بعد مطالعة عميقة ومتابعة دقيقة لمراكز الدراسات والإعلام الغربي فيما يتعلق بالمعضلة النووية الإيرانية، والخيار العسكري الأمريكي، نحاول عرض أبرز السيناريوهات العسكرية التي تم طرحها، على أن يقتصر العرض في هذا المقال على السيناريوهات التي تتحدث عن ضربة عسكرية أمريكية محدودة، ونرجئ الحديث عن السيناريوهات التي تتعرض لغزو إيران في مقال لاحق. أولا: سيناريو "جورج الكبير" هو سيناريو عسكري نشر مؤخرا (منذ عدة أيام)، وقام بطرحه "توم ماكلنيرني" الفريق المتقاعد في سلاح الجو للجيش الأمريكي، والذي ساعد في التخطيط لعمليات القصف الجوي التي طالت العراق في العام 1991. السيناريو المطروح يقترح قيام الولاياتالمتحدة باستهداف 1000 موقع في إيران عبر 15 طائرة B2 Stealth، القاذفة للقنابل المتمركزة في الولاياتالمتحدة، يساندها 45 طائرة أخرى من نوع F117S وF-22S، المتمركزة في المنطقة، لتقوم بالهجمات الأولى لتدمير الرادارات الإيرانية البعيدة المدى والدفاعات الإيرانية الإستراتيجية. بعد ذلك يتم شن موجات متعددة من الغارات عبر طائرات F-18S التي تنطلق من حاملات الطائرات، وعبر طائرات F-15SوF-Sالتي تنطلق من القواعد الأرضيّة في العراق، الكويت، الإمارات، قطر، البحرين وأفغانستان لقصف مواقع المنشآت النووية الإيرانية المعروفة. بالإضافة إلى ذلك، ينص سيناريو "جورج الكبير" على استهداف مراكز القيادة والتحكم الإيرانية، مراكز وقواعد الحرس الثوري الإيراني، مواقع بعض آيات الله الرئيسيين، وبعض المواقع الحساسة الأخرى للنظام الإيراني، على أمل أن يؤدي ذلك إلى ثورة ضد النظام أو إلى قيام مجموعة معارضات داخلية قوية. بالنسبة إلى المدة الزمنية التي سيستغرقها هذا الهجوم والنتائج التي سيحققها، يقول "توم ماكلنيرني" إنه يمكن تنفيذ هذا السيناريو وهذه الضربة الهائلة خلال يومين فقط، ويؤكد قدرتها على تدمير إمكانيات إيران النووية لحوالي 5 سنوات قادمة، وهو يعتبر أن القاذفات والطائرات المقاتلة الأمريكية المجهّزة بقنابل خارقة للتحصينات، ستكون أكثر من كافية "لمحو" منشآت إيران النووية والصاروخية. يقترح "توم ماكلنيرني" أيضا، أنه وفي حال كان تركيز الإدارة الأمريكية على استهداف منشآت ومواقع إيران النووية والصاروخية فقط، فإنه يجب إتباع سيناريو آخر وخطة بديلة يسميها "Big Rummy". ووفقا لهذه الخطة البديلة، فإنه سيتم تخفيض عدد المواقع المستهدفة إلى 500 هدف عالي القيمة، على أن تتم هذه الهجمات في يوم واحد فقط. ثانيا: سيناريو مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية قام "انتوني كوردسمان" الخبير في الشؤون الإستراتيجية في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية بطرح سيناريوهات متعددة لضربة أمريكية محتملة لإيران، في حال فشل الحلول الدبلوماسية ووجود نية لدى الإدارة الأمريكية بحسم المسألة عسكريا، وذلك في دراسة من 53 صفحة، وتم نشرها في 7 نيسان 2006 بعنوان "أسلحة إيران النووية؟ الخيارات المتاحة إذا فشلت الدبلوماسية"، ومن بين الخمس سيناريوهات التي طرحها سنختار عرض سيناريو الضربة الأمريكية المحدودة لإيران. يفترض هذا السيناريو أن يتم استخدام من 150 إلى 200 صاروخ كروز، بالإضافة إلى حوالي 100 غارة قد تتم عبر الجمع بين طائرات B-2S والطائرات المتمركزة على حاملات الطائرات في المنطقة، إلى جانب صواريخ كروز المنطلقة من البحر، على أن تكون هناك ضرورة لاستخدام القواعد الأرضية في الخليج من اجل إعادة تنظيم الهجمات، التزود بالوقود والانطلاق. ووفقا لهذا السيناريو، سيتم استهداف: 1- اثنان من أصل ثلاثة على الأقل من المنشآت الرئيسية والحيوية الأكثر قيمة، من أجل تدميرهم وإلحاق الضرر بهم بشكل كبير. 2- ضرب أهداف ذات قيمة عالية، تم الاطلاع على أنشطتها من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية والثلاثي الأوروبي، وذلك لإظهار الجدية في التعامل للجانب الإيراني ولتقليل الانتقاد الدولي. 