كنت ولداً عادياً، أسير في الأسواق كسائر الناس، ولا أعترض أبداً، إذا ما رأيت المال في يد من لا يستحق حتي عم الفقر المدينة وزاد الجوع بينما صار الأغنياء أكثر مالاً ونفرا.. لكني ظللت ولداً مستور الحال، فلم أعترض، حتي رأيت بنتا تتكحل بكحل جاء من بلاد بعيدة، فقلت: كيف لها بكل هذا الترف وقد عم الجوع المدينة. فقلت: لا آكل ولا أشرب، حتي يعود الميزان إلي نصابه، لكنه لم يعد، فظللت هكذا لا آكل ولا أشرب، حتي أصابني الهزال بخفة في يدي، فعلمت أنه قد أصبحت لي يد لص، فوجدتني أسرق الكحل من العين لكني كنت دائماً لصاً شريفاً، لا يسرق سوي من أعين البنات المترفات، وفي المساء كنت أوزع الكحل متخفياً، علي بنات الحي، حتي علا ذكري بينهن وأصبحت حلمهن الخفي وأسموني "صاحب الكحل" بينما سار اسمي رعباً لكل البنات المترفات، لكني ظللت أسير في الأسواق علي هيئة ولد عادي، ولم أعط سري لمخلوق ولكن ذات ليلة مستورة القمر، كنت عائداً متخفياً بعد أن وزعت كل ما بجعبتي من كحل علي بنات الحي أصفر وأغني، فأعجب القمر غنائي، فاستحال بدراً، فأضاء لي وجه امرأة، فقلت أهرب حتي لا ينكشف سري ولكن قبل أن أفعل، رفعت المرأة يدها فنزعت القمر هلكت، فصارت تتحسس وجهي علي مهل قطعة قطعة، كأنها تشربه، فقلت ربما عينيها لا تبصر طالما تبصر بيديها. لكن كأنها عرفت ما جال ببالي فقالت: "لا يمنحنا تمام النور، تمام الرؤية" وظلت هكذا حتي أدركت كل معالم وجهي فقالت "ما أجملك" ثم وهبتني قبلة فصرت كحلاً رفعته بخفة ووضعته في عينيها، ومن يومها وقد استسلمت لدوام حالي ككحل بعد أن كنت لصا أسرقه نهاراً وأفيض به كل ليلة علي بنات الحي.