كتب ميلاد زكريا: لم يكن صباحا عاديا علي ميدان رمسيس.. أو ميدان باب الحديد.. أو أي اسم سيحمله.. كان صباحا كئيبا، فقد بدت الأرض الخالية التي تشرفت باستصافة أقدام الملك، أشبه بأرض خربة، لا معني لها ولا عنوان ولا قيمة ولا هوية. أطلت الشمس في فجر أمس الجمعة علي الميدان فلم تجد رأس الملك لكي تطبع بأشعتها قبلة علي تاجه وجبينه النبيل. وبقدر ما كانت الاحتفالات والأضواء صاخبة بعد منتصف ليلة الخميس في لحظات تحرك الموكب باتجاه صحراء الجيزة، كان الصباح معتما رغم ضوء الشمس في غياب الملك، باردا في عز قيظ أغسطس. فقد الميدان فرعونه الذي كان يتباهي به بين ميادين مصر كلها، ولم يعد بإمكان التائهين أن يستدلوا به إلي سبيلهم، ولم يعد بإمكان الوافدين للقاهرة أن يحكوا لدي عودتهم عن مهابة ذلك الرجل الشامخ في قلب أكثر ميادين القاهرة ازدحاما وحركة. قد يكون رمسيس الآن محميا من التلوث والاهتزازات والرطوبة في منفاه البعيد، لكن عشاقه سيظلون ينظرون إلي بيته الخالي ويبحثون عنه بعيونهم.. لأن العشرة لا تهون إلا علي أولاد الحرام.. والمصريون بالتأكيد أبناء حلال، لذا بكي كثير منهم وهم يرون أعظم الفراعين يغادر مملكته الصغيرة، ليعيش في متحف بعد أن كان يعيش بينهم، يراقبهم بطوله الفارع ويمنحهم دليلا دائما علي الفخر والعظمة والقوة والبهاء والمجد.. الذي كان.