كنت اقرأ كتابا عن المخرج السينمائي الكبير يوسف شاهين كتبه ناقد لبناني شهير وهو وليد شميطي فوجدت أن الكتاب اعتمد في أغلبه علي الحوار بين الناقد والمخرج الكبير، ولم تبهرني آراء كاتب سياسي شريف كما بهرني ما قاله يوسف شاهين في هذا الكتاب.. كلام يوسف شاهين في السياسة وخاصة عن الديمقراطية أوضح واقوي من كثير من أفلامه التي لم يستطع أن يعبر فيها عن آرائه السياسية بشكل يفهمه المتفرج العادي. يقول يوسف شاهين: "لا داعي لأن ينفرد الحاكم بالقرار ثم يطرح الصوت عند أول نكسة كما أنه لا يجوز أن يتحمل المواطن مسئولية نتائج قرارات لا يشارك في صنعها.. الديمقراطية تساعدنا في التغلب علي كل التحديات التي تواجه الوطن العربي والانسان العربي". ويقودنا هذا الكلام إلي التساؤل الذي يدور في داخلنا وهو: ما الذي يجعل الحاكم ينفرد وهو في حقيقة الأمر ليس أفضل البشر ولا حتي أفضل مواطني بلده إن الرسول عليه الصلاة والسلام وهو نبي ملهم لم يكن ينفرد بالقرار ولكنه كان يجعل الأمور شوري، ليس لدينا الحاكم النبي وليس لدينا الحاكم الفيلسوف الذي يملك من الرؤية الصائبة حتي ولو أطال التفكير فيقرر كل شيء ويختار كل شيء لماذا ينفرد الحاكم باختيار الوزراء وحتي لو تشاور مع واحد او اثنين فإن الأمر أخطر من ذلك وقد أثبتت التجارب علي مدي ربع قرن سوء الاختيار؟ لماذا لا يختار الشعب أعضاء حكومته عن طريق نوابه في مجلس الشعب رغم - للأسف - عدم ثقة الناس بمعظم أعضاء هذا المجلس كل ما نريده أن يكون الشعب مسئولا وراضيا عن الوزراء الذين يحكمونه؟ لماذا يعطي الحاكم الفرصة للقيل والقال عن هؤلاء الوزراء وعن تدخل فرد او اثنين في اختيارهم؟ لماذا يعاند الحاكم عندما يكشف الشعب فساد أحد المسئولين الكبار بالحقائق والوثائق؟ لماذا يصر الحاكم علي الابقاء علي مسئولين ليسوا علي مستوي الكفاءة والأمانة والنزاهة مددا قد تتجاوز العشرين عاما بينما يصرخ الشعب مطالبا باقصائهم ولكن يصر علي الاستهانة برأي هذا الشعب وتحقيره؟ لماذا يتصور الحاكم أنه الوحيد الذي يعلم مصلحة هذا الشعب وهو في الحقيقة لا يعلم حقيقة ما يدور حوله؟ تدور كل هذه التساؤلات في نفوسنا ولا نجد لها جوابا. يقول يوسف شاهين: "من دون حرية وديمقراطية لا راحة للإنسان في أي شيء لا في الحب، ولا في التعامل مع الناس، ولا في العمل.. وبدل أن يفكر المرء في التفاهم مع الآخرين يفكر بأمور سلبية". وهو يعني هنا بالأمور السلبية الضياع والتدمير والارهاب، فليس الدين كما يحاول هذا النظام أن يوهم الناس في الداخل والخارج هو منبع الارهاب. وللأسف الشديد فإن بعض الجهلة والمنافقين من صناع الأفلام المصرية يسيرون في هذا الدرب المظلم المشبوه كراهية منهم للدين وتزلفا منهم للنظام فقد أجمع المفكرون الحقيقيون الذين لا يخشون في قول الحق لومة لائم بأن هناك أسبابًا كثيرة تصنع الارهاب. وقد أطلق الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل علي ما يحدث بأنه "عنف سياسي" أي ان لكل فعل رد فعل فالمسئولون