في الاجتماع السنوي الأخير ل "الجمعية الاقتصادية الأمريكية" الذي عقد الأسبوع الماضي، كنا قد استعرضنا تقديراتنا للتكلفة المرجحة للحرب علي العراق. وكان في تقديرنا أن التكلفة الكلية للحرب، ستكون أعلي بكثير مما جري التكهن به قبل الغزو، لكونها تتراوح ما بين تريليون واحد إلي تريلوني دولار، اعتماداً علي المدي الزمني المحتمل لاستمرار وجودنا العسكري هناك. ونحن نضع هذا في الاعتبار، فقد خطر لنا أن إجمالي ما حققه فيلم "تايتانيك" عالمياً هو 1,8 مليار دولار، مع العلم بأنه يعد الفيلم الأكثر تسويقاً ومبيعاً علي نطاق العالم بأسره. غير أن ذلك الدخل لا يعادل سوي نسبة 50% فحسب من حجم الإنفاق الأسبوعي العسكري لأمريكا في العراق! وتماماً مثلما فعل الجبل الجليدي الذي ضرب "تايتانيك"، تبقي التكلفة الكلية للحرب سراً خفياً وعائماً تحت السطح. وقد ذهبنا أبعد من حدود الميزانية العامة، إلي تقدير تكلفة الحرب وتأثيراتها الكلية علي الاقتصاد والمجتمع الأمريكيين. وشملت هذه التقديرات بين ما شملت علي سبيل المثال، حساب التكلفة الحقيقية للإصابات والإعاقات والموت. وللمزيد من التوضيح لهذه النقطة، هبْ أن مواطناً أمريكياً ما، قتل في حادث سيارة أو نتيجة لإصابته أثناء عمله، ففي هذه الحالة تتلقي أسرته تعويضات عما لحق به من موت وضرر. وقد رصدت الميزانية العامة حوالي 6 ملايين دولار لتقديرات التكلفة الاقتصادية لموت الفرد. غير أن الجيش يدفع أقل من هذا الرقم بكثير، أي ما لا يزيد عن 500 ألف دولار فحسب. ثم هناك تكلفة اقتصادية إضافية أخري هنا، مردها أن نسبة 40% من مقاتلينا وقواتنا، تنحدر من قوات الحرس الوطني والوحدات الاحتياطية. والمعروف عن أفراد هذه القوات أنهم يكسبون أقل بكثير مما يكسبه أقرانهم في المهن المدنية العادية. وإلي ذلك كله تضاف حسابات التكلفة الكلية، المتمثلة في ارتفاع أسعار الوقود والنفط العالمي، الناشئة جزئياً عن عدم الاستقرار الأمني والسياسي في العراق. والخلاصة النهائية التي نصل إليها هي أن اقتصادنا القومي سيكون أقوي بكثير حتماً، فيما لو استثمرنا كل هذه الأموال الطائلة داخل بلادنا وليس في العراق. ولاشك أن في احتمال إنفاقنا نحو تريليوني دولار علي تلك الحرب ما يستوقفنا لإثارة طائفة من التساؤلات وعلامات التعجب والاستفهام. أولاها أن الرقم المشار إليه أعلاه، يتجاوز كثيراً ما تكهنت به الإدارة قبيل شن الحرب. ولنذكر حينها أن البيت الأبيض لم يتردد لحظة واحدة في فصل مستشاره الاقتصادي لورانس ليندسي، الذي تنبأ باحتمال بلوغ تكلفة الحرب نحو مائتي مليار دولار، خلافاً لمبلغ ال60 مليار دولار الذي قال به مكتب الميزانية الرئاسي. والسؤال: لمَ كانت تقديرات التكلفة المحتملة للحرب، منخفضة وغير واقعية، خاصة وأن العرف السائد في المكتب الرئاسي، هو تفصيل كل شاردة وواردة من التكلفة المحتملة لكافة المشروعات والعمليات الكبري التي ينفذها؟ وغني عن القول هنا إن الحرب علي العراق كانت حرباً اختيارية... وأنها كانت "مشروعاً" ضخماً وعملاقاً... فكيف يعقل ألا تخضع لتحليل تفصيلي لتكلفة الاحتلال طويل الأمد الذي كان متوقعاً؟! أما السؤال الثاني فهو: هل ثمة طريقة ما لخوض الحرب علي نحو أقل تكلفة وأكثر أمانا لجنودنا؟ نثير هذا السؤال وفي البال آخر الدراسات والتقارير التي أصدرتها وزارة الدفاع، وخلصت إلي أنه كان في وسع التحصينات والدروع الجسدية، أن تقلل من عدد الإصابات والقتلي بين جنودنا في العراق. لكن مع الأسف فإن التقتير والبخل وتضييق الإنفاق علي مثل هذه الوسائل الدفاعية، ألحق ضرراً بالغاً بالتكلفة المالية بعيدة المدي للحرب، وللأسف قبل ذلك بالجنود والمقاتلين الذين فقدوا أرواحهم أو أصيبوا بإعاقات وعاهات مستديمة جراء ذلك البخل والتقتير. ولكن من كان يسمع حينها، وطبول الحرب قد دقت، والعروق امتلأت بالحماس والرغبة في العراك والنزال؟! وماذا لو انتظرنا نتيجة التفتيش الدولي عن الأسلحة... وكم من الأموال والأرواح كنا سنوفر؟