مقولة يقولها الكثير من الأطباء لمرضاهم عندما يشكو مريض للطبيب من أعراض عضوية وبعد الكشف والفحوصات لا يجد الطبيب سببا عضويا للشكوي فتكون الإجابة أن المريض لا يعاني من أي شيء إنها فقط حالة نفسية. هذه المقولة البسيطة السهلة تحمل في طياتها اعتقادا وإيمانا لدي الأطباء وغير الأطباء بأن السبب النفسي للأعراض العضوية لا يستلزم علاجا في ذاته. وغالبا ما ينصح الطبيب المريض بألا يقلق أو لا يحمل هما وأن يخرج ويرفه عن نفسه أو نفسها، وربما يصف الطبيب للمريض دواء منوما لمساعدته علي النوم أو دواء مهدئا لتهدئة الأعصاب وعندها قد يبدأ المريض في سلسلة أخري من المشاكل. إن الاعتقاد أن الحالة النفسية السيئة التي تسبب أعراضا عضوية وتسبب للمريض متاعب إنما هي نتيجة مشاغل أو زعل علي المريض التعامل معه بالبعد عما يقلق وعدم شغل البال أو بالأكثر يعالج بالمنومات والمهدئات هو اعتقاد أبعد ما يكون للصح. لقد تقدم الطب النفسي كثيرا في هذا القرن ولا أقول العقد الماضي. الأمراض النفسية هي فرع من فروع الطب الحديث بل من أسرع الفروع توسعا وأكثر الفروع التي يحتاجها الناس في هذا العصر وإن كان المريض في البلاد العربية وبلاد الشرق والعالم الثالث بصفة عامة يحرمون من هذه الخدمة المهمة والأساسية. ليس هذا غريبا حيث إن الطب النفسي يدرس في كليات الطب في مصر علي سبيل المثال بصورة هامشية ولا يمتحن فيه. لهذا يصبح الطبيب الممارس والإخصائي علي دراية قليلة بالطب النفسي وتأثيره علي الإنسان وأعراضه وعلاجه، وأنا لا أطلب من الطبيب الباطني أو الجراح تشخيص المرض النفسي وعلاجه ولكن فقط التعرف علي الأعراض النفسية حتي يمكن توجيه مريضه وكذلك معرفة أن الأمراض النفسية هي أمراض ولها علاج طبي ناجح. لقد قامت أجهزة الإعلام في مصر بحملة توعية للأمراض النفسية في التليفزيون والإذاعة، وسوف يستغرق الأمر وقتا طويلا لكي تتغير المفاهيم والمعتقدات الراسخة في الشعوب، ولكن بلادنا في أشد الحاجة للتوعية من نوع آخر وهي توعية الأطباء والممرضين وإخصائيي العلاج الطبيعي وكل العاملين في المجال الطبي بالأمراض النفسية ودورها وأهميتها وكيفية التعرف عليها. لقد آن الأوان لأن يصبح تدريس الأمراض النفسية جزءا أساسيا من دراسة الطب والتمريض والعلاج الطبيعي كما في دول العالم الذي يطلق عليه العالم الأول. آن الأوان لأن تصبح الدراية بالأمراض النفسية لازمة لكل من يعمل في الحقل الطبي. إن الأمراض النفسية سبب لمتاعب عديدة صحية واجتماعية وزوجية وخلافه ونسبة الإصابة بها علي مدي حياة الفرد تصل إلي فرد من كل ثلاثة أفراد. إن مجموعة من الأمراض تصيب هذا الكم من الناس وتؤثر سلبيا علي حياتهم تستحق أن تدرس وتدرس تتوفر لها الخدمات العلاجية علي أوسع نطاق وأعلي مستوي