لا شك أن هناك تباينًا واضحًا بين تعاطي الدبلوماسية الأمريكية مع الملف النووي الإيراني وبين الطريقة " الودية " التي يتبعها الدبلوماسيون الأمريكيون مع الملف النووي الكوري الشمالي . ومن الواضح أن هناك توافقًا بين جموع الساسة الغربيين علي أن حيازة دولة اسلامية "متشددة " للسلاح النووي أخطر بكثير من امتلاك دولة " شيوعية " اندثر النظام الذي تتبعه بانهيار الاتحاد السوفيتي لنفس السلاح حتي وإن مثل خطورة أكبر بكثير من الأول كما هو الحال مع الجيل الثاني من صاروخ " تايبودونج - 2 " الذي تنوي بيونج يانج اطلاقه ضمن تجربة صاروخية بعيدة المدي . دوافع حيازة النووي لدي كوريا الشمالية وإيران وللمقارنة بين مساعي كوريا الشمالية وبين الأهداف الإيرانية وراء برنامجها النووي علينا أن نتأمل ظروف البلدين إلي جانب التصريحات التي أدلي بها المسئولون علي الجانبين . الجدير بالذكر أن ظروف البلدين تتشابه إلي حد كبير فكوريا الشمالية لديها الدافع لامتلاك السلاح النووي يتمثل في كونها محاطة بدول ذات ثقل نووي كبير إذ يحدها من الشمال الصين وروسيا ومن الجنوب عدوها اللدود كوريا الجنوبية في حين تجد طهران صعوبة في تقبل وجود دولة بالمنطقة مثل اسرائيل لديها مفاعل نووي عفا عليه الزمن يطلق سمومه الفتاكة التي تضر الفلسطينيين بل وحتي المصريين القاطنين علي الحدود مع اسرائيل كما أن الأخيرة لديها بالفعل قنابل نووية تشكل تهديدا علي كل الدول المحيطة وبخاصة إيران التي تشترك في عداء تاريخي مع الدولة العبرية . إذا الظروف متشابهة إلي حد كبير لكن الميزان الأمريكي يكيل بمكيالين علي الرغم من أن الرئيس الأمريكي جورج بوش ضم إيران وكوريا الشمالية إلي قائمة الدول التي تمثل محور الشر والتي ترعي الارهاب من وجهة نظره . المطلوب من إيران لامتلاك النووي وقبل الخوض في الحديث حول الامكانات الفعلية التي تمتلكها البلدان علينا أن نذكر أن هناك استخدامين لليورانيوم المخصب ، إما لانتاج وقود يورانيوم متدني التخصيب للمفاعلات النووية ، أو لانتاج يورانيوم عالي التخصيب للمادة الانشطارية للأسلحة النووية . ولا تملك إيران برنامجا ضخما ومؤسسا كما هو الحال مع كوريا الشمالية ، لكنها نجحت بالفعل في تخصيب اليورانيوم كما جاء علي لسان رئيسها محمود أحمدي نجاد مما يعني بالتالي أنها حصلت علي الاف الأطنان من اليورانيوم الخام والذي يتعين عليها معالجته بشكل جزئي للحصول علي مسحوق يطلق عليه اسم الكعكة الصفراء . ثم تحتاج طهران إلي تكرير هذا المسحوق وتحويله إلي غاز يورانيوم سداسي الفلوريد وهو ما يتطلب وحدة كيميائية قائمة بذاتها . وأخيرا يتعين علي إيران انشاء مايسمي بأشغال التخصيب اعتمادا إما علي وحدة غلافية أو وحدة طرد مركزي ، الأمر الذي يتطلب توفير مساحة تناهز ما لا يقل عن مساحة عشرة ملاعب كرة قدم وهو ما لم تقم به طهران حتي الان وحتي إن قامت بالخطوة الأخيرة فإن العالم أجمع سوف يطلع عليها بفضل أقمار التجسس المنتشرة في الفضاء الفسيح . ضخامة البرنامج النووي الكوري الشمالي وعلي الرغم من أن الاهتمام الأمريكي ينصب حول الأزمة النووية الإيرانية في حين لم يعط كوريا الشمالية حقها إلا مع اعلان الأخيرة استعدادها لتجربة الصاروخ " تايبودونج - 2 " الذي يبلغ مداه 6000 كم مما يعني قدرته علي ضرب ولاية ألاسكا التي تقع علي الساحل الغربي الأمريكي ، إلا أن البرنامج النووي الكوري الشمالي قطع أشواطا عديدة تخطت نظيره الإيراني . فعلي سبيل المثال تمتلك كوريا الشمالية أربعة مفاعلات نووية منها مفاعل " يونج بيون " _ وهو مفاعل تجريبي للطاقة النووية قدرته خمسة ميجاوات ويمكنه انتاج ما يكفي من البلوتونيوم لصناعة سلاح نووي واحد كل عام ، والبلوتونيوم هو بديل لليورانيوم عالي التخصيب المطلوب لانتاج الوقود النووي . كما يوجد مفاعل " تايتشون " وقدرته 200 ميجاوات إلي جانب مفاعلي " كومهو " اللذين يعملان بالماء الخفيف بقدرة 1000 ميجاوات . بخلاف هذا تمتلك الدولة الشيوعية نحو 8 الاف قضيب وقود نووي استخدمت في تشغيل مفاعلها في أوائل التسعينيات ، ويعتقد أنها تحوي ما بين 25 و 30 كجم من البلوتونيوم ، وهو ما يكفي لصناعة ما بين خمسة وستة أسلحة نووية . المعروف أنه يلزم أكثر من أربعة كيلوجرامات من البلوتونيوم لانتاج سلاح نووي .