تخيلوا أن المعضلة التالية ستواجه الرئيس الأمريكي يوماً ما في المستقبل. المعضلة هي أن ذلك الرئيس الأمريكي قد وجد أنه، خلال الساعة الماضية، قام نظام تصوير أمريكي برصد مجموعة إرهابية معروف أنها قد حصلت علي عدة أسلحة نووية، وهي تقوم بتحميل الأسلحة علي شاحنات، وتستعد للانطلاق بها إلي جهة غير معلومة. وكان التأخير ولو لساعة واحدة فقط في تنفيذ ضربة صاروخية أمريكية ضد هذه المجموعة، يعني أنها ستتمكن من مغادرة الموقع الذي صُورت فيه، وأن الاتصال بها سينقطع بعد مدة، وأن الأسلحة النووية التي معها سيتم تهريبها إلي الولاياتالمتحدةالأمريكية أو إلي دولة حليفة ومن ثم تفجيرها. وإذا ما تصادف وكانت مثل هذه المجموعة الإرهابية قريبة من مطار عسكري أو من موقع قوة بحرية مناسبة، فإنه يمكننا أن نتصور عندئذ إمكانية تنفيذ ضربة جوية ضدها في ظرف ساعات قليلة. ولكن إذا ما افترضنا أن هذه المجموعة الإرهابية كانت بعيدة عن الطائرات العسكرية أو صواريخ "كروز"، فإن الخيار الوحيد الذي سيكون متاحاً أمام الرئيس الأمريكي في ذلك الوقت، سيكون استخدام الصواريخ البالستية من نوع "مينيتمان" التي تُطلق من قواعد أرضية أو صواريخ (ترايدنت دي- 5) التي تُطلق من غواصات، وهما نوعان من الصواريخ يمكن لأي منهما إصابة أي هدف موجود علي سطح كوكب الأرض خلال نصف ساعة. ولكن هناك مشكلة واحدة قد تعترض مثل هذا الخيار هو أن جميع الصواريخ التي هي من هذين النوعين مزودة في الوقت الراهن برؤوس نووية. هل سيقوم الرئيس في مثل هذه الحالة بتنفيذ ضربة جوية نووية وقائية؟ هذا أمر يمكن تخيله بالطبع، ولكنه غير محتمل إلي حد بعيد. لماذا؟ لأنه ستكون هناك شكوك حول المعلومات الاستخباراتية التي قدمت له، وتفكير من جانبه في العواقب التي يمكن أن يثيرها عمل من هذا النوع، من حيث أثره علي المدنيين الأبرياء، وعلي البيئة، وكذلك أصداؤه السياسية في مختلف أنحاء العالم. أغلب الظن أن الرئيس سيأمر استخباراته وقواته العسكرية بتعقب تلك المجموعة الإرهابية، وتحديد الوقت المناسب بعد ذلك لضربها سواء بالقوات الخاصة أو بالطائرات المزودة بأسلحة تقليدية. هذا الخيار يمكن أن ينجح، أما إذا لم يحدث ذلك فإن العواقب ستكون كارثية. نظراً لزيادة احتمالات حدوث مثل هذه السيناريوهات، فإن "البنتاجون" تسعي إلي الحصول علي تفويض من الكونجرس، من أجل استبدال الرؤوس النووية الموجودة علي صاروخين من صواريخ (ترايدنت دي- 5) المنشورة في كل غواصة استراتيجية، بنوع جديد من الرؤوس الحربية التقليدية التي تتميز بدرجة عالية من الفعالية وتتمتع بالقدرة علي مهاجمة هذا النوع من الأهداف في أي مكان في أوروبا وأفريقيا وآسيا خلال ساعة واحدة من صدور الأمر إليها. ولكن الذي حدث مع ذلك، وشكل دهشة للكثيرين، هو رفض هذا الاقتراح من قبل الكونجرس. البعض في الكونجرس اعترض وقال إنه ليس من الحكمة أن يتم استبدال الصواريخ النووية الموجودة في الغواصات الاستراتيجية بصواريخ تقليدية حتي لو اقتصر الأمر علي صاروخ أو صاروخين في كل غواصة. والذين اعترضوا علي ذلك يخشون أن يكون مثل هذا الإجراء، بداية لجهد شامل لاستبدال القدرات النووية بأسلحة تقليدية، وهو أمر لا يصح التعامل معه بخفة، علي اعتبار أن القدرات النووية تشكل ثلثي قدرات الردع الأمريكية. والرد علي هذا هو أنه يمكن تطبيق ذلك المفهوم مع إبقاء عدد الصواريخ النووية ثابتاً، وإضافة صواريخ تقليدية حسب الحاجة، كصاروخ أو صاروخين. هناك قسم آخر من المعترضين علي ذلك يذهب للقول إن هناك احتمالاً لحدوث خطأ في أوامر العمل الصادرة للغواصة، كما أن تكليف الغواصات الاستراتيجية بمهمة مزدوجة (نووية وتقليدية) يمكن أن يؤثر بالسلب علي كفاءة أنظمة السيطرة التي تضمن عدم انطلاق الصواريخ النووية دون قصد. هذا الاعتراض مردود عليه، بأن السلاح البحري الأمريكي قد تدرب وتمرس علي التدابير الإجرائية، والفعلية التي تحول دون احتمال حدوث مثل هذا الأمر، وأنه أصبح يتمتع باعتمادية عالية في هذا الصدد. وهناك مجموعة ثالثة تخشي أن يؤدي انطلاق ولو حتي صاروخ واحد موجه وبعيد المدي سواء كان نووياً أم تقليدياً إلي إثارة رد فعل مضاد من روسيا، أو حتي قيام روسيا بشن هجوم مضاد إذا ما اعتقد قادتها أنهم يتعرضون لهجوم. الرد علي ذلك الاعتراض هو أن التجارب السابقة قد أثبتت أن اكتشاف انطلاق صاروخ واحد (خصوصاً من منطقة عمل غواصات) حتي ولو لم يتم الإعلان عن اكتشافه، يمكن أن يثير أزمة دبلوماسية ولكن هذه الأزمة لا تصل عادة إلي حد الرد العسكري المضاد. إن تفجير سلاح نووي واحد من قبل مجموعة إرهابية داخل الولاياتالمتحدة سيشكل كارثة غير مسبوقة. ومن المهم بناء علي ذلك، أن يقوم الكونجرس بتخصيص الأموال اللازمة لمواجهة مثل هذا الاحتمال. كذلك فإن إجراء عملية إعادة برمجه بسيطة في السنة المالية الحالية، يمكن أن يؤدي إلي تسريع عملية نشر الصواريخ المطلوبة. ففي عالم يمكن فيه للجماعات الإرهابية الوصول إلي الأسلحة النووية، فإنه من الحتمي أن يتم توفير المزيد من الخيارات أمام رؤساء أمريكا المقبلين لمنع الهجمات النووية