منذ أن تفوه "جون كيري" بنكتته السمجة التي توحي بأن فقط من لم يستطع إكمال دراسته ينتهي به المطاف "مرمياً في العراق" والسياسيون من كلا الحزبين يحاولون التكفير عن الخطأ بإغداقهم الأوصاف الإيجابية علي الجنود الأمريكيين ونعتهم بالعباقرة الشجعان المتخفين في صحاري العراق. لكنهم في أعمقاهم يعتقدون بأن "جون كيري" كان علي حق فيما قاله. فلو كان نصف الرجال الذين يخدمون في العراق يتمتعون بنصف الذكاء الذي يتمتع به أعضاء الكونجرس لكانوا ربما يشاركونهم المقاعد ذاتها، ولربما كانوا في هذه الأثناء يستمعون إلي جماعات الضغط التي تحاول تملقهم ونيل رضاهم بدلاً من استنشاق الغبار في حواري بغداد الدموية. فأغلب قادتنا السياسيين لم يضيعوا وقتهم في الانتساب إلي الجيش مثل نائب الرئيس ديك تشيني الذي كانت لديه "أولويات أخري". وعكس سنوات ما قبل 1994 التي كان فيها عدد المحاربين القدامي في الكونجرس يشكلون نسبة 44%، لا تتعدي تلك النسبة اليوم 26%. ورغم الخطاب الرسمي الذي يحتفي بالجيش ودور رجاله البطولي في خدمة الوطن، فإن معظم أعضاء الكونجرس لا يوجهون أبناءهم إلي الخدمة العسكرية. ولا يتجاوز عدد أعضاء مجلسي النواب والشيوخ الذين لهم أبناء يخدمون في الجيش نسبة 1%. وبالنسبة للعديد من أعضاء الكونجرس تشكل الخدمة في الجيش أمراً جيداً لهؤلاء الفقراء الذين لا يملكون خيارات أخري. ولم يختلف الوضع كثيراً في حرب فيتنام حيث أسهم قانون إعفاء الطلبة من الخدمة العسكرية المثير للجدل في إبقاء أبناء الأسر داخل حرم الجامعات، بينما سيق الذين لم يكملوا دراساتهم العليا إلي الحرب. وحتي اليوم مازال الجيش يجتذب أبناء الشرائح الفقيرة بسبب الامتيازات التي يمنحها مثل التدريب والحصول علي منح دراسية. بيد أن الدراسات الحديثة التي أجريت حول التركيبة الديموغرافية للجيش الأمريكي تشير إلي خلاف ما سبق، وتؤكد أن الجيش لا يقتصر فقط علي الفقراء، أو ذوي المستوي التعليمي المتدني. فحسب الإحصائيات يضم الجيش في صفوفه عناصر تأتي من أحياء ميسورة أكثر مما كان في السابق. وبالنسبة للفقراء فهم الأقل تمثيلاً في الجيش مقارنة مع عددهم الإجمالي بين السكان. والسبب بسيط يرجع إلي امتناع الجيش عن ضم ذوي الإنجاز الأكاديمي المتدني، حيث لا تتجاوز نسبة الملتحقين بالجيش من غير الحاصلين علي الثانوية العامة 3.5%، ومع أن الجيش الأمريكي يبقي في مجمله بعيداً عن الفقراء والأقل تعليماً، إلا أنه في الوقت نفسه يعرف ضعفاً في تمثيل النخب الاقتصادية والاجتماعية الموجودة في البلاد. وتشير الإحصائيات في هذا الإطار إلي أن نسبة انخراط أبناء الأسر التي يفوق دخلها السنوي 60 ألف دولار يكاد يصل الصفر. لذا لا يكلف مسئولو التجنيد في الجيش أنفسهم عناء البحث عن منخرطين جدد في الأحياء الغنية لأنهم يعرفون مسبقاً أن محاولاتهم ستبوء بالفشل.