تتعرض سوريا الآن لحملة دولية ضاغطة عليها في لبنان بعد توقف دام ثلاثة أشهر، خُيل إلي بعضهم خلالها أن الموقف الدولي من النظام الحاكم في دمشق يميل إلي مهادنة وتساهل او ربما الي حوار وصفقة علي حساب لبنان علي غرار مشروع الحوار الاميركي الإيراني حول العراق. ولكن تبين في الأيام الأخيرة ان الموقف الدولي من سوريا لا يزال علي حاله، لا بل إنه لمحة عن سجالات الشتيمة بين ساسة لبنان وبرزت معاودة الحملة الدولية الضاغطة علي سورية في لبنان من خلال محطات متزامنة ، أولاها زيارة الرئيس السنيورة الي واشنطن التي تشكل في أحد أوجهها ردا علي تعثر زيارته أو إرجائها أو إلغائها إلي سورية التي قال عنها الرئيس الأميركي جورج بوش في لقائه ورئيس الحكومة اللبنانية انها أصبحت "ألعوبة وورقة في يد ايران" مبديا تشاؤمه حيال سياسة دمشق وخيبته من تعاونها. وثانيها تقريرالموفد الدولي تيري رود- لارسن الي مجلس الأمن في نطاق مهمته متابعة تنفيذ القرار 9559 ، وهذا التقرير جاء علي درجة من التشدد حيال سورية فاقت التوقعات وفاجأت السوريين الذين وصفوه بأنه "غير موضوعي وخرج فيه رود-لارسن علي نص القرار 9559 والمهمة المنوطة به". ويعود استياء سورية إلي أن التقرير تضمن اشارات عدة انتقادية وصريحة ضدها ورسائل متلاحقة موجهة إليها، فهو دعا دمشق الي: اتخاذ اجراءات ملموسة علي صعيد ترسيم الحدود مع لبنان، اقامة تمثيل دبلوماسي متبادل، ضبط حدودها مع جارها ومنع عمليات تهريب السلاح إليه من خلالها، تجريد الميليشيات الفلسطينية الموالية لها من السلاح. وأقام رود- لارسن في تقريره معادلة جديدة مفادها ان انجاز التقدم نحو تطبيق القرار 9559 بات يتوقف علي نتائج الحوار الوطني اللبناني وتطبيق مقرراته، وان عملية الحوار، استمرارها وترجمتها، يتوقف نجاحها او أخفاقها علي سورية ومدي تعاونها ، وكذلك علي ايران بحكم نفوذها علي "حزب الله". أما ثالثة محطات الضغط الدولي المتجدد علي سورية فكانت القاهرة التي زارها الرئيس الفرنسي جاك شيراك ، وكان الملف اللبناني- السوري في طليعة ملفات اقليمية ذات اهتمام مشترك بحثها مع الرئيس حسني مبارك. وظهر تطابق في مواقف الطرفين من الملف الايراني النووي، ترجماه تعبيراً عن القلق ودعوة ايران إلي احترام التزاماتها والتوقف عن تخصيب اليورانيوم، كما ظهر تقارب في الملف الفلسطيني تمثل في دعم حكومة "حماس" في مقابل تعديل مواقفها، وفي ملف العراق الذي شدد الرئيسان علي وحدته واستقراره ودعم العملية السياسية فيه. أما في الملف اللبناني- السوري فلم يصل الأمر الي درجة التشابه في مواقف الرئيسين الفرنسي والمصري ، بل ظلت التباينات في وجهات نظرهما علي حالها، ويعود السبب إلي ان الأولوية عند مصر هي لاستمرار النظام السوري واستقراره من جهة، وعدم ارتمائه أكثر في حضن ايران من جهة، مع ما يعنيه ذلك من ضرورة تخفيف الضغوط الدولية علي ذلك النظام... في حين لا يزال الموقف الفرنسي متشددا ويعتبر ان هناك ضرورة لاستمرار سيف الضغوط مصلتاً فوق رأس النظام السوري الي ان يظهر التعاون المطلوب في لبنان، ليس علي مستوي التحقيق الدولي في اغتيال الرئيس رفيق