في وقت تتصاعد فيه هجمات إسرائيل و"حزب الله"، مهددة استقرار لبنان، تجد الولاياتالمتحدة نفسها في وضع أضعف مما كانت عليه في الماضي للتدخل في الأزمة كعامل مهدئ. والواقع أن الفراغ الدبلوماسي لا يبشر بالتوصل إلي حل سريع للأزمة، رغم محاولة بعثة الأممالمتحدة المتواجدة في المنطقة سد الفجوة. وهي البعثة التي حظيت بدعم كامل من قبل زعماء مجموعة الثماني، المجتمعين هنا خارج سان بطرسبورج يوم الأحد الماضي، في محاولة منهم وضع حد للتصعيد الذي تشهده المنطقة. ويؤشر انعدام مبادرة أمريكية في منطقة نفوذ تقليدي بالنسبة لواشنطن، علي أن البيت الأبيض لا يري مكاسب كثيرة من وراء التدخل في الوقت الراهن. إلا أنها تؤشر في الوقت نفسه علي حقيقة أن عدم الاهتمام بأحوال المنطقة لم يترك خيارات كثيرة أمام الولاياتالمتحدة. أما الأسباب التي تدفع الولاياتالمتحدة إلي الاكتفاء بمشاهدة الأزمة من الخطوط الجانبية فمتعددة ومختلفة، ذلك أن إدارة بوش منشغلة بالعراق، كما أنها لا تربطها علاقات دبلوماسية مع دول الشرق الأوسط المؤثرة في هذا التصعيد. هذا إضافة إلي أنها ترفض الضغط علي إسرائيل عندما يكون أمن تل أبيب عرضة للتهديد. والواقع أن موقف الولاياتالمتحدة يمثل تغيراً ملحوظاً مقارنة مع الأيام السابقة- مثل إدارة الرئيس بوش الأب الذي سخّر دبلوماسيين مثل جيمس بيكر وبرانت سكوكروفت لغرض تخفيف حدة التوتر- عندما كانت تمارس ضغطا علي جميع الأطراف، بما فيها إسرائيل، لنزع فتيل الأزمة. ويقول "آرثر هيوز"، المدير العام السابق للقوة متعددة الجنسيات بين إسرائيل ومصر والباحث في "معهد الشرق الأدني" بواشنطن، "للولايات المتحدة تأثير قليل جداً علي الوضع اليوم، وكل ما تفعله هوإبراز أن الولاياتالمتحدة ضعيفة وأنها فقدت النفوذ والتأثير اللذين كانت تتمتع بهما في المنطقة"، مضيفاً "وهوأمر مخيف لشركائنا مثل اليابان وأوروبا لأن الأمر الوحيد الأسوأ بالنسبة لهم من ولايات متحدة قوية جداً هوولايات متحدة ضعيفة جداً". ومما جاء في بيان مشترك صدر عن زعماء مجموعة الثماني، المجتمعين بمنتجع سابق للقياصرة الروس علي خليج فنلندا، "إننا نقدم كامل دعمنا لبعثة أمين عام الأممالمتحدة الموجودة حاليا بالمنطقة". وهي البعثة التي ترمي_ حسب الرئيس الفرنسي جاك شيراك- إلي "التوصل إلي وقف دائم لإطلاق النار". وقد أشار نص البيان إلي "حزب الله" باعتباره "عنصراً متطرفاً"، حيث ورد فيه أن "أولئك الذين يدعمون" المتطرفين "لن يسمح لهم بإغراق الشرق الأوسط في الفوضي والتسبب في نزاع أوسع نطاقاً". وبتشديده علي مسئوليات "حزب الله" وتلميحه الواضح إلي جهتي الدعم إيران وسوريا، يمكن القول إن النص يعكس الموقف الأمريكي. ويظهر التاريخ أنه إذا كانت أي دولة قد استطاعت التأثير علي الأحداث في الشرق الأوسط، فهي الولاياتالمتحدة. غير أن تأثير الولاياتالمتحدة يتناقص ويقل متي اتخذت موقفا يختلف بشكل كبير عن موقف شركائها الدوليين. وقد كان