مجلس الشيوخ ينعقد الخميس 2 أكتوبر و17 أكتوبر نهاية الفصل التشريعي    ختام فعاليات التدريب البحرى المشترك المصرى التركى ( بحر الصداقة – 2025)    وزيرة التضامن الاجتماعي تترأس اجتماع اللجنة الدائمة للإشراف على منظومة عمل الرائدات الاجتماعيات    سعر الدولار يواصل تراجعه اليوم الثلاثاء أمام الجنيه ويسجل 47.85 جنيه للشراء    المصرية للاتصالات تعلن تعيين تامر المهدي عضوًا منتدبًا ورئيسًا تنفيذيًا خلفًا لمحمد نصر    التخطيط: الناتج المحلى الإجمالى لمصر يُسجّل نموا 5% بالرُبع الرابع من 24/2025    نائب الرئيس الفلسطينى يرحب بجهود ترامب لإنهاء الحرب فى غزة    المؤتمر: تقدير ترامب للسيسي يؤكد مكانة مصر القيادية دوليا وإقليميا    160 ألف سلة غذائية.. تفاصيل قافلة "زاد العزة" ال44 من الهلال الأحمر لقطاع غزة    الأرصاد: طقس خريفى مستقر لنهاية الأسبوع.. وغياب الظواهر الجوية المؤثرة    بتهمة النصب والاحتيال.. ضبط كيان تعليمي وهمي بدون ترخيص بمصر الجديدة    جورج كلونى يثير القلق حول حالته الصحية.. والطبيب: هناك مشكلات أكثر خطورة    احتفاءً بالذكرى الثانية والخمسين لانتصار حرب أكتوبر .. "الجمسي".. قريبًا على قناة "الوثائقية"    رئيس الوزراء يتفقد وحدة المكتبة المتنقلة بقرية شمّا أشمون بالمنوفية    وزير العمل يصدر كتابًا دوريًا للتفتيش الميداني بتطبيق السلامة والصحة المهنية    افتتاح معرض منتجات التعليم الفني بالعاصمة الإدارية    الحكومة الإيطالية تدعم خطة ترامب للسلام في غزة    ماذا قال مدرب ريال مدريد عن كايرات؟    حسين الشحات: تعاهدنا على الفوز بالقمة.. وجميع اللاعبين يستحقون جائزة رجل المباراة    رغم إضافته للقائمة.. سلوت يوضح سبب غياب كييزا أمام جالاتا سراي    أسعار الفراخ في البورصة اليوم الثلاثاء 30 سبتمبر    رئيس الوزراء يتفقد مجمع خدمات المواطنين "المركز التكنولوجي" بقرية شمّا    النيابة تصطحب عاملا قتل صديقه بمدينة نصر لتمثيل جريمته    نقل 8 مصابين لمستشفى أكتوبر إثر انقلاب سيارة بطريق القاهرة – الفيوم الصحراوي    مصرع طالب أزهري صدمه قطار في قنا    رئيس الوزراء يبدأ جولة ميدانية لتفقد وافتتاح عدد من المشروعات بمحافظة المنوفية.. صور    أسعار مواد البناء اليوم الثلاثاء 30 سبتمبر 2025    وكيل اقتصادية النواب يطرح مقترحات للقضاء على ظاهرة عجز المعلمين    الليلة.. نجوى كرم تحيي حفلًا غنائيًا في أوبرا دبي    الخميس.. افتتاح الدورة الثامنة لمهرجان أيام القاهرة الدولي للمونودراما بالأوبرا    الضغط الخفي لمرض السكري على قلبك وكيفية الوقاية منه    ميدو ينعى والدة زوجته: "أمي الثانية.. اللهم ارحمها واغفر لها"    الأهلي يعلن إصابة طاهر محمد طاهر في مباراة الزمالك    رويترز: من المرجح أن يخفض البنك المركزي المصري أسعار الفائدة الرئيسية بمقدار 100 نقطة أساس في اجتماع الخميس المقبل    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 30-9-2025 في محافظة قنا    مجدي طلبة: كوكا نجح في تحجيم خطورة بيزيرا.. وعودة الشحات أبرز مكاسب القمة للأهلي    التعليم: إلغاء قصة طموح جارية المقررة على طلاب الشهادة الإعدادية    رئيس مجلس الدولة الصيني: مستعدون لمواصلة