علي الرغم من أن العنف لا يزال علي قوته ومنعته في تهديده للقوات الأمريكية في العراق، فإنه تضاءل أمام اندلاع موجة العنف الطائفي المتبادل بين الشيعة والسُّنة، لاسيما في شهر يونيو الماضي، أي عقب مصرع رمز التمرد هناك وتنظيم "القاعدة" أبومصعب الزرقاوي علي حد قول المسئولين الأمريكيين. واليوم فإن أكثر ما يخشاه الأمريكيون والمواطنون العراقيون علي حد سواء، اندلاع حرب أهلية واسعة لا تبقي ولا تذر. ففي شهر يوليو المنصرم وحده ارتفع عدد ضحايا هذا العنف الطائفي ليصل إلي ما يقارب ال3500 قتيل، وهو أعلي معدل للضحايا منذ غزو العراق في عام 2003. إلي ذلك ينظر البعض إلي استمرار الحملة الأمريكية العراقية المشتركة علي فرق الاغتيالات والمليشيات الطائفية باعتباره أمراً في غاية الأهمية لاستقرار العراق واستتباب الأمن فيه. وفي وصف هذه الأوضاع إجمالاً قال مسئول أمريكي رفيع المستوي رفض ذكر اسمه إن العنف الطائفي والقتل المتبادل بين المسلمين السُّنة والشيعة، قد بلغا حداً خفت معه صوت التمرد الذي بالكاد يسمع اليوم. ولكن يعود اشتعال هذا العنف الطائفي في جانب كبير منه إلي التركة التي خلفها وراءه أبومصعب الزرقاوي. وترتبط تلك التركة بتخطيط الزرقاوي لاستخدام التمرد السُّني في إشعال حرب أهلية واسعة النطاق عبر الاغتيالات والتفجيرات الانتحارية، وشن الهجمات علي رموز ومعابد المسلمين الشيعة، بما فيها ذلك الهجوم الذي استهدف الضريح الشيعي في سامراء في شهر فبراير الماضي. وقد أشعل الهجوم الأخير هذا، موجة من الثارات والاغتيالات المتبادلة بين المسلمين السُّنة والشيعة. وقد تزامنت هذه العمليات مع فوز الشيعة بمناصب حكومية رئيسية، من بينها منصب وزير الداخلية، خاصة وأن الاتهامات توجه إلي هذه الوزارة بإدارة شبكة من فرق الاغتيالات التي تستهدف المسلمين السُّنة. وفي الوقت الذي قتل فيه أبومصعب الزرقاوي، كان قد تضاءل دور تنظيم "القاعدة" في العراق سلفاً، ليصبح واحداً ضمن مجموعة واسعة من تنظيمات وجماعات التمرد السُّني هناك. وذلك هو رأي "توماس دونلي"، الزميل الأول بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن. واستطرد "دونلي" قائلاً: ولكن الذي حدث هو اقتفاء المتطرفين الشيعة لأثر الزرقاوي وخطاه الرامية لإشعال نار حرب أهلية بهدف إفشال مشروع التحول الديمقراطي وتقويض المصالح الأمريكية. وكما جاء في تصريح محمد العسكري - الناطق الرسمي باسم وزارة الدفاع العراقية- فإن من خلفوا الزرقاوي في المنصب والقيادة والنهج، يبدون حرصاً علي ألا يكونوا أقل شأناً ولا بأساً منه في نظر العامة والأعداء. ولذلك فإنه لم يطرأ أي تغيير يذكر علي أساليب وتكتيكات عمل التنظيم: العمليات الانتحارية، واستهداف المدنيين وتأجيج نيران الفتنة الطائفية في البلاد. بل لقد شرع هؤلاء في استخدام المزيد من مدافع الهاون في عملياتهم والقليل من الصواريخ الصغيرة القصيرة المدي. وقد تمكنت هذه الترسانة من الأسلحة وأساليب القتال الناشئة من قلعة التمرد السُّني في محافظة الأنبار من تقويض مصداقية رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي وقواته العسكرية التي تلقت تدريباتها علي يد القادة والجنرالات الأمريكيين. وجاء في تصريح مسئول استخباراتي في واشنطن أن الأوضاع لا تزال مستمرة وماضية نحو الأسوأ في العراق. وبالنظر إلي الصورة الواسعة لما هو عليه الحال هناك، فإنه لابد من الاعتراف بأن التمرد العراقي يزداد قوة وخطراً. وهذا ما أكده قائد سياسي من الاتحاد الوطني الكردستاني بمدينة الموصل وكان قد التقي بأبومصعب الزرقاوي وفاوضه كطرف ممثل للحكومة بقوله إن شوكة التمرد السُّني ربما باتت أشد قوة وبأساً في غيابه. وليس أدل علي هذه الحقيقة من الارتفاع الملحوظ في عدد القتلي المدنيين في العاصمة بغداد علي إثر مصرع الزرقاوي. فقد سجلت مشرحتها 1.850 حالة وفاة جراء العنف خلال شهر يوليو المنصرم وحده!