من المؤكد أن "أرسطو" لو استحضرت روحه في القرن الواحد والعشرين واتيحت له فرصة الاطلاع علي ما وصلت إليه اجتهاداته الفلسفية التي استغرقت فترة حياته وما حدث لها من عبث علي ايدي بعض التيارات حتي وصلت بارسطو ونظرياته إلي متاهات ودهاليز هو نفسه لم يحسب لها اية حسابات من خلال استقراء الزمن القادم. فلو اتيحت له الفرصة لتبرأ من كل التيارات التي وصلت به إلي ذلك المنحدر في العصر الحديث بسبب عشق الذات التي تهوي السير علي مناهج مختلفة تماما وفي ذات الوقت ترفع راية "الاصولية" من أجل تأمين المسيرة الذاتية في محاولة لرسم "اليوتوبيا الجديدة" أو المدينة الفاضلة من خلال صياغة علاقة جديدة بين الفرد والمجتمع علي هامش نظريات ارسطو عن الدولة والفرد. بات واضحاً أن فضيلة المفتي لا يتمهل عند اصدار فتاويه التي تهم في المقام الاول السواد الاعظم من الناس.. ودليلنا إلي ذلك ان فضيلته في كل المناسبات التي أصدر من علي منابرها فتاوي كانت علي سبيل المفاجأة لفضيلته.. فمن المعروف أن اسئلة البسطاء تأخذ العلماء علي غرة دون قصد.. وعلي سبيل المثال: عندما قام فضيلة المفتي بزيارة لجامعة الزقازيق قام أحد الطلبة وسأله سؤالاً مباشراً ومفاجئاً فقال: نريد من فضيلتكم أن توضحوا لنا هل اتفاقية "الكويز" حلال أم حرام؟.. فأجابه فضيلة المفتي بكلمة واحدة وقال: حلال.. وحتي الآن لم نضع ايدينا علي مبررات الحلال أو الحرام في مسألة "الكويز" برغم ان الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور متشابهات.. أو علي سبيل اضعف الايمان أمور "مكروهة" وان كانت مفروضة.. ولكن فضيلة المفتي لم يفعل وفضل أن يقف علي خط الوسطية ما بين الحكومة والفرد. ومن اجتهد فأخطأ فله اجر ومن أصاب فله اجران ونسأل الله العلي القدير ان يكون فضيلة مفتي الديار من أصحاب الاجرين دائماً لما له من مردود عام وخاص علي المجتمع بأسره بعد أن وصل فضيلته باجتهاده الشخصي والشرعي إلي أن التماثيل والصور المتحركة والثابتة ترتد اصولها إلي رموز الوثنية الاولي من عينة "اللات والعزة" وكبيرهم "هبل"!.. وفي تقديري ان تلك الفتوي بالذات قد تم رصدها بكاميرات راديو "سوا" و"قناة حوا" في أكبر سبق اعلامي لرصد احوال الاسلام والمسلمين علي ارض المحروسة اكبر معقل سني علي مستوي العالم يحتضن أروقة الأزهر الشريف!.. لانه عندما شرع الاصوليون في أسيا في هدم تماثيل "بوذا" و"زرادشت" بعد ان اعتبروها أي الاصوليون من رموز الوثنية القديمة قامت الدنيا ولم تقعد وعلي رأسها الأممالمتحدة ممثلة في هيئة اليونسكو للذود عن تلك الاحجار الوثنية علي حد تعبير الاصوليين.. والجدير بالذكر يا فضيلة المفتي أن هيئة اليونسكو هي التي تبنت مشروع نقل معابد فيلة ومعبد رمسيس الثاني لانقاذهم من الغرق بعد تحويل مجري النيل لبناء السد العالي.. وقد صدر في النهاية بيان عام من كل العالم المتحضر والراقي يؤكد ان التاريخ ملك للانسانية جميعاً وليس من حق أي فئة علي وجه الارض أن تحتكره لنفسها من خلال هدم رموزه