التنسيق الاستراتيجي مع كوريا الشمالية    أولى جلسات دعوى تعويض ب100 مليون جنيه في واقعة حبيبة الشماع    مصير هدير عبدالرازق تحدده المحكمة.. مستأنف القاهرة الاقتصادية تنظر معارضة البلوجر على حكم حبسها    رسميًا.. موعد إجازة 6 أكتوبر 2025 بعد قرار مجلس الوزراء    هالة صدقي تثير الجدل برسالة ساخرة عبر إنستجرام: "وجودنا في الدنيا كله أفجر حاجة"    لديه الحلول، ما شروط زيدان لتدريب مانشستر يونايتد؟    ما اكتفتش بالحضور متأخرة، شاهد ماذا فعلت ملك زاهر في العرض الخاص لمسلسل شقيقتها "ولد وبنت وشايب"    النوم بعد الأربعين.. السر المنسي لصحة الدماغ والقلب    السفير محمد كامل عمرو: خطة ترامب قد تكون بذرة صالحة للتسوية في غزة إذا ما نُفذت بنزاهة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 30-9-2025 في محافظة الأقصر    عاجل - ترامب: خطتي للسلام في الشرق الأوسط قد تشمل إيران    الأهلي يهزم الزمالك في القمة 131 ويشعل صراع الصدارة في الدوري المصري    سر بسيط من الطبيعة هيساعدك في تنظيم سكر الدم وتعزيز الطاقة    في مواجهة مع أفكار الأسرة التقليدية.. حظك اليوم برج الدلو 30 سبتمبر    وزير الري الأسبق: إثيوبيا مررت 5 مليارات متر مكعب من سد النهضة خلال الأسبوع الماضي    راحة فورية وطويلة المدى.. 7 أطعمة تخلص من الإمساك    غير الحمل.. 7 أسباب لانقطاع الدورة الشهرية    تعرف على مواقيت الصلاة غدا الثلاثاء 30سبتمبر2025 في المنيا    ترحيب «مصرى- إماراتى» بمبادرة «ترامب» لوقف الحرب في غزة    عضو مركز الأزهر: الزكاة طهارة للنفس والمال وعقوبة مانعها شديدة    خالد الجندي: آيات القتال مقصورة على الكافر المقاتل وليس الدعوة للعنف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كتاب جديد عن الحرب .. متى تكون ضرورة ومتى تكون اختيار?
نشر في الشروق الجديد يوم 20 - 12 - 2009

عندما تخوض الولايات المتحدة حربين ضد دولة واحدة خلال أقل من عقد ونصف العقد فإن الأمر يحتاج إلى قدر كبير من التأمل والبحث عن الدوافع والأسباب التى جعلت الولايات المتحدة تشن حربين ضد العراق يفصل بينهما 12 عاما ويجمع بينهما اسم «جورج بوش». وعندما يطرح أحد صناع القرار الأمريكي خلال الحربين رؤيته لهما فى كتاب فإن الكتاب يحمل أهمية كبيرة وهذا هو الحال بالنسبة لكتاب «حرب الضرورة وحرب الاختيار» الذى كتبه ريتشارد هاس أحد أبرز العقول الأمريكية في السياسة الخارجية حيث السؤال المركزى الذى يفرض نفسه على الكتاب الذى يمثل مذكرات رديتشارد هاس رئيس المجلس الأمريكى للعلاقات الخارجية، والمسئول السابق فى إدارتى آل بوش (الأب والابن) عن خبرته ومتابعته للحربين هو: متى تلجأ الولايات المتحدة للحرب؟
يقف هاس مع مجموعة صغيرة من رجالات الإدارة الأمريكية من المحافظين أو بمعنى أوسع الجمهوريين، من أمثال ديك تشينى وكولن باول، وبول وولفيتز، وبوب جيتس الذين يمكن أن يقدم كل من وجهة نظره، إجابة عن هذا السؤال الحاسم بالنسبة لأى رئيس أمريكى.
خلف الأبواب المغلقة
وبين هؤلاء فان ريتشارد هاس هو الأول الذى يأخذنا إلى ما وراء الأبواب المغلقة، والأول الذى يقدم روايته الشخصية، فى كتاب يوضح فيه ليس فقط ما حدث، بل ولماذا حدث.