الانقسام بين القوي الأجنبية هذه المرة واضحاً من خلال تصريحاتهم الأولي، حيث أيد الرئيس بوش بشكل كامل إسرائيل، في حين أيد الزعماء الآخرون حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، ولكنهم انتقدوا في الآن نفسه رداً إسرائيلياً قالوا إنه لم يكن متناسباً في حجمه وقوته مع خطف "حزب الله" لجنديين إسرائيليين. غير أن السؤال الذي يفرض نفسه هو إلي أي مدي ستختار الولاياتالمتحدة التراجع عن سياستها وتفرض نفسها_ وهي التي ظلت في معظم الوقت مبتعدة دبلوماسياً عن النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني خلال رئاسة بوش. وفي هذا السياق، يقول "باتريك كلوسون"، نائب مدير "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدني"، "لقد كان بوش منشغلاً بأشياء أخري، والموضوع لم يكن يحظي بالأولوية في أجندته". غير أن البيان المشترك حول التصعيد الحالي قد يساهم في التقريب بين مواقف بوش ومواقف شركائه في مجموعة الثماني، علي الأقل علنا، خصوصاً وأنه كان الرجل الذي خرج عن الإجماع العام الماضي في مؤتمر قمة ببرلين حول التغير المناخي. والواقع أن نزاع إسرائيل مع "حزب الله"، وخصوصاً الضربات الإسرائيلية للبنان، تسبب قبل ذلك في انقسام بين الولاياتالمتحدة وشركائها. ففي تصريحات أدلي بها هنا، أنحي بوش بشكل واضح كامل اللوم علي "حزب الله" ومعه داعما الحزب سوريا وإيران. حيث قال إن إسرائيل تمارس حقها في الدفاع عن نفسها، وإن كان قد دعاها في الوقت نفسه إلي "ضبط النفس". هذا في حين اتخذ قادة آخرون هنا، وفي مقدمتهم مستضيف القمة فلاديمير بوتين، موقفاً مختلفاً، حيث نددوا باختطاف "حزب الله" لجنديين إسرائيليين، ولكنهما عاتبا إسرائيل في الآن نفسه علي الرد بشكل غير مناسب عبر قصف لبنان. فيما لمح آخرون إلي أن إسرائيل تستغل التوتر الحالي لتحقيق أهداف أكبر. وفي هذا السياق، قال الرئيس شيراك قبل مجيئه إلي قمة الثماني: "يتساءل المرء حول ما إن كان يوم الاثنين هناك نوع من الرغبة في تدمير لبنان". وقد استأثر موقف شيراك بالانتباه أكثر من أي وقت، خصوصاً وأن الولاياتالمتحدة وفرنسا تمكنتا من تجاوز خلافاتهما بخصوص العراق، وهوالأمر الذي تأتي في جزء منها بفضل توثيق تعاونهما بشأن لبنان. غير أن شيراك لمح بدوره إلي تورط سوريا وإيران في إثارة هذا النزاع الجديد- وهوموقف ينسجم مع الموقف الأمريكي، قائلاً في هذا الصدد "لدي الإحساس، إن لم تكن القناعة، بأن "حماس" و"حزب الله" ما كانا ليأخذا المبادرة لوكانا لوحديهما". ويري بعض الخبراء أن تطابق وجهات النظر يوفر قاعدة للعمل الدولي، إذ يقول "كلوسون" من معهد واشنطن "السؤال الذي يطرح اليوم هوحول إمكانية الضغط علي السوريين والإيرانيين حتي ترجع القوات التي أطلقوها أويواجهوا بعض العواقب الحقيقية، أوما إن كان هدفهم الحصول علي أمر يريدونه، مثل التوافق بشأن مواضيع أخري مقابل تعاونهم"، مضيفاً "إنها لحظة اختبار حقيقة".