جاءتني علي الإيميل رسالة غريبة، تقول: تشغلون بالكم بالحديث عن الليبرالية وترسيخ افكارها ومبادئها في شتي نواحي ومجالات الحياة، بينما الناس في الشارع مهمومون بليبرالية من نوع آخر، هي ليبرالية المرور في شوارع القاهرة والاسكندرية. فمثلما اصبح لكل شئ في مصر "سيم" وعّرف اتفق عليه الناس وأصبحوا يمارسونه وكأنه عقد مكتوب بينهم، يطبقونه في معظم نواحي ومجالات حياتهم، صارت هناك لغة صامتة وقواعد مطبقة في المرور والسير غير موجودة في اي بلد متقدم او نامٍ او حتي في اكروبات السيرك وساحة عربات الملاهي. وتعالوا نتعرف علي بعض منها: لو عربيتك كبيرة او قديمة، استخدم المبدأ القانوني: اللي خايف علي عربيته يوسع!! ملحوظة: ابعد عن سكة العربات المخرشمة، بيسوقوا بنظرية ضربوا الأعور علي عينه! "البوز بيز".. وتعني: يدخل ببوز عربيته الأول للتقاطع هو صاحب أولوية المرور! فاحرص علي ان تكون صاحب اول بوز. ملحوظة: لا تطبق هذه النظرية مع أي لوري أو أتوبيس، حرصًا علي بوزك لا مؤاخذة! الإشارات تكشف نواياك للأعداء، فإياك أن تستخدمها! لا تترك مسافة للأمان بينك وبين السيارة التي أمامك فهذا له عدة مخاطر: عربية ثانية ستملأ الفراغ في ثوان وبرضو ما يبقاش فيه مسافة بينك وبين الي قدامك، كل الي كسبته انك اتأخرت لورا شوية. ستعطي فرصة للعيال يعملوا غرز قدامك. كل المشاة حيغمضوا عينيهم ويعدوا من الحتة دي. الي وراك حيقعد يزمر لو كان مؤدب او تسمع شوية أسامي حيوانات لو كان سواق تاكسي مؤدب أو حيخبطك من ورا لو كان سواق ميكروباص ودول مفيش حد منهم مؤدب. الإشارات مش معمولة علشان تنظم المرور، معمولة علشان شكل القاهرة يبقي متحضر بس! اعتمد علي العساكر "مع تحملك كامل المسئولية لو واحد منهم شاورلك تعدي وبلدياته الناحية الثانية فتح السكة للوري" أو يفضل أن تستعمل البوز بيز "راجع القاعدة الثانية". إذا كنت مش واقف في الصف الأول في الإشارة اعمل حسابك تزمر بشكل متواصل وهستيري أول ما الإشارة تفتح، لأن الناس اللي قدام بيبقوا واقفين في الإشارة من زمان وجايز جدًا يكونوا ناموا! معظم الحوادث تحدث في التقاطعات أول الاشارة ما تحمر، كل ما عديت الإشارة الحمراء أسرع كل ما قلت فرصة انك تتخبط! الشارع مكان مقرف، سوق بأسرع ما يمكن حتي تتخلص من هذا الهم بسرعة، الناس اللي ماشيين بالراحة مرضي نفسيين بيستمتعوا بالعذاب، يستاهلوا الي يجري لهم. من حقوقك الدستورية أن تركن أمام باب المحل الذي تريد ان تشتري منه، اذا سبقك واحد ابن ستين في سبعين وركن قدام الباب، فمن حقك ان تقفل عليه وتركن صف ثاني او ثالث، ومش مهم لو الشارع اتقفل، ايه يعني اما الناس تتعطل عشر دقائق علشان تستمتع بحقوقك الدستورية؟ هيا يعني الدنيا طارت ولا كان وراهم الديوان؟ من حقك أيضا أن تخرج من مكان انتظارك في أي لحظة تشاء، اكسر الدركسيون شمال واطلع، اي حد ماشي في الشارع لازم يقف لك فورا، راجع البند السابق. احترس من ثلاثة أنواع من السائقين بيسوقوا وكأنهم مش ممكن يموتوا: العيال الروشين إلي بيلعبوا "Computer Games" وفاكريين ان ممكن يكسبوا Life زيادة لو ساقوا أسرع. ملحوظة: اوعي تحاول تثبت لحد من سواقين الميكروباص إن فكرته غلط، فاهمني! لما تشوف حادثة لازم تهدي وتتفرج مش مهم تساعد الحاجات دي دمها أخف من الأخبار المملة بتاعة التليفزيون، وبعدين لما الطريق وراك يقف تحمي المجتمع من حادثة تانية. الكناسين لازم يحللوا اللقمة الي بياكلوها، حاول تنفعهم وترمي اي حاجة من الشباك. لما تخلص سيجارة اوعي تحطها في الطفاية، ارميها من الشباك اول ما تشوف واحد بموتوسيكل معدي جنبك "علشان يحرم يعمل غرز". من حقك أن تعبر الشارع في أي وقت ومن اي مكان. إذا كان هناك سيارة قادمة اعمل نفسك مش واخد بالك وعدي براحتك خالص، ما تخافش، هو حيقف، هو اهبل يدوسك ويودي نفسه في داهية؟ ايام ان تنظر نحو السيارات القادمة، اعبر الطريق وظهرك لها حتي لا يشك احد قائدي السيارات ان تراه ويحاول يخوفك علشان تقف انت. حتي لو شفته أوعي تخاف خصوصًا لو معاك مراتك تبقي راجل ملو هدومك وتخاف من حتة عربية؟ عرّض قفاك وسيبه يتفلق. الرصيف ليس للمشاة، بل لركن السيارات وفرشات الباعة الجائلين والمحلات.. الخ، لذلك يحق للمشاة السير في وسط الشارع، لمزيد من الامان، راجع القاعدة السابقة. إذا كان الماشي من فئة النقل الثقيل، فمن ابسط حقوقه انه يمشي علي اقل من مهله ويهتز براحته، واللي موش عاجبه الهز يدور علي لوري يخبطه. لو قابلك لوري بيرمي حمولته علي الطريق في حقه مقطوعة بالليل، اياك من باب الشهامة والخوف علي البلد انك "تعتته" وتنصحه، فمصيرك سيكون بضربة قاضية بالكوريك علي ام رأسك.. وفي نفس الوقت انت مالك هو وبتوع البلدية "مظبطين" بعض، يعني واحد عامل عبيط وواحد عامل ضرير.. انت عارف ليه؟ انا مش عارف؟ الي هنا وينتهي هذا الايميل الذي صحح لي كل الاوضاع المقلوبة في رأسي.. فقد اكتشفت ان البلد كلها في حالة ليبرالية وانا لا اعلم.. فمفهوم الليبرالية عندنا في السياسة والاقتصاد والتعليم والصحة والزراعة، مثل نفس مفهومها في المرور: سمك، لبن، تمر هندي، ومهلبية وتقلية، وملوخية! يعني كل واحد يعمل اللي علي مزاجه، والآخرون يضربون رؤوسهم في اقرب حائط! حقا.. لو لم اكن ليبراليا لوددت في مصر بالذات ان اكون ليبراليا!