فى هذه الرواية فإن هاس يناقش القرارات التى شكلت السلوك فى كلا الحربين، ويميز بشكل حاسم بين الصراعين فى عامى 1991 و2003. فالحرب الأولى ضد العراق والتى تلت قرار الرئيس العراقى الراحل صدام حسين غزو الكويت كانت حرب ضرورة، وعلى النقيض من هذا فإنه فى حرب العراق الثانية كان لدى الولايات المتحدة خيارات سياسية قابلة للتنفيذ.
ومما جعل الأمر أكثر سوءا أن هذا الطموح كان سيئ التنفيذ وحورب بمعارضة دولية. بهذا الشكل يقدم هاس فحصا لوسائل وغايات السياسة الخارجية الامريكية: كيف تصنع، وما الذى تهدف إلى تحقيقه، وكيف يمكن متابعتها، وهو أيضا يقدم رؤية لصانع القرار الأمريكى للاستفادة من دروس هاتين الحربين.
ويروى هاس أنه خلال توليه منصبه فى وزارة الخارجية فى عهد إدارة بوش الابن، بدأ يستشعر من خلال مساعدى الرئيس الذين يحضرون اجتماعات البنتاجون، ومجلس الأمن القومى، ومكتب نائب الرئيس، والذين يؤيدون الحرب على العراق، أنهم يرسلون إشارات أن الأمور تجرى كما يريدون.
ويقول هاس إنه لم يشارك هذا الحماس للجوء إلى الحرب، معتقدا أن الولايات المتحدة تملك خيارات صالحة أخرى وخوفا من أن اللجوء إلى الحرب سوف يكون أكثر صعوبة مما يعتقده الذين يروجون لها، كما كان قلقا من أن هذا سوف يحدث خسارة كبيرة للسياسة الخارجية الأمريكية فى اللحظة المحددة من التاريخ التى استمتعت فيها الولايات المتحدة بفرص فريدة لكى تمارس نفوذا استثنائيا.
ويشير هاس إلى أنه نقل شعوره هذا إلى كوندوليزا رايس مستشارة الأمن القومى فى مقابلة معها، التى قاطعته بقولها: إن الرئيس قد اتخذ قراره بالحرب.
معارضة هشة
ويعترف هاس بأن معارضته للحرب لم تكن حاسمة إذ إنها كانت 60% مقابل 40%، ولكنه يقول إنه إذا كان يعلم ما يعلمه الآن، ويعنى أنه لم تكن هناك أسلحة دمار شامل، وأن التدخل سوف يحدث بغياب ملحوظ من الحكم السليم والكفاءة فإنه كان سيكون معارضا بلا تردد. ولكن ما أوجه الشبه وأوجه الاختلاف بين الحرب الأولى على العراق عام 1991، والحرب الثانية بعد أكثر من عشر سنوات؟ يقول هاس إن هناك وجها واحدا للتشابه بين الحربين، وهو أن كلاهما أقحم الولايات المتحدة فى صراع مع العراق وصدام حسين، أما الاختلافات فهى عديدة:
فالحرب الأولى كانت محدودة وتقليدية بعدة معانى التى حاولت أن ترد عدوان خارجى وتعيد الوضع الراهن، أما الحرب الثانية فكانت طموحة بل ومتطرفة ومصممة أن تحل محل العراق وأن توجد الظروف لشرق أوسط مختلف.
كانت الحرب الأولى شأنا متعدد الأطراف حقا بعشرات من البلدان، ابتداء من روسيا واليابان إلى مصر وسوريا مكونة تحالفا غير مسبوق مستخدمة طرقا متنوعة (دبلوماسية وعسكرية واقتصادية)، أما الحرب الثانية فكانت فى كل نواياها وأهدافها انفرادية تؤيد الولايات المتحدة فقط بريطانيا ودول قليلة أخرى.
جاءت الحرب الأولى بعد عدة قرارات من مجلس الأمن فشلت فى أن تزحزح صدام من الكويت، أما الحرب الثانية فقد شنت بتأييد بقرار جديد من مجلس الأمن وبعد أن استنتجت الولايات المتحدة أنها لن تحصل على تأييد قرار ثانٍ.
