يواجه كبير مبعوثي الأممالمتحدة القانونيين تحدياً صعباً هذا الأسبوع، يتمثل في السعي إلي التوصل إلي اتفاق بين اللبنانيين المختلفين بشأن تشكيل محكمة جنائية دولية. وينظر إلي نجاحه علي أنه أساسي وضروري للأزمة السياسية العميقة التي يعانيها لبنان. فقد تحولت المحكمة، في وقت مازالت فيه الأزمة تتفاقم، من أداة للعدالة الدولية لمحاكمة قتلة رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري إلي محور صراعٍ إقليمي حول مستقبل لبنان يدور في الشرق الأوسط وأروقة مقر الأممالمتحدة بنيويورك، علي اعتبار أن مصيرَ لبنان، وربما سوريا المجاورة أيضاً، قد يكون رهيناً بإنشاء هذه المحكمة والصلاحيات التي ستوكل إليها. وفي هذا الإطار، كتبت راغدة درغام في صحيفة "الحياة" تقول: "إن المحكمة لم تعد ترمي إلي محاكمة المسئولين عن اغتيال رفيق الحريري. بل باتت اليوم تمثل بوصلة لعلاقات القوي العظمي مع بعضها بعضاً، ومع بلدان المنطقة وحروبها الجماعية والفردية". وقد وصل نيكولاس ميشال، المستشار القانوني للأمم المتحدة، إلي بيروت يوم الثلاثاء من أجل إجراء جولة من المحادثات مع الحكومة وزعماء المعارضة في محاولةٍ للتوصل إلي توافق بشأن تأسيس المحكمة الأممية- اللبنانية المشتركة. وقد أوضح ميشال أنه لا ينوي التدخل في الشئون اللبنانية، وأنه أتي من أجل الرد علي أي أسئلة للأطراف إذ قال: "نريد للمحكمة أن تكون جهازاً قضائياً حقيقياً، وليس وسيلة سياسية". المحكمة ترمي إلي محاكمة الأشخاص المتهمين بتنفيذ عدة اغتيالات، ومحاولات قتل، وتفجيرات منذ أكتوبر 2004، وفي مقدمتها اغتيال الحريري باستعمال شاحنة مفخخة قبل عامين من اليوم. وبالرغم من أن الحكومة والأممالمتحدة وافقتا علي تشكيل المحكمة، إلا أن المصادقة عليها من قبل البرلمان اللبناني معطلة من قبل نبيه بري، رئيس البرلمان وزعيم المعارضة، الذي يرفض إرجاء التصويت. ولا يخفي عدد من المحللين في بيروت تشككهم في قدرة وساطة ميشال علي حل الأزمة، معبِّرين عن اعتقادهم في أن مجلس الأمن الدولي سيعمد إلي تحاشي البرلمان اللبناني، وذلك عبر إصدار قرار بإنشاء المحكمة في إطار البند السابع من ميثاق الأممالمتحدة، والذي يقضي باستعمال العقوبات والقوة العسكرية لفرض القرارات الأممية. وفي هذا السياق، يقول ساطع نور الدين، كاتب العمود بصحيفة "السفير": "يحمل ميشال معه تفسيرات وضمانات للمعارضة، ولكنها لن تقبلها"، مضيفاً "ولذلك، فإن مهمته ستُمني بالفشل، وسيقترح في نهاية المطاف العمل بالفصل السابع". وكانت أطراف ائتلاف 14 آذار الحاكم، نسبة إلي انتفاضة 2005 ضد النفوذ السوري، قد طلبت من الأممالمتحدة الأسبوع الماضي تبني البند السابع من أجل نسف ما يعتقدون أنها محاولة من المعارضة التي يقودها "حزب الله" لعرقلة المحكمة حمايةً لحليفته سوريا. ومن جانبه، يقول وليد جنبلاط، زعيم الطائفة الدرزية في لبنان وأحد زعماء ائتلاف 14 آذار: "أعتقد أننا في طريق مسدود، ولا يمكننا أن ننتظر المحكمة إلي ما لا نهاية"، مضيفاً "إن الفصل السابع قد يساعد علي تغيير الموقف السوري". إلا أن شخصيات من المعارضة حذرت من أن من شأن اللجوء إلي الفصل السابع أن يزج بالبلاد في حرب أهلية. كما يقول "حزب الله" إن المحكمة لم تعد تمثل العدالة الدولية، وإنما أضحت نادياً سياسياً تستعمله الولاياتالمتحدة من أجل تهديد خصومها في سوريا ولبنان. وفي هذا الإطار، يقول نواف موسوي، مستشار "حزب الله" في السياسة الخارجية: "إن الأمريكيين يؤججون الصراع السياسي في لبنان، حيث يحلم الأمريكيون والإسرائيليون بدفع البلاد إلي حرب أهلية لهزيمتنا". معلوم أن الولاياتالمتحدة وفرنسا من الدول التي دعت بقوة إلي التحقيق في مقتل الحريري؛ وقد حثتا الصين وروسيا المترددتين، في ما يقال، علي عدم الاعتراض علي قرار بإنشاء المحكمة في إطار البند السابع. ويقول المحللون إن واشنطن تراهن علي مسئولية سوريا عن مقتل الحريري، علي اعتبار أن ثبوت تورط مسئولين سوريين كبار من شأنه أن يعيق نظام دمشق، حتي وإن رفضت القيادة السورية تسليم المتهمين. وكان الرئيس الفرنسي، الذي كان صديقاً شخصياً للحريري، قد أيد ضمنياً يوم الاثنين استعمال البند السابع، قائلاً إن علي مجلس الأمن الدولي أن "يتحمل مسئوليته" في إنشاء المحكمة في حال تخلف البرلمان اللبناني عن المصادقة عليه. وفي هذا السياق، يقول بول سالم، رئيس مركز الشرق الأوسط التابع لمؤسسة "كارنيجي إنداومنت" في بيروت: "إنها أداة سياسية قوية جداً ضد السوريين وحلفائهم"، مضيفاً "ولو كان أحد حلفاء الولاياتالمتحدة هو المشتبه في ضلوعه في اغتيال الحريري، ما كنت لأتفاجأ إن هي عارضت ذلك". إلا أن مؤيدي المحكمة يشددون علي أنه لم يكن ثمة مفر من تدويل التحقيق في مقتل الحريري بالنظر إلي ضعف الجهاز القضائي اللبناني. وفي هذا الصدد، يقول شبلي ملاط، أستاذ القانون الدولي بمركز "وودرو ويلسون" التابع لجامعة برينستون: "لو كان النظام القضائي اللبناني قادراً علي التعامل مع هذه القضية، فإنه ينبغي أن تُترك له. ولكن ما دام غير قادر علي القيام بذلك، مثلما نري، فإن اللجوء إلي العدالة الدولية يصبح ضرورياً". وقد طلب كبير المحققين الأمميين في مقتل الحريري عاماً إضافياً لإنهاء عمل لجنة التحقيق، التي بدأت عملها رسمياً في يونيو 2005، إلا أنه لم تصدر عنها حتي الآن مؤشرات تفيد بقرب خروجها بخلاصات واستنتاجات. وقال ميشال في بيروت إن المحكمة لن تبدأ العمل بعد تأسيسها "لعام علي أقل تقدير". إلا أن خبراء قانونيين يقولون إن المحكمة تستطيع العمل حالما يتم تشكيلها، وتحديد مكان لها، وانتقاء مجموعة من القضاة اللبنانيين والدوليين، مضيفين أنه بالإمكان محاكمة المتهمين حتي بموازاة مع تواصل تحقيق الأممالمتحدة.