في الواقع يحولون الطاقات الابداعية بين أفراد الشعب إلي طاقات هدامة وذلك لأنهم كما يقول يوسف شاهين: "ينفردون بالرأي وبالقرار ويمنعون عن الناس المشاركة فالسلطة تستخف برأي المواطن، وهذا تلقائيًا يؤدي إلي فقدان الرغبة في العمل عند المواطن، وفقدان هذه الرغبة يعني أننا سنواجه النكسات باستمرار ليس هناك سلطة في العالم يمكن أن تعمل بمفردها". وبالاضافة إلي ما يقوله يوسف شاهين فأنا اعتقد أنه لم يعد في مقدور هذا الشعب أن يواجه المزيد من النكسات وقد يدافع أصحاب الضمائر الغائبة بأن النظام إنما يسعي من وراء كل ما يقوم به أن يحقق الاستقرار في هذا البلد.. الاستقرار علي الفساد ليس استقرارا.. الاستقرار علي الطغيان ليس استقرارا.. الاستقرار علي حالة شعب لا يجد سوي الفئات من لقمة العيش ليس استقرارًا الاستقرار علي هذا التردي في التعليم وفي العلم والفنون والرياضة ليس إستقرارا.. إنه الجمود القاتل.. إنه الموت البطيء فلقد أصبح حال هذا الشعب اشبه بالميت الحي أو الحي الميت. لقد مضت علي إنتخابات الرئاسة والانتخابات التشريعية شهور ولم يحدث جديد رغم الوعود. نحن نطالع كل يوم في الصحف بأن الدول كلها تشيد بالاصلاح السياسي والاصلاح الاقتصادي في مصر فهل حدث بالفعل إصلاح في أي منهما؟ سوف يكون التبرير هو التدرج وعدم التسرع، وللأسف ومنذ ما يقرب من ربع قرن ونحن نسمع هذا الكلام والأمور تسير كما هي، حكومة تذهب وحكومة تأتي ويتهافت الناس علي الفوز بمنصب وزير وتصريحات بالمئات ومجلس تشريعي يذهب ويأتي مجلس غيره والكل يتحدث في أمور هي أبعد كل البعد عن أحلام الناس. النظام يوهم الناس بأن هناك إصلاحًا سياسيا قد تم وكل ما في الأمر هو تغيير فقرة في الدستور لا تعني شيئًا بمفردها، وللأسف فقد أخذ المنافقون يطبلون ويزمرون ولم يكن ينقصنا سوي أن يرقص أعضاء مجلس الشعب مثلما رقصوا بعد هزيمة 67. الديمقراطية ليست مجرد كلام في الهواء وضحك علي الذقون وخداع الناس من أجل الابقاء علي السلطة.. الديمقراطية حقوق لابد أن ينالها الشعب بأي طريقة. هل يتخوف النظام من أن ينقلب المواطن ضده في حال تحمل المسئولية؟ من المؤسف أننا لا ندرك سوي هذا السبب هل يقف الشعب متفرجا ينتظر أن تقع الواقعة وعندئذ يصيح القائمون علي هذا النظام: "إلحقونا؟" وكما يقول يوسف شاهين: "كيف يمكن للناس أن تساعد السلطة في أمور لم تشارك هي في تقريرها؟.. هناك أولويات عمرها سنوات طويلة وإذا كانت ستبقي بعد هذه السنوات فمعني ذلك أننا سنعيد النموذج الذي عشناه خلال العهود الماضية كأننا لا نتعلم أبدا لنتعلم من التاريح حتي لا نعود فنرتكب الأخطاء ذاتها وهذا يقودنا إلي النقد الذاتي علي مستوي المواطن ورجل السياسة ورجل المجتمع". وللأسف فلسنا نري فيمن يتعاون النظام معهم من الأساتذة الجامعيين والمثقفين من هم خيرة أبناء هذا الوطن نحن نعرف أهل الخبرة الحقيقيين نعرفهم جميعا ونعرف أنهم عندما يدلون برأيهم في أي شيء فلا يهمهم هذا النظام وإنما كل ما يهمهم هو هذا الوطن.