بالنسبة للحرب الأولى، فقد لجأت الولايات المتحدة إلى الأمم المتحدة لكى تكسب التأييد التى اعتقدت الإدارة أنه سوف يجعل أقل صعوبة تأييدا من الكونجرس لاستخدام القوات المسلحة. أما الحرب الثانية فقد لجأت الولايات المتحدة إلى الكونجرس أولا ثم بعد ذلك للحصول على تفويض الأمم المتحدة.
استخدمت الحرب الأولى أكثر من 500.000 من القوات الأمريكية وقامت على أساس نظرية باول التى تتحيز لاستخدام قوات عسكرية فائقة، أما الحرب الثانية فقد صممت بواسطة وزير الدفاع دونالد رامسفيلد للتقليل من إعداد القوات الأمريكية المسلحة (تقريبا 150.000).
بدأت الحرب الأولى بمرحلة طويلة التى استخدمت فيها القوة الجوية فقط أما الحرب الثانية فقد استخدمت القوات الأرضية مبكرا.
جرت الحرب الأولى فى خلفية مفهوم (النفى الزائف)، التى اعتقد معظم محللى المخابرات وصناع القرار (عن خطأ كما تبين) أن صدام حسين لن يغزو الكويت، أما الحرب الثانية فقد جرت فى خلفية «الإيجاب الزائف» (غير الصحيح مرة أخرى) التى اعتقد فيها معظم محللى المخابرات وصناع القرار أن صدام حسين يخفى أسلحة دمار شامل.
إن الذين عارضوا الحرب الأولى قللوا من شأن السماح بالوضع الراهن أن يبقى، وأعلوا من شأن إثمان اللجوء للحرب بطرد صدام حسين من الكويت، أما هؤلاء الذين أيدوا الحرب الثانية فقد قللوا من شأن تكاليف اللجوء للحرب وأعلوا من شأن تكاليف بقاء الوضع الراهن.
أثبتت حرب العراق الأولى أنها مثيرة للجدل فى الداخل فى البداية ولكنها انتهت بأنها ذات نجاح شعبى واسع، أما الحرب الثانية فقد شنت بتأييد شعبى واسع ومن الكونجرس ولكن بمرور الوقت أصبحت غير شعبية بشكل عريض.
كانت تكاليف الحرب الأولى أقل من 100 بليون دولار وبسبب مساهمات دول التحالف فقد كلفت الولايات المتحدة أقل من القليل، أما الحرب الثانية فقد كلفت الولايات المتحدة تريليون دولار وربما أكثر بكثير. كلفت الحرب الأولى مئات قليلة من حياة الامريكيين، أما الأخيرة فأكثر من 4 آلاف.
بين حربين
ويبدأ هاس فى مناقشة موضوع كتابه الرئيس ألا وهو التمييز بين حروب الضرورة وحروب الاختيار، فالحروب يمكن النظر إليها باعتبار أنها لا يمكن أساسا تجنبها بمعنى أنها عمل من أعمال الضرورة، وأما العكس وبشكل يعكس اختيارا واعيا فى الوقت الذى تتوافر فيه سياسات أخرى معقولة ولكنها تبدو أقل جاذبية. ويقدم التاريخ أمثلة عديدة لكل من الحربين، فأى قائمة لحروب الضرورة من وجهة النظر الأمريكية سوف تتضمن الحرب العالمية الثانية وحرب كوريا أما حروب الاختيار التى قامت بها الولايات المتحدة سوف تتضمن فيتنام، والبوسنة، وكوسوفو، وقبل قرن، الحرب الأمريكية الإسبانية. فما الذى يميز حروب الضرورة، فالوضع الأكثر اشتراكا يتضمن الدفاع عن النفس، وبشكل أكثر عمومية فإن حروب الضرورة تتضمن أكثر المصالح القومية أهمية، وغياب بدائل واعدة لاستخدام القوة، وثمن معين ذو قيمة يدفع إذا ما استمر الوضع الراهن. وحروب الضرورة لا تتطلب تأكيدات بأن النتائج الكاملة للضرب أو المقاومة ستكون إيجابية، بل يكفى فقط التقييم بأن نتائج عدم عمل فعل هذا سوف يكون سلبيا وواسعا بشكل غير مقبول. ويذكر هاس بمقال كتبه بعد الحرب الثانية على العراق وبعد ترك إدارة بوش بخمسة أشهر، وقد جادل المقال بأن حرب العراق الأولى كانت نموذجا كلاسيكيا لحرب الضرورة، بينما كانت الحرب الثانية نموذجا كلاسيكيا لحرب الاختيار، كذلك جادل المقال بأن الحرب على العراق كانت مظهرا لسياسة خارجية إمبريالية والتى لجأت فيها الولايات المتحدة للحرب لأسباب غير المصلحة القومية. وقد يطول الجدل عما إذا كان الهجوم على العراق كان قرارا حكيما، ولكن فى جوهرها كانت حرب اختيار، فلم يكن علينا أن نلجأ إلى الحرب على العراق فقد كان هناك عدد من الخيارات: أن تعتمد على أدوات السياسة الأخرى، أن تؤخر الهجوم أو كليهما.