الحريري فحسب، انما ايضا علي مستوي تطبيق القرارالدولي رقم 9551 ، واقامة علاقات طبيعة ومتساوية مع لبنان لجهة ترسيم الحدود والتبادل الدبلوماسي. كما تري فرنسا ان للدول العربية، ولا سيما مصر والسعودية، دورا مهما في تحقيق المصالحة بين لبنان وسورية وتطبيع العلاقات وتحسينها بينهما. ومن هذا المنطلق تشجع فرنسا المبادرات العربية وتتفهم الليونة والمرونة تجاه سورية ، لكنها تخشي ان تفسر قيادتها ذلك علي نحو خاطيء وتتعامل معه باعتباره ضوءاً أخضر للعودة السياسية والأمنية الي لبنان والي الوضع السابق، ولكن من دون وجود عسكري واستخباراتي مباشر. وفي السياق تذكر معلومات دبلوماسية في بيروت ان ثمة تبدلا في الموقف العربي من سورية وأن أي مبادرة عربية جديدة سوف تنطلق من نتائج الحوار الوطني لممارسة ضغوط علي القيادة في دمشق واقناعها بالتجاوب والتعاون معها، وذلك بعدما كانت المبادرة الأولي انطلقت قبل ثلاثة أشهر من ممارسة ضغوط علي الجانب اللبناني الذي تلقي مطالبات بخطوات في اتجاه سورية في مقابل تعهد منها بالتعاون والتعامل بإيجابية لتسهيل شؤون لبنان المعقدة. وفعلاً حمل نائب الرئيس السوري فاروق الشرع هذا التعهد الي القاهرةوالرياض. وعلي هذا الأساس ذهب السنيورة الي قمة الخرطوم ووافق رئيس تيار "المستقبل" سعد الحريري علي فك الارتباط بين مسار التحقيق في اغتيال والده الراحل ومسار العلاقات مع سورية ، كما وافق حليفه رئيس "اللقاء الديمقراطي" وليد جنبلاط علي تخفيف حملته علي النظام السوري ، بينما تابع حملته علي ايران وحليفها في لبنان "حزب الله" ، لكن ما حصل ان القيادة السورية لم تنفذ ما تعهدت به والتزمته، مما حوّل الضغط العربي في اتجاه جديد هو اقناع دمشق بالتعاون أقله في تحقيق التفاهمات والاتفاقات التي توصل إليها أركان الحوار اللبناني حول طاولتهم المستديرة. ولعل الأجواء عن زيارة جنبلاط الي المملكة العربية السعودية تعكس بعضاً من النظرة السعودية إلي الوضع اللبناني، فقد قال خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز لجنبلاط لدي استقباله في الرياض: "أنت فارس أصيل، ولكن عليك لجم فرسك الي حين المنازلة الكبري". وأضاف: "أنت كالصاروخ" فأجابه جنبلاط: "لكنني لست نووياً" . فهز الملك برأسه وتنهد. علي صعيد متصل اعلن الرئيس اللبناني اميل لحود معارضته اقتراح الاممالمتحدة دمج الجناح العسكري لحزب الله بالجيش اللبناني، معتبرا ان هذا الاقتراح يرمي الي خفض قدرات لبنان الدفاعية في مواجهة اسرائيل. وقال لحود "ان الهدف من هذا الاقتراح هو انهاء عمل المقاومة وقدرات لبنان علي مواجهة الاحتلال الاسرائيلي". واكد امام الصحفيين "اتساءل عما اذا كان هذا الاقتراح لا يرمي الي اعادة لبنان الي الوضع الذي كان سائدا في 1982 (سنة الاجتياح الاسرائيلي). ويبدو ان بعض الاطراف يسعون الي زعزعة استقرار لبنان". وقد وجه تيري رود-لارسن مبعوث الامين العام للامم المتحدة كوفي انان، المكلف متابعة تطبيق القرار 1559، "نداء ملحا" لتطبق اتفاق الطائف في 1989، الذي يطلب، علي غرار القرار 1559، نزع سلاح كافة الميليشيات اللبنانية والاجنبية في لبنان.