التاريخية الشاهدة علي الحضارات.. أليس ذلك صوت الحق والحضارة والتاريخ والاديان يا فضيلة المفتي؟! بعد ان خرج علينا المدعو "صموئيل هنتجتون" بنظريته عن "صدام الحضارات" والتي تنبأ من خلالها بوقوع صدام قادم بين الحضارات الشرقية والحضارة الغربية بسبب تنافر القيم الروحية لحضارات الشرق مع القيم المادية الغربية.. في محاولة خبيثة من صاحب النظرية لاخراج الحضارات الشرقية الممتدة في أصول التاريخ من دائرة الزمن والتاريخ الانساني وعلي رأسها بالطبع الحضارة الاسلامية!. قال الله في كتابه العزيز "ما فرطنا في الكتاب من شيء".. وفي خطبة الوداع نزل الوحي علي رسول الله صلي الله عليه وسلم: "اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا".. فتنطلق الفتوحات الإسلامية بعد وفاة الرسول صلي الله عليه وسلم شرقا وغربا.. فلم نسمع أن الاسلام يحاول "الاخر" اخراجه من دائرة الزمن بوضعه في مقدمة القائمة التي تتبني صدام الحضارات قد اشار من بعيد أو قريب الي هدم معبد فرعوني ينتسب الي مصر القديمة وقبلها في ايران او "حضارة الطاووس" فلم نسمع عن محاولة ولو علي المستوي الفردي من أي مسلم داخل بلاد الفرس حاول هدم معبد مجوس لعبادة النار حتي وصلنا الي القرن الواحد والعشرين وعصر ولاية الفقيه في ايران تحت راية "الامام الخميني" المؤسس او الاب الشرعي لنظرية الاسلام السياسي فلم يصدر منه أي تصريح في هذا الشأن.. لنصل في النهاية الي نتيجة منطقية وحضارية وهي ان الاسلام بتسامحه لم يعرف ما اسموه هناك بصدام الحضارات بل امتدت نزعة التسامح الاسلامي فاستوعبت المعني الانساني لحوار الحضارات بمعناه الواسع والحضاري قبل ان يتشدق بالاخر المتربص!. والغريب في الامر ان وسيلة التخاطب مع الناس لفضيلة المفتي هو التليفزيون.. والتليفزيون هو الاذاعة المرئية ذات الصور المتحركة "والصور حرام"! وفضيلة المفتي من المؤكد انه يحمل في جيب عباءته بطاقة الرقم القومي وعليها صورته.. والصور داخل الجيوب حرام.. والتماثيل التي تملأ مصر المحروسة بمقدار ثلث آثار العالم حرام لان الملائكة تخاصم الاماكن الموجودة بها لانها من رموز الوثنية! يافضيلة مفتي الديار: الملائكة لا تخاصم أحدا من الناس او الاماكن.. فبقدر حواسنا الايمانية والعقائدية ان الملائكة هي مخلوقات من نور إلهي وبالتالي فهي منزهة عن نزعات الخصام والكراهية والاحقاد والشهوات الآدمية وبالتالي فهي منزهة عما يعرف بالخصام البشري المعروف او احد توابعه! نحن الذين نخاصم انفسنا يا فضيلة المفتي في محاولة للخروج بانفسنا من دائرة الزمن الحاضر بسبب الهروب الي الزمن الماضي بسبب عجزنا عن التكيف مع ابجديات العصر التي لم ترحم من لم يستوعبها داخل الاطر الدينية والدنيوية وصولا الي "الوسطية" التي تشكل منظومة حياتنا بشكل متوازن نسبيا ما بين الروح والمادة.. فهل خاصمت الملائكة دنيانا يا فضيلة المفتي؟!! اما عن الفريضة الثانية او الغائبة عند فضيلة المفتي هي فريضة "الاستدراك" التي تؤدي قطعا الي تصحيح الفتاوي احيانا.