وتمثل الحربان على العراق أسلوبين مختلفين بشكل جذرى للسياسة الخارجية الأمريكية، الأولى تمثل مدرسة أكثر تقليدية توصف غالبا «بالواقعية»، وتعكس الحرب الثانية أسلوبا أمريكيا أكثر طموحا وأكثر صعوبة فهى تعتقد أن الهدف الرئيسى لما تفعله الولايات المتحدة فى العالم هو التأثير فى طبيعة الدول والأوضاع داخلها ولأسباب أخلاقية وأيديولوجية، وهذه السياسة الخارجية للرئيس وودرو ويلسون (مهندس معاهدة فرساى التى أعقبت الحرب العالمية الأولى)، وإلى حد ما للرئيسين جيمى كارتر ورونالد ريجان.
ويقول هاس: إن الحرب الثانية على العراق كانت ولاتزال مستمرة بعد تركه الإدارة بنتائج تتماشى جميعها مع تنبؤاته المتشائمة ولهذا كان غير سعيد إلى حد كبير مع السياسة التى أعتقد أنها تقوض لحظة نادرة تستطيع فيها الولايات المتحدة أن تعيد صياغة العالم، وهى الفكرة التى ألهمت كتابه الذى نشر عام 2005 تحت عنوان «الفرصة».
الاحتواء أفضل
ويستذكر هاس أنه فى ربيع 2002 جلس ليكتب مذكرة إلى كولن باول حول العراق وبدأها بأنه فى ديسمبر 2001 كان يجادل، مفضلا الاحتواء وضد اللجوء للحرب وكان يقلقه أن الحرب سوف تقابل بتأييد إقليمى قليل ويبعد الولايات المتحدة عن أولويات أعلى باعتبار التكاليف التى لا مفر منها، إذا أزيح صدام من السلطة واحتل العراق، فإن الولايات المتحدة ستتحمل مسئولية ذلك البلد، وهو ما سيتطلب وجودا أمريكيا طويلا هناك».
وذهبت توصيات هاس إلى التأكيد على الحد من قدرات العراق فى أسلحة الدمار وتعبئة التأييد الإقليمى والدولى للاحتواء، إضافة إلى تطبيق عقوبات فعالة.
ويقول هاس إنه على الرغم من أن باول اعتقد فى البداية أن الأمور لم تتطور بالشكل الذى استنتجته من لقاءات مع كوندوليزا رايس فإنه بعد ذلك تحقق أنى كنت أقرب إلى الواقع ولهذا فقد فكر وطلب مقابلة الرئيس. وفى 5 أغسطس دعى باول للعشاء فى البيت الأبيض مع الرئيس وكوندوليزا رايس وقد دفع باول بشدة أن تفكر الولايات المتحدة فقط فى مهاجمة العراق بعد الحصول على دعم التأييد الدولى والكونجرس، واعتبر أن هذا الأسلوب لن يكون فقط الأفضل لأمريكا إذا ما لجأت للحرب بل إن الحصول على هذا التأييد سيكون أفضل الطرق لجعل الحرب غير ضرورية. كذلك حذر باول الرئيس من أن الحرب لن تكون سهلة وأن الولايات المتحدة سوف «تملك» العراق بمعنى أنها سوف تكون قوة احتلال لفترة وليست دولة «تحرير».
وعلى الرغم من أن الرئيس قد تمسك بالسياسة الجوهرية فإنه وافق على أن يتبع أسلوب باول، ويقول هاس إن بوش ظن أن باول كان يبالغ فى تكاليف ونتائج الهجوم، ورغم أنه من الممكن أنه اعتبر توقعات باول دقيقة ولكن الثمن يستحق أن يدفع باعتبار المزايا المتوقعة.
