يعتبر الشيخ الرئيس ابن سينا من كبار العباقرة والفلاسفة الحكماء الذين قدموا للبشرية خدمات كبري في مجال الفلسفة والطب والحكمة والموسيقي. خاض غمار الفلسفة والطب والشعر والموسيقي، فكسب قصب السبق، وجلس بأمان واطمئنان علي القمة ينشر درره وعلومه، والشيخ الرئيس ابن سينا شغل الأوساط العلمية ،والفلسفية ،والطبية ،والأدبية، علي مر العصور بإنتاجه الضخم الذي شمل جميع الموضوعات العلمية. ومما يثير الإعجاب بعبقريته الفذة شروحاته المفصلة الدقيقة، لما أتي به حكماء اليونان، والعرب، والفرس، والهنود. ولم يقف نشاطه العلمي عند حد الشروحات، والتدقيق، والتمحيص، والتفصيل، بل نراه يضيف إلي هذه العلوم اكتشافاته الخاصة، وأفكاره الخلاقة المبدعة، التي أحاطت بعناية ودقة جميع المعارف الإنسانية، إن في صناعة الطب، أو في معارف الفلسفة العقلانية. مولد وحياة ابن سينا: أدهشت عبقرية ابن سينا الذي لمع نجمه في عصر كثرت فيه مباحث النظر، ومذاهب الفلسفة، ومدارس الحكمة والتصوف، العلماء والمستشرقين في الشرق والغرب، فلقبه بعضهم بأرسطو الإسلام وأبقراطه. وسيظل التاريخ علي مر الدهور يحمل في صفحاته البيضاء الناصعة أمجاد ابن سينا الخالدات. ولد الشيخ الرئيس أبو علي الحسين بن عبد الله بن حسن بن علي بن سينا في شهر صفر سنة 370 هجرية في بلدة (أفشنة) من منطقة بخاري قرب (خرميثين) من أبوين إسماعيليين. أبوه عبد الله من كبار دعاة الإسماعيلية، وأمه سارة من عائلة عريقة باسماعيليتها. وأخذ ابن سينا يعب من معين العلوم العقلية الماورائية علي أبي عبد الله الناتلي الذي كان من كبار علماء عصره ،وصديقا لوالد ابن سينا ومن كبار دعاة الاسماعيلية فدرس عليه ايساغوجي والمنطق وهندسة القليدس وكتاب المجسطي. وسرعان ما فاق ابن سينا أستاذه. ولما كان ابن سينا شغوفا بالعلم والغوص في أعماق الجنس البشري لمعرفة جوهره الجسدي والنفسي تلبية للرغبة الملحة التي تتفاعل في أعماقه فقد عكف علي دراسة الطب، وأن المرء ليقف مدهوشا عندما يلاحظ فتي لم يتجاوز السابعة عشرة من عمره قد قرأ بإمعان وتروي أكثر علوم عصره بما فيها الفلك والرياضيات والفلسفة والطب، حتي أخذ (فضلاء الطب) يقرأون عليه هذا العلم "فهو إذن لم يكن طبيبا في هذه السن فحسب بل كان معلما في الطب يتعهد المرضي ويبرع في علاجهم ويقرئ التلاميذ ما اقتبس من مطالعات، وما استنتج من تجاربه وخبراته". عبقرية ابن سينا ومكانته: يعتبر الشيخ الرئيس ابن سينا الطبيب العالم الفيلسوف الموسيقي عبقرية فذة جديرة بالدهشة والإعجاب، له مكانة رفيعة رائعة في سجل الحكماء العباقرة الذين تدين لهم الإنسانية بالشيء الكثير في تطورها الفكري، وتقدمها الطبي والعقلاني، ولن يجود بمثلها الدهر خلال القرون والأحقاب، وتتميز أبحاثه وكتاباته بأمانة العالم البارع المبدع الخلاق، كسب قصب السبق في كثير من الآراء التي نسبها الغرب إلي نفسه ظلما بعد ابن سينا بعدة قرون. وتقوم عبقرية الشيخ الرئيس علي ذكائه المنقطع النظير ، ودهائه السياسي، ولباقته الاجتماعية، ويستدل من استقراء ترجمة حياته أنه كان متعدد نواحي الشخصية: فيلسوفا مع الخاصة، دينا ورعا زاهدا مع العامة، وليس بمقدور الإنسان مهما أوتي من البلاغة وقوة التعبير أن يقدر عظمة المجهود العلمي الذي اضطلع به ابن سينا ووفق فيه أحسن توفيق، أسلوبه الأدبي بليغ، سديد المنطق، وقوي الحجة، مصنفاته كثيرة عالج فيها شتي الموضوعات ما بين فلسفة ونجوم وطب وعلوم مختلفة أخري وله شعر فلسفي عميق وأبحاث في مختلف فنون الموسيقي. وابن سينا طبيب في المرتبة الأولي، وعالم طبيعي في المرتبة الثانية، وفيلسوف حكيم، عرف الفلسفة الخالصة عن طريق الفارابي، ولكنه توسع فيها ففاق الفارابي، وهو بحق منظم الفلسفة والعلم في الإسلام، كما كان أرسطو في اليونان ودون ابن سينا المنطق تدوينا واضحا وافيا، في الشعر والنثر ،حتي استحق عن جدارة لقب المعلم الثالث .وكذلك عرف بلقب الشيخ الرئيس لمكانته في علم الطب وفي التطبيب. وكان ابن سينا بارعا في الرياضيات وفي علم الفلك وعلم الموسيقي. وكانت له مقدرة في العلوم الطبيعية وملاحظات صحيحة قيمة. ولم يهتم عالم من علماء الإسلام اهتمام ابن سينا بالنفس البشرية، حيث استغرقت أحاديثه عنها وتحليل ماهيتها جزءا كبيرا من كتابه (الشفاء) ولا يكاد يخلو كتاب من كتب ابن سينا العديدة من بحث عميق حول النفس البشرية وانفعالاتها.