساتها وهزائمها فكلاهما نسيج لتاريخها.. ونبراس لتجربتها.. وتستخلص من النصر والهزيمة.. العبرة.. والحكمة.. لتزيد من انتصاراتها.. وتبتعد عن تكرار نكساتها.. ما دامت الحقيقة هي التي تسجل بكل دقائقها وابعادها واحداثها وشهودها.. دون تصفية اي حسابات.. او اجتهادات غير محسوبة.. او انحياز سياسي او عقائدي يشوه الحقائق ويطمس حقيقة التاريخ.. من حق الاجيال المتعاقبة.. ومنها من لم يتح له العمر.. او يوم مولدها.. ان يعرف شيئا عن حقائق وابعاد تلك الهزيمة وتداعياتها واسبابها.. وتتابع احداثها.. وبطولات حرب الاستنزاف للقوات المسلحة المصرية التي استهدفت اسرائيل ما بين فترة الهزيمة.. وفترة انتصار اكتوبر المجيد عام 1973 والقوي الخارجية التي شاركت في اسباب الهزيمة.. وكذا الاسباب الداخلية التي عمقت من قدر الهزيمة وابعادها. ان هناك متغيرات سياسية وعقائدية واجتماعية عمقتها نكسة وهزيمة يونيو 67 في صفوف المجتمع المصري.. قد يخطئ من يعتقد انه بمرور الزمن.. وتكدس التاريخ بوقائع اخري داخلية او خارجية.. كلها عوامل ساعدت علي انهائها او تناسيها.. بل العكس هو الصحيح.. فقد تولد عن الهزيمة امتداد ديني متطرف او غلو عقائدي يمين او يساري خاصة في اوساط الشباب سرعان ما امتد لكل المحافظات..ومازالت اثاره في اطار المواجهة او المعالجة الي الآن. ومن هنا نسرد في اطار السطور القليلة القادمة.. ما ورد في بعض سطور ومذكرات من هم في دائرة القرار السياسي او العسكري.. في هذه الفترة التي سبقت او عاصرت او لحقت بهزيمة يونيو 1967 كنموذج قد يمثل اضافة الي ما كتب عن هذا اليوم بالداخل او الخارج كالآتي: اولا: من مذكرات صلاح نصر "رئيس المخابرات المصرية في هذه الفترة" الجزء الثالث والمعنون "العام الحزين" والصادرة عام 1999 عن دار الخيال: ورد بها نصا الآتي: "بداية غير طيبة" نصب الغرب لعبد الناصر فخا وقع فيه.. ولم يكن الاتحاد السوفيتي بعيدا عن المشاركة بنصيب في اقامة هذا الفخ.. فكان عام 1966 ملتهبا بالاحداث، مليئا بالمشاكل، منذرا بالشر. فالغرب كله متكتل ضد عبد الناصر.. العلاقة بين مصر والاتحاد السوفيتي فاترة.. بعد تلكؤ مصر في تلبية طلبه بإقامة منطقة للاستطلاع الجوي.. الخلافات مشتعلة بين العالم العربي.. هكذا اطل عام 1967.. العام الحزين.. الذي حوي من المحن والمآسي ما لم تره مصر في الربع قرن الاخير! يضيف "علاقتنا مع بريطانيا مقطوعة فمشكلة الجنوب اليمني المحتل ومصالح بريطانيا في الخليج العربي تتناقض كلية مع سياستنا، كما ان الولاياتالمتحدةالامريكية بالرغم من وجود علاقات دبلوماسية معها.. فمصالحها بالمنطقة تتعارض مع سياسة مصر في مساندة الحركات التحررية.. اما المانياالغربية فعلا فعلاقتنا مقطوعة منذ صفقة الاسلحة السرية التي عقدتها مع اسرائيل. ثم اضاف ان "القيادة السياسية اخفقت في وضع القرار"... فقد ساعدت الظروف والاحداث علي الاعداد لمؤامرة كبري لتوريط عبد الناصر في حرب كبري شاملة مع اسرائيل.. والذي اصبح لا يستطيع ان يفعل شيئا مع تشديد الفلسطينيين من هجماتهم علي اسرائيل ومساعدة سوريا لهم.. وهو ما ادي بأشكول رئيس حكومة اسرائيل بالاعداد لعمل انتقامي ضد سوريا في ابريل 1967 ونفذه بغارة جوية اسقطت سبع طائرات سورية.. وتحركت قوات الاسطول السادس الامريكي بالقرب