ويتعرض هاس لموقف نائب الرئيس الأمريكى ديك تشينى الذى عكس استجابة الإدارة فى صورة خطاب فى أغسطس 26 «ببساطة ليس هناك من شك أن صدام حسين يملك الآن أسلحة دمار شامل، وليس هناك شك أنه يحشدها لاستخدامها ضد أصدقائنا وحلفائنا وضدنا أيضا».
كان تشينى محددا تماما حول مدى التهديد النووى «نحن نعلم الآن أن صدام قد استأنف جهوده للحصول على أسلحة نووية والكثير منا مقتنعون بأن صدام سوف يملك أسلحة نووية قريبا جدا».
ويقول هاس: إن الكثير قد كتبوا حول ميل نائب الرئيس تبنى حل «الواحد فى المائة»، وهو ما يعنى ماذا نفعل إن كانت هناك فرصة واحد بالمائة أن يمتلك صدام أسلحة دمار شامل، وهو ما يسميه علماء الاجتماع «حالة السيناريو الأسوأ».
ثلاثة معسكرات
ومع أغسطس انقسم المشاركون فى النقاش حول ما إذا كنا نلجأ للحرب مع العراق إلى ثلاثة معسكرات. حيث كان هناك المدافعون عن الحرب بقيادة نائب الرئيس وهيئة مكتبه، والعاملون المدنيون فى وزارة الدفاع ومستشار الأمن القومى وهيئته، وهم من سموا المحافظون الجدد داخل وخارج الإدارة الذين اعتقدوا أنه من الأمور العاجلة أن تحارب الولايات المتحدة وأن العملية سوف تنجح بسهولة، وأن كل الأشياء الطيبة سوف تنبع منها. كذلك اعتقد المدافعون أننا يجب أن نفعل بأنفسنا معظم ما هو مطلوب منا وأننا يجب أن نشرك الكونجرس.
أما المعسكر الثانى فقد ضم المتشككين بمن فيهم بنيت سكوكروفت ومعظم الأوروبين الذين قابلتهم. فلم يروا إلا القليل من العجلة فى تصرف الولايات المتحدة فى العراق معتقدين أنه سوف يثبت صعوبته وتنبأوا أنه سوف يطلق كل الأشياء السيئة فى المنطقة والعالم بما فيها عدم الاستقرار فى الدول العربية المجاورة والإرهاب والمشكلات الاقتصادية التى ستنشأ عن ارتفاع أسعار البترول.
وأخيرا كان هناك المعسكر الثالث الذى ضم أناسا لم يميلوا إلى أى من المعسكرين، لاعتقادهم بأن الحرب لا مفر منها، لذا كان تركيزهم منصبا على «كيف» أكثر من «ما إذا»، كما كانوا مهتمين بتهدئة الوضع الإسرائيلى الفلسطينى، وفى الحصول على تأييد الأمم المتحدة، وبناء تأييد دولى وضم الكونجرس ومن هؤلاء كل من وزيرى الخارجية السابقين هنرى كيسنجر وجيمس بيكر، ووزير الخارجية فى ذلك الوقت باول.
أما هاس فيضع نفسه بين المعسكرين الأول والثانى وكان متشككا حول الحاجة للجوء للحرب باعتبار كل المشكلات المحتملة التى سوف تطلقها الحرب وغياب إجابة للسؤال الملح: «لماذا الآن»؟ كذلك اعتقد هاس أنه إذا كان لابد من اللجوء للحرب فإن من الجوهرى أن تتم بشكل جيد وإلا فإن المهمة سوف تثبت أنها غالية وذات نتائج عكسية.
وقد قيل الكثير عن دور أجهزة المخابرات الأمريكية وتحليلها وتقييمها للموقف قبل الحرب وبشكل خاص حول مدى امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل، فى هذا الشأن يشير هاس إلى ما نشرته هيئة المخابرات فى أكتوبر 2002 الذى كان له تأثير واسع على التفكير والسياسة معا، فقد تضمن التقرير «إننا نحكم بأن العراق قد واصلت برامجها لأسلحة الدمار فى تحدى نظريات وقيود الأمم المتحدة» وبدأت بالقول «بأن العراق تمتلك أسلحة كيماوية وبيولوجية وكذلك صواريخ تتحدى قيود الأمم المتحدة، فإذا تركت دون أن توقف فإنه من الممكن أنه سوف يكون لديها أسلحة نووية خلال هذا العقد».