3- إمكانية ضرب بعض المواقع والنشاطات الجديدة، وذلك لإعلام إيران أنه لا يمكنها مواصلة جهودها سرا، أو توسيع نطاقها متجاهلة الثلاثي الأوروبي والأمم المتحدة. الاستهداف المباشر يجب أن يحتوي على قوة هجومية كبيرة، بالإضافة إلى غارات متعددة ومتتالية لتكون فعالة. ومن الواضح أن حجم الضرر ونتئاجه سيعتمد بشكل أساسي على نوعية الأسلحة المستخدمة ودقة الإصابات في ضرب الأهداف وقوتها. لا شكك أن مثل هذه الضربة سيكون الهدف منها توجيه رسائل أكثر منه تدمير قدرات إيران وشلها، لأن القاعدة التكنولوجية الإيرانية ستتمكن من النجاة، كما بالنسبة للعديد من التجهيزات ذات الشأن، نظرا لنوع الضربة الاستعراضي. وبالنسبة إلى الرد الإيراني، فإنه سيتفاوت بشكل كبير وغير متوقع بين الردع والتأخير وبين التحرك والتحريض. فالهجمة ستغير من سلوك إيران في أحسن الأحوال، ولكنها قد تدفع باتجاه تنشيط برنامج إيران البيولوجي، بالإضافة إلى مشاكل في نقل النفط وردود فعل إيرانية في العراق، أفغانستان وفي التعامل مع حزب الله. كما أن ردود الفعل الدولية ستثير مشكلة كبيرة، فالولاياتالمتحدة ستواجه نفس المستوى من المشاكل السياسية التي كانت ستواجهها في حال شنها لهجوم كبير على إيران. ثالثا: سيناريو مجموعة أكسفورد البحثية قام "بول روجيرز" الخبير والمستشار في المركز، بتقديم دراسة له في منتصف شهر شباط يتحدّث عن الموضوع، وتناول طبيعة العمل العسكري ضد إيران. وفي هذا الإطار، فإن السيناريو الذي تحدث عنه يقول إنه سيكون هناك هدفَيْن أساسيين للقيام بعمل عسكري ضد المنشآت النووية الإيرانية. الأول سيكون بهدف التخريب الكلي للبرنامج النووي الإيراني لدرجة أن أي خطة لإنتاج أسلحة نووية إيرانية ستتأخر، نتيجة للضربة، خمس سنوات على الأقل، وربما أكثر من ذلك أيضا. أما الثاني، فيهدف إلى إظهار أن الولاياتالمتحدة مستعدة بشكل واضح للقيام بعمل عسكري وقائي كبير في هذا الإطار، وستلجأ إلى تطبيقها ضد أية نشاطات أو أعمال إيرانية أخرى قد ترى أنها غير مقبولة. ووفقا للسيناريو، فإن الهجوم على المنشآت النووية سيتم تنفيذه بشكل شبه كامل عبر القوة الجوية والبحرية تتضمن عنصرا قويا من المباغتة والمفاجأة فيما يتعلق باستهداف البنى التحتية النووية الإيرانية الرئيسية ونظام الدفاع الجوي خلال ساعات، وذلك عبر مئات التشكيلات الجوية المدعومة بغارات صاروخية جوية أخرى، وطائرات استطلاع لإخماد الدفاعات، وذلك عبر هجمات وغارات بأكثر من 200 صاروخ كروز. وحتى يكون لهذا الهجوم تأثير كبير، فإنه سيتم بشكل مفاجئ وسريع عبر استخدام مطارات القواعد العسكرية في المنطقة، توجيه ضربات جوية بعيدة يتم إدارتها من الولاياتالمتحدة والمملكة المتحدة ودييغو غارسيا، بالإضافة إلى ضربات بحرية عبر حاملات الطائرات وصواريخ كروز المنطلقة من البحر. الهجمات الجوية على المنشآت النووية الإيرانية، ستتضمن تدمير المنشآت في مفاعل طهران للأبحاث، منشآت إنتاج النظائر المشعة، عددا من المختبرات ذات العلاقة بالأنشطة النووية، شركة كايالا للكهرباء، مركز أصفهان للتكنولوجيا النووية إلى جانب سلسلة من المفاعلات الاختبارية، منشآت تحويل اليورانيوم، مختبرات صنع الوقود، وكذلك استهداف محطات تخصيب اليورانيوم في ناتانز وآراك مفاعل بوشهر النووي الجديد البالغ قوته حوالي 1000 ميغاوات، والذي سينتهي العمل به قريبا، الأمر الذي سيسبب مشكلة حالما يتم تزويد المفاعل بالوقود بشكل كامل في وقت ما من العام 2006، وذلك لأن أي تدمير لمنشآت الاحتواء ومنع الانتشار من الممكن أن يؤدي إلى مشاكل حقيقية فيما يتعلق بانتشار الإشعاعات، التي لن تصيب ساحل الخليج الإيراني فقط، وإنما سواحل غرب الخليج في الكويت، العربية السعودية، البحرين، قطر والإمارات العربية المتحدة، بالإضافة إلى الآثار السلبية والنتائج الكارثية على الصعيد البشري لاحتواء المنطقة على أضخم منشآت إنتاج النفط في العالم. يفترض السيناريو أن كل هذه الهجمات الأولية ستتم تقريبا في وقت واحد، وذلك لقتل أكبر عدد ممكن من الموظفين التقنيين المحتملين، من أجل إحداث أكبر ضرر ممكن على المدى البعيد. كما قد تشمل الهجمات في حال كانت موسعة، ضربات لمراكز القيادة والتحكم وقواعد الحرس الثوري الإيراني القريبة من الحدود مع العراق وساحل الخليج، بعد أن يتم شل الدفاعات الإيرانية المتنوعة بداية. واستنادا إلى السيناريو ذاته، فإنه وبعد إجراء تقييم سريع للأضرار الناجمة عن القصف، سيتم فيما بعد تحديد أهداف رئيسية أخرى في الأيام القادمة بالتوازي مع الهجمات على الأهداف الأقل أهمية. وتحتاج القوات الأمريكية إلى فترة 4 أو 5 أيام من هذا العمل العسكري المكثف، وقد يمتد إلى عدة أيام أخرى اعتمادا على الردود الإيرانية. المصدر: العصر