أدي تشكيل حكومتين جديدتين في فلسطين وإسرائيل إلي حدوث ما يشبه "حالة زواج" بين عدوين لدودين لكنهما يعتمدان علي بعضهما بعضاً. ويوجد لدي هذين العدوين الآن كمٌ من المشتركات يفوق قدرة أي منهما علي الاعتراف. أما السؤال الخاص بما إذا كان توافق المصالح بين الطرفين سيكون قادراً علي التغلب علي افتراق الأفكار والمفاهيم، فتتوقف إجابته علي المدي الذي يمكن أن يذهب إليه كل طرف في البراغماتية، وعلي الكيفية التي سيكون عليها رد فعل الآخرين وبالأخص الولاياتالمتحدة علي ذلك. ف"حماس" التي تقود الحكومة الفلسطينية الحالية تعهدت في ميثاقها المفعم بالعبارات المعادية للسامية بتدمير إسرائيل، كما أن تحقيق أجندتها لا يمكن أن يتم سوي عن طريق العنف. وبالنسبة للحكومة الإسرائيلية، فإن هذه الحركة الإسلامية تمثل خطراً حقيقياً عليها، كما أن السلطة الفلسطينية قد غدت معادلاً موضوعياً ل"كيان إرهابي" ما يجعل الهدف النهائي لها هو القضاء علي "حماس". مع ذلك تختفي وراء الخطاب الإسرائيلي وال"حمساوي" المتشددين متوازيات مثيرة للدهشة حقاً. فكل طرف من الطرفين ليس لديه أدني اهتمام بالتحدث مع الطرف الآخر، كما أن أياً منهما لا يؤمن في اللحظة الحالية علي الأقل بالتسوية الشاملة. مع ذلك نجد لديهما أجندات فورية، أحادية في طبيعتها، لكنها ترتبط داخلياً فيما بينها، ومن ثم فإن أفضل طريقة لتحقيق هذه الأجندات تتمثل تجنب العودة إلي ساحة القتال، واستئناف المفاوضات الثنائية. والأولوية الرئيسية علي أجندة "حماس" اليوم هي ضمان بقاء حكومتها، من خلال قيامها بإنجاز المهام المطلوبة منها. فهي تحتاج إلي فضاء زماني ومكاني لاستعادة النظام والهدوء، والحد من الفساد، وتلبية الاحتياجات الاقتصادية للناس، واستنباط طريقة لدفع رواتب موظفيها المدنيين، خصوصاً بعد نكوص العالم عن تمويل ميزانيتها. ومهما بدت أجندتها ذات طبيعة محلية، فإن "حماس" تدرك تمام الإدراك أنها لن تستطيع تحقيق أي بند منها إلا برضا إسرائيلي حتي لو كان ضمنياً. فالعمليات العسكرية الإسرائيلية كفيلة بتقويض أية محاولة من "حماس" لبسط السلم والهدوء الأهليين، كما أن استمرار قيامها (إسرائيل) بفرض قيود علي تحركات الفلسطينيين وعلي تدفق بضائعهم لأراضيها، والاحتفاظ بعوائد الجمارك سيقضي علي أي أمل لدي "حماس" في إمكانية تحقيق التعافي الاقتصادي. والأولوية الإسرائيلية اليوم هي المضي قدماً في خطة الفصل الخاصة، التي ستقوم إسرائيل بموجبها بالانسحاب من عدد كبير من المستوطنات التي أقامتها في الضفة الغربية علي الجانب الشرقي من الجدار العازل، مع القيام في الوقت ذاته بتعزيز سيطرتها علي الكتل الاستيطانية المقامة علي الجانب الغربي منه. وسيحتاج رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد إيهود أولمرت إلي الفضاء المكاني والزماني اللازم لتنفيذ سياساته الداخلية المعقدة، ومنها عملية إعادة إسكان عشرات الآلاف من المستوطنين الإسرائيليين في أماكن أخري داخل إسرائيل. وعلي الرغم من أن إسرائيل قادرة علي إحباط مشروع الإسلاميين، فإنها تدرك في الوقت ذاته أنها ستحتاج إلي تعاونهم حتي تضمن النجاح لخططها الخاصة. والإسلاميون من جانبهم -و"حماس" تحديداً- يعرفون أنهم بحاجة إلي سكوت أولمرت، وتغاضيه عن أجندتهم إذا ما كانوا يريدون تحقيق أهدافهم. وفي الوقت ذاته نجد أن مواقف وسياسات "حماس" تقدم لإسرائيل حجة قوية تستند عليها من أجل تأكيد ما تقوله دائماً من أنه لا يوجد هناك شريك فلسطيني تتفاوض معه، وتبرر لها بالتالي المضي قدماً في تنفيذ خططها الأحادية الجانب. هناك سؤال يخطر علي الذهن في هذا السياق: إذا ما مضت إسرائيل في تنفيذ خطتها الأحادية، علي اعتبار عدم وجود شريك عربي، ألا يوفر ذلك ل"حماس" الحجة كي تقول إن موقف الحكومة الإسرائيلية يدل علي أن أية مفاوضات معها لن تحقق أية نتيجة وبالتالي فإنه من الأفضل ل"حماس" الثبات علي مبادئها وثوابتها. هل يمكن لإسرائيل و"حماس" التوصل لتسوية مقبولة؟ يتوقف ذلك علي ما إذا كانتا هما وآخرون مستعدتين للاعتراف بحقائق معينة حتي وإن بدت غير مريحة هي، أولا: أن "حماس" لن تقبل الشروط الثلاثة التي قدمها لها المجتمع الدولي، وهي الاعتراف بإسرائيل، ونبذ العنف، والقبول بالاتفاقيات السابقة الموقعة مع الحكومة الإسرائيلية. فالمؤكد هو أنها لن تقوم بذلك الآن كما أنها لن تقوم به تحت التهديد. ثانياً: إن جهود الأممالمتحدة لحرمان الحكومة الفلسطينية من المخصصات العائدة لها قد يكون موقفاً مبدئياً، لكنه بالتأكيد لا يمثل سياسة قابلة للتنفيذ والنجاح، بل سينتج عنه كارثة إنسانية، وفوضي سياسية، واقتتال داخلي بين الفلسطينيين، ومن ثم بروز إمكانية استئناف عمليات العنف علي نطاق واسع. ثالثاً: أن الأحادية الإسرائيلية علي الرغم من جميع نواقصها، هي الحل العملي الوحيد المتاح في الوقت الراهن. ولضمان نجاحها، فإنه يتعين مساعدة أولمرت من خلال دعم مالي ودبلوماسي لتنفيذ انسحابه المخطط، كما يعني أيضاً رسم خطوط واضحة للمحافظة علي الخيار الوحيد لحل الصراع: وهو حل الدولتين الذي يتم التوصل إليه من خلال مفاوضات. وعلي الرغم من أن خطط إسرائيل و"حماس" الطويلة الأمد ستظل علي طرفي نقيض، فإن أجندتيهما المباشرتين تتداخلان مع بعضهما بعضاً. وكنتيجة لذلك التداخل فإن تحقيق مزيج من التعافي الاقتصادي، واستعادة النظام والقانون للفلسطينيين وتحقيق انسحابات إسرائيلية من الضفة الغربية، والتوصل إلي هدنة غير رسمية تبدو كلها كأهداف ممكنة التحقيق. وفي الوقت الراهن، فإن هذا هو تقريباً الحد المعقول الذي يمكن لأي أحد أن يأمل في تحقيقه