التصميم على الحرب
وقد تكررت محاولات هاس لكى ينقل وجهة نظره حول الحرب على العراق، وكان آخرها مذكرة قدمها إلى كولين باول وكان يقصد بها أن يعرف الرئيس أن لديه مخرجا. ومع ذلك لم يكن يتوقع أن يقدمها باول للرئيس لأنه كان بلغ درجة من التصميم على الحرب بشكل يصعب عليه الرجوع عنه. ويتساءل هاس: لماذا وصل بوش إلى هذه النقطة؟ فيقول إنه سوف يذهب إلى قبره قبل أن يحصل على إجابة عن هذا السؤال. ولكنه يقول: إن من خلال ما سمعه ورآه فإن قرارات بوش لم تكن كما يظن بعض منتقديه نتيجة أى نقص فى الذكاء أو أنه كان يتلاعب به من قبل نائب رئيسه وآخرين. فقد كان بوش ذكيا، وأكثر ذكاء مما يتصور الناس عامة، كما أن لديه إدراكا جيدا عن نقاط القوة والضعف لمن حوله من الناس كما أنه كان يقرأ الناس جيدا كما تتوقع ممن نجح أن يكون رئيسا، وكان خطأه، أنه كان سريعا فى الوصول إلى نتائج ودائما ما ينظر إلى تغيير الاتجاه كعلامة ضعف. ويقول هاس إن قراءات له إن كان منجذبا لأن يفعل ما هو جرىء فمثل هذه الأعمال الكبيرة تستجيب لجانبه المنافس، ورغبته فى أن يميز نفسه عن أبيه الذى كان يفضل الحذر ويميل إلى التخلص عن ما هو درامى. ويقول هاس إن ما أدهشه أكثر هو شعور بوش بالراحة للجوء إلى الحرب، ومع مرور ثلاثة أسابيع على الحرب فقد بدا كلية فى سلام مع ما قد قرر وكيف تتطور، كذلك أدهشنى كيف أنه لم يكن قلقا مع كل التعقيدات، التى تنبأت بها أنا وآخرون، والتى ستواجهنا، ومرة أخرى فقد كان لديه ميل لما هو كبير ودارمى ولم يكن ليسمح لشكوك الآخرين أو تفاصيلهم أن ترجعه عن طريقه. ويثير هاس سؤالا عما إذا كانت حربا على العراق ستقع إن لم تحدث أحداث 11 سبتمبر؟ ويقول إنه قبل 11 سبتمبر كان هناك بعض النشاط داخل البيروقراطية حول العراق ولكن كان هناك شهادة قليلة لا ترقى إلى أكثر من ضجة خلفية، ولكن 11 سبتمبر حولت الإدارة إلى مطرقة تبحث عن مسمار وقد أصبح العراق هذا المسمار، ومع غياب 11 سبتمبر لا أشعر أنه سيكون هناك الحاجة لمهاجمة العراق أو السياق السياسى الداخلى لتأييد مثل هذه الضربة. ولكن حدث 11 سبتمبر وامتلك بوش والإدارة الدافع للهجوم على العراق والإطاحة بصدام.
وبينما يناقش هاس دور بوش ودوافعه فى الحرب، فإنه يناقش أيضا دور صدام حسين وسلوكه، فقد كان أكثر من أى شخص مضى فيما عدا الرئيس بوش فى مركز لمنع الحرب، فلماذا لم يقدم ببساطة للمجتمع الدولى كل ما يريده فهو أكثر من أى شخص آخر كان يعلم أنه لم يكن يخفى أى أسلحة دمار شامل، فقد اعتقد أن ذلك سيكون علامة ضعف سوف تستغل من معارضيه الداخلين والإيرانيين أو كليهما. كما أنه من الممكن أنه شعر أن الروس أو الفرنسيين سوف يمنعون الحرب مادام أنه التقى مع الأمريكيين فى منتصف الطريق، كذلك يثير هاس سيناريو بديلا: ماذا لو كان صدام قد استجاب بالكامل وبشكل غير مشروط لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، فهناك سؤال عما إذا كان سيبقى فى الحكم، الأمر الذى نعلم الآن أنه الموضوع الذى كان يشغله والذى قاده لمقاومة الضغوط الدولية لكى يستجيب. كما أن ثمة تساؤلا عما إذا كان بوش سوف يقبل هذه الاستجابة، ومرة أخرى من الصعب تفادى عنصر السخرية، فقد قاوم صدام تغيير السياسة خوفا من أنها ستقود إلى تغيير النظام، كذلك قاوم بوش قبول تغيير السياسة خوفا من استبعاد تغيير النظام. وشعور هاس أن من حول بوش نصحوه أن يرفض أيا كان ما سيقدمه صدام.
