تعتبر الحرب في أفغانستان بالنسبة للعديد من منتقدي إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن، حرباً "جيدة" ضد المتمردين، مقارنة مع الحرب الحالية في العراق، والتي لا يكف هؤلاء المنتقدون عن مطالبة مسئولي الإدارة الأمريكية بمراجعة استراتيجيتهم بشأنها. فهم، أي منتقدو حرب العراق، يصرون علي ضرورة خفض القوات الأمريكية وتحديد جدول زمني لسحب القوات الأمريكية من بلاد الرافدين. غير أن الاختلاف بين أفغانستان والعراق لا يعدو أن يكون خلافاً سطحياً لا ينفد إلي نقاط الالتقاء التي تتجاوز الدوافع الحزبية داخل الولاياتالمتحدة، أو الدوافع العاطفية التي تفضل حرب أفغانستان علي حرب العراق. والحال أنه لا يوجد في الواقع سبب استراتيجي واحد يجعلنا نقف بذلك التفاوت إلي جانب الحرب في أفغانستان علي حساب الحرب في العراق، لا سيما بعد أن أصبحت مسألة المصير في كل من بغداد وكابول مسألة واحدة ذات مسارين متلازمين أكثر من أي وقت مضي. وبالطبع هناك اختلاف فيما يتعلق بالأسباب التي دعت الولاياتالمتحدة إلي شن حربها ضد البلدين، حيث كانت الحرب في أفغانستان، علي الدوام، أقل إثارة للجدل مقارنة مع الحرب علي العراق في مارس من عام 2003 ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلي الدور الذي لعبته حركة "طالبان" في إيواء تنظيم "القاعدة" وإمداده بالدعم، وهو ما وفر سبباً شرعياً كافياً يسوغ الحرب. وفي حالة العراق لم تحظ الحرب الأمريكية هناك بشعبية كبيرة، بالنظر إلي المعارضة الشديدة التي أثارتها في صفوف المواطنين والنخب السياسية. وقد جاءت التقديرات اللاحقة التي أثبتت خلو العراق من أسلحة الدمار الشامل لتجعل الحرب في العراق أقل شعبية من ذي قبل. لكن إذا ما نحينا جانبا الأسباب التي قادت إلي الحرب في العراق، فإننا سنخلص إلي نقاط التشابه بين الحربين الأفغانية والعراقية. فعلي غرار التمرد الشرس الذي نواجهه في العراق، تتصدي قواتنا إلي التمرد نفسه في أفغانستان. كما أن الصراع الطائفي في العراق، والذي يعقد الوضع هناك ويرفع من وتيرة العنف بين المسلمين من الشيعة والسنة، ويبقي الاختلاف الوحيد بين البلدين هو حدة العنف التي ترتفع في العراق أكثر منها في أفغانستان. كما أنه في العراق مازال الوضع الأمني متدهوراً وعدد القتلي الأمريكيين مرتفع بالمقارنة مع الوضع في أفغانستان، رغم أن هذه الأخيرة مرشحة للإنزلاق إلي دولة خارج القانون تعيش علي زراعة المخدرات. ويعتبر بعض المتشائمين أن الحرب الأهلية في العراق بين الطوائف المتصارعة، لا تترك أي مجال للنجاح وإعادة بناء البلاد، لكنهم ينسون بأن القوات الأمريكية وظفت الفروقات المستحكمة بين الأفغانيين وتحالفت مع بعضهم للقضاء علي "طالبان"، وهو ما يمكن تطبيقه في العراق. ولا يعني ذلك فقط استغلال الخلاف بين السنة والشيعة فقط، بل أيضا توظيف الخلافات داخل البيت الشيعي نفسه بما يموج به من تيارات وأجنحة متصارعة. بيد أن تلك الاختلافات بين الحرب في العراق وأفغانستان، تبهت أمام العدو المشترك الذي نحاربه في كلا البلدين متمثلا في تنظيم "القاعدة" الذي امتد وتوسع وأصبح أشرس في العراق منه في أفغانستان. ورغم الانتقادات الموجهة إلي الإدارة الأمريكية بأن الحرب في العراق هي المسئولة عن مفاقمة خطر "القاعدة"، فإنه علينا النظر إلي الوضع العراقي الراهن وخطورة استغلاله من قبل "القاعدة". فنحن اليوم نحارب من أجل منع سقوط العراق وأفغانستان في يد "القاعدة" وتحويلهما إلي ساحة معركة ينطلق منها الإرهاب العالمي لضرب أمريكا. ويشكل مقتل عمر فاروق، أحد أبرز قادة "القاعدة" في العراق بعد فراره من سجن كانت تحتجزه فيه القوات الأمريكية في أفغانستان وانضمامه إلي صفوف المتمردين في بلاد الرافدين، دليلاً قاطعاً علي تشابك المسارات بين أفغانستان والعراق. أما علي المستوي الاستراتيجي فإنه كلما حقق المتمردون نجاحات في العراق، كلما شكل ذلك مصدر إلهام للمتمردين في أفغانستان لمضاعفة هجماتهم وتعطيل جهود بناء البلاد.