تتميز محافظة شمال سيناء بجوها النقي.. وإنها ما زالت ارضاً بكراً لم تصل إليها السحابة السوداء بعد.. علاوة علي شهرتها بمحاصيل الخضر والفاكهة والزراعات الحيوية وانتاج زيت الزيتون ولبن الماعز.. وهنا.. علي ارض سيناء تجد الكثير من الرجال والسيدات الذين بلغوا المائة عام أو تجاوزوها.. وذلك بفضل أكسير الحياة الذي لم يلوث بعد. وتمتلئ صحاري ووديان سيناء بالعديد من هؤلاء.. الذين مازالوا يعيشون علي الفطرة، ولم تعجبهم الحضارة.. فيعيشون علي ذكريات الزمن الجميل، ويتمنون عودته. وفي مدينة العريش العاصمة، والتي تعتبر قرية كبيرة لم تأخذها المدنية المعاصرة بمشاكلها وتعقيداتها، دلنا بعض المواطنين علي احدي السيدات التي مازالت تعيش علي ذكريات الماضي الجميل وعمرها المديد ناهز المائة عام. وعلي بعد نحو كيلو مترين من وسط مدينة العريش.. انتقلنا الي شارع اسيوط، ومنه الي احدي المناطق السكنية العشوائية.. حيث تقيم السيدة المقصودة عند احدي بناتها التي تعيش وحيدة بعد وفاة زوجها وزواج ابنائها، وهو منزل السيدة سميرة حمادة عطية حجاب.. وهناك وجدناها تقوم علي مساعدة والدتها المسنة علي تناول طعام الغذاء.. نظرا لضعف بصرها. انتظرنا حتي فرغت السيدة العجوز من الغداء، ثم دار الحوار معها حول ذكرياتها عن الزمن الجميل.. ومقارنته بزماننا الحالي الذي نعيش فيه. أكدت السيدة حبيبة أحمد مصطفي فروجة انها لاتعرف عن تاريخ مولدها شيئا لعدم وجود شهادات ميلاد او اهتمام بقيد المواليد وقتها، ولكنها تدرك انها عاصرت مجئ الاتراك الي العريش عام 1914 و 1915، وأن زوجها الحاج حمادة عطية حجاب كان تاجراً للاسماك ويسافر كثيرا الي العديد من المدن والمحافظات المصرية ويجلب لها الزبد الفلاحي لتأكل منه الي جانب زيت الزيتون المتوافر باالعريش، وكانت تنام مبكراً وتستيقظ مبكرا لترعي اولادها في غياب زوجها.. وانها كافحت معه كثيرا، وكانت تسير عدة كيلو مترات يوميا علي قدميها، وأن وسيلة المواصلات الوحيدة كانت الجمل.. فلا تركب سيارات في تنقلاتها داخل المحافظة، وقد توفي زوجها منذ 25 عاما.. مما اضطرها الي استخراج بطاقة شخصية باسمها، فتم تسنينها قياسا الي الاحداث التي عاصرتها. كما كانت تعتمد علي تربية الدواجن والطيور والماعز لتوفير اللحوم والبيض واللبن.. وكذلك تصنيع الخبز في المنزل فلا تشتري شيئاً من الخارج. وتقول انها عاصرت جميع الحروب والمعارك التي دارت علي ارض سيناء.. وأن الزمن الحالي كان غير الزمن الماضي بما فيه من حروب وغزوات وارتفاع اسعار، وانها تشفق علي أبنائها وأحفادها الذين وصلوا 50حفيداً من الظروف الحالية ومما نحن فيه الآن. ودائما ماتقول: الله يكون في عونكم علي زمانكم. كما عاصرت جميع الظروف التي مرت بها مصر وتعيها.. وتعي ايضا جميع الملوك والرؤساء الذين حكموا مصر وباقي الدول العربية خلال المائة عام الاخيرة. وتتذكر الحاجة حبيبية الزمن الجميل واقرانها الذين عاشوا فيه.. الا انهم تقريبا غادروه، ولم يبق لها سوي ذكراهم.. ولاتريد ان تعترف بالزمن الحالي.