الولاء والواجب
ويطرح هاس سؤالا حول موقفه وعما يسأله الناس دائما، لماذا لم يستقل حول العراق؟. كذلك سألوه لماذا لم يستقل باول؟ ويقول هاس إن بتنحيه العامل الشخصى (الصحة والمال، والأسرة..) فإنه يعتقد أن هناك سياستين تتعلقان بأساس الاستقالة، وفى حياته فقد شهد عدد من المناسبات التى استقال فيها شخصيات من مجلس الأمن القومى، ومن وزارة الخارجية مثل سايروس فانس، وقد سبق أن وصف موقفه بأنه كان 60 40% ضد الذهاب للحرب، وهو لا يعتقد أن أى منظمة سوف تعمل إذا ما تركها الناس فى كل مرة يجدون أنفسهم فيها فى موقف 60 40%، ولكن إذا كنت قد علمت ما أعلمه الآن فإن العراق لا تمتلك اسلحة دمار شامل فإنى كنت سوف أصبح 90 10% ضد الحرب. أما فيما يتعلق بكولين باول، فإنه كان يتطلب الكثير منه لكى يستقيل احتجاجا حول قرار سياسى واحد، وباعتبار خلفيته العسكرية فإنه كان يمتلك إحساسا قويا بالولاء والواجب والوطنية، كذلك كان باول يمتلك ثقة عظيمة فى مهاراته التى أعطته الاعتقاد بأن بقاءه سوف يساعد فى ضمان أن السياسة التى ستنتج ستكون أفضل مما لو كان قد استقال.
ويستخلص هاس ما خلفته إدارة بوش للولايات المتحدة وللفرص التى كانت تبدو لها، فيعتبر أن إدارة بوش قد ورثت اقتصادا قويا وفائضا فى المزانية وقوة عسكرية راسخة ولكنه سلم لخلفه ركودا، وعجزا ضخما ودينا وعسكرية متوسعة ومنهكة، وحربين وعالما معاديا للولايات المتحدة. وقد لا تلام الحرب على العراق على كل هذا ولكنها استنفدت قدرا كبيرا من موارد أمريكا، ونتيجة لهذا ساهمت بشكل كبير فى تدهور الوضع النسبى والمطلق للولايات المتحدة فى العالم. ومن الممكن تماما أن التاريخ سوف يحكم بأن أكبر ثمن للحرب هو افتقاد الفرصة، وتبديد الولايات المتحدة لفرصة نادرة وللعديد من الفرص غير المسبوقة لصياغة العالم وطبيعة العلاقات الدولية بعدة عقود قادمة، وبدلا من هذا ساهمت العراق فى بروز عالم تتوزع فيه القوة بشكل أكثر من أى وقت وتتناقص فيه قدرة الولايات المتحدة على تشكيل هذا العالم.
وهكذا يكون ريتشارد هاس، بين شخصيات مثل كولن باول، وديك تشينى، وبول ولفتيز، وربرت جيتس، الذين شاركوا وعاصروا الحروب الأمريكية على العراق فى 1991 2003، هو الوحيد الذى يتقدم لكى يصحبنا إلى وراء الكواليس، ولكى يوضح لنا دوافع واعتبارات اتخاذ القرار فى كلا الحربين، والفروق بينهما، والشخصيات الرئيسية فيها مثل جورج بوش الأب، وبوش الابن، وصدام حسين، كما يفسر لنا ما قد يبدو للبعض من تناقض فى موقفه وموقف كولن باول: بين تحفظاتهم ومعارضتهم للحرب الثانية وبين استمرارهم فى مناصبهم. أما القيمة الحقيقية للكتاب بالنسبة للسياسة الخارجية الأمريكية فهو الدرس الذى يقدمه لكل رئيس أمريكى حول متى يلجأ للحرب، ومتى يتفادها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.