من شواطئ البحر الابيض المتوسط.. وقيام انقلاب عسكري في اليونان واعلان حكومة ديكتاتورية يمينية مما زاد من توتر عبد الناصر واصبح رد فعله عنيفا.. لانه بهذا الانقلاب ستنضم اليونان لتركيا لتكون بمثابة القاعدة الخلفية للمخطط الغربي! ظهر بعد ذلك علي المسرح العربي موجة من اللوم تجاه القيادة العربية الموحدة والتي بدات مشلولة امام تهديدات اسرائيل الموجهة لسوريا.. وكان هدف اسرائيل نصب الشراك لعبد الناصر باستخدامها وسيلة تسريب معلومات زائفة للسفارة السوفيتية في تل ابيب.. عن حشود اسرائيلية علي حدود سوريا. ويضيف من وجهة نظره ان موقف السوفيت خلال حرب الستة ايام.. يؤكد انهم كانوا متواطئين في المؤامرة لهزيمة مصر وعزل عبد الناصر! ثانيا: حديث وتصريحات للفريق اول محمد فوزي القائد العام للقوات المسلحة بعد نكسة 5 يونيو والتي صدر خطاب من الرئيس الراحل عبد الناصر بتكليفه.. ثم قيادته لحرب الاستنزاف والتي اصدر عنها كتابا بعنوان "حرب الثلاث سنوات" يقول عن اسباب هزيمة 5 يونيو 1967: ان الاستراتيجية المصرية في ذلك الوقت كانت دفاعية بناء علي مؤتمر القمة عام 1956 عندما كلفت القيادة الموحدة بوضع خطة اسمتها بعد ذلك الخطة "قاهر" وهي خطة دفاعية لمنع اسرائيل من التوسع في الوطن العربي وبالتالي كانت تتعارض مع خطة المشير عبد الحكيم عامر الهجومية "اسد" بضرب العدو في الجو. خاصة وان باقي القوات المسلحة لم تكن في وضع الاستعداد لتنفيذ تلك الخطة ومن هنا تقرر الغاؤها.. الا انه حدث تقاعس في ذلك.. علي الرغم من ان الرئيس عبد الناصر التقي بالقادة يوم الجمعة 2 يونيو 1967 اي قبل بدء المعركة بثلاثة ايام وكان لديه ربط في تقديره للموقف بين ماستقدم عليه اسرائيل وما حدث في حرب 56 بأن حدد يوم 5 يونيو لاقدام اسرائيل علي الضربة الاولي ضد مصر فوصلت خسائرنا من جراء الضربة الجوية الاسرائيلية الي 80% من طائراتنا! ثالثا: مذكرات شهادة سامي شرف سكرتير الرئيس للمعلومات "سنوات وايام مع جمال عبد الناصر" يستشهد في الفصل السادس من الجزء الاول في مذكراته تحت عنوان "عدوان يونيو 1967" بمقولة للاديب الفرنسي: "اندريه مالرو" تقول "ليست المسألة النصر العسكري او الهزيمة العسكرية.. المسألة هي ارادة الامة وتقديرها للبطل حين تجد نفسها فيه.. لقد وجدت امتكم نفسها في عبد الناصر بمقدار ما وجدت فرنسا نفسها في نابليون مع اختلاف الظروف.. وهذا هو الذي يبقي اما غيره فتكنسه الايام!" واكد في مذاكراته عن تلك الهزيمة لضرورة البحث في الاسباب.. قبل الاخذ بالاقوال. هذا جزء من كل.. لآراء بعض الرموز السياسية والعسكرية في دائرة اتخاذ القرار.. في فترة النكسة والهزيمة المشئومة والتي يطلق عليها.. 5 يونيو.. يوم ابكي كل المصريين.. وأدمي افئدة كل العرب.. واخيرا فقد عبّر الشاعر "نزار قباني" عن ذاك اليوم في قصيدته "هوامش علي دفتر النكسة" فقال: لا تلعنوا السماء اذا تخلت عنكم لا تلعنوا الظروف فالله يؤتي النصر من يشاء وليس حدادا لديكم.. يصنع السيوف يوجعني.. ان اسمع الابناء في الصباح يوجعني ان أسمع النباح ما دخل اليهود من حدودنا وإنما تسربوا كالنمل.. من عيوبنا وأخيرا.. اذ تذكرنا هذا اليوم وتاريخه.. فلعلنا نأخذ من النكسة والهزيمة عبرة.. وفي العبرة حكمة.. ونحافظ علي النصر في عيوننا.