في هذا العالم الكبير الصغير في آن، تبدو ثمة حاجة واضحة إلي هيئة تتحاور في كنفها سائر البلدان. في عصرنا هذا، الأممالمتحدة هي تلك الهيئة. ونحن الإسبان نحتفي هذا العام بمرور نصف قرن علي انضمامنا لهذه المنظمة الدولية ذات الوجود الضروري لما تمثله من فضائل وعلي الرغم مما فيها من عيوب. غير أن أصداء هذه الذكري لم تظهر إلا بالكاد عبر وسائل الإعلام، ولذلك قررت أن أكتب السطور التالية. كما افترضت مشاركة اسبانيا في الأممالمتحدة وجود التزام مباشر بمواجهة تحديات المجتمع الدولي، وكان دورنا في القمة السابقة لرؤساء الدول والحكومات التي عقدت في نيويورك في سبتمبر الماضي بارزا في سائر الخطابات التي ألقيت هناك. هذه القمة افترضت،في المقام الأول، استعادة أجندة القضايا الدولية الملحة التي بقيت مقصاة في المستوي الثاني إثر الاعتداءات الإرهابية في 11 سبتمبر 2001 وبالتالي، فإن قضايا مثل التنمية، كهدف بذاته، واحترام حقوق الإنسان وحماية البيئة ومكافحة الايدز قد استعادت أهميتها بين القضايا التي تؤثر في أمننا. وفي حين يعتبر مجلس الأمن، الذي هو إحدي الهيئات الرئيسة التابعة للأمم المتحدة، ممثلا للخارطة الجيوسياسية عقب الحرب العالمية الثانية، فإن اسبانيا تريد مجلسا أكثر ديمقراطية وفاعلية وشفافية وتمثيلا للمجتمع الدولي . إن عملية إصلاح هذا المجلس تحتاج إلي أوسع نطاق ممكن من الوفاق الدولي الذي يتسني الحصول عليه عبر حوار شفاف يضم جميع أعضاء الجمعية العامة من دون عجلة ولا مهل مصطنع. ونحن نحافظ علي روح منفتحة علي الحوار لكن قناعتنا تكمن حصرياَ في زيادة عدد الأعضاء غير الدائمين في مجلس الأمن وتحسين أساليب عمل هذه الهيئة ، بما في ذلك حق الفيتو الذي يتمتع به أعضاؤها الدائمون. ثمة كاتب كبير علي قيد الحياة قال إن عليه إلقاء رواياته في البحر لأن الواقع يجعلها غير ذات جدوي. وفي 2005، وهو عام الاحتفالات لإسبانيا والأممالمتحدة التي أكملت 60 عاما من عمرها، تترسخ فكرة أن وجود المنظمة الدولية أصبح ضروريا أكثر من أي وقت مضي. واسبانيا ستستمر في المساهمة في هذا الجهد لتحديث وتفعيل مبادئ ميثاق الأممالمتحدة الذي وضع عام 1952 وستكون حارسا أمينا له. من سيفوز بسباق القرن... الصين أم الهند؟ : السباق الكبير للقرن الحادي والعشرين بدأ بالفعل بين الصين والهند لتحديد من منهما ستكون القوة القائدة في العالم عام 2100 والزيارة التي يزمع الرئيس جورج بوش القيام بها للهند الشهر القادم مهمة لأننا في أمريكا يجب أن نعرف أن الصين ليست هي فقط التي تلاحقنا عندما ننظر في مرآة الرؤية الخلفية لعربتنا ولكن الهند أيضا. ومن بين أبرز نقاط القوة التي تتمتع بها الهند نهم أبنائها للتعليم والمعرفة. ففي الوقت الذي تقوم فيه معظم الصحف الأمريكية باجتذاب القراء عن طريق الكوميديا وتقوم صحف الإثارة البريطانية بإغرائهم بصور النسوة العاريات الصدور، فإننا نجد أن الصحف اليومية في مدينة مثل كالكتا تجتذب القراء من خلال نشر معادلات رياضية. لقد قمت بزيارة إلي إحدي المدارس الخاصة المتداعية في منطقة فقيرة من مناطق كلكتا، يعمل أولياء أمور التلاميذ الذين يدرسون بها في مهن متواضعة ولا يزيد دخلهم الشهري في المتوسط عن 23 دولاراً ولكنهم يدفعون جزءا لا بأس به منه لتعليم أبنائهم في تلك المدرسة التي تقدم مستوي تعليميا جيدا وتقوم بتدريس اللغة الإنجليزية والفن والموسيقي إلي جانب المواد التقليدية. ومثل هذه المدارس الخاصة تزدهر الآن في مختلف مناطق الهند، كما أن عدد المتحدثين بالإنجليزية في الهند يتزايد باستمرار، وبالتالي يتزايد الاعتماد عليهم في أداء بعض الأعمال للشركات الأمريكية وهم في مواقعهم في الهند فيما يعرف بظاهرة تكليف عمالة خارجية بأداء الأعمال لشركات محلية في أمريكا ."Outsourcing" والهند إلي جانب ذلك تتمتع بنظام مالي متين مقارنة بنظام الصين الكارثي. ومن الناحية الديموغرافية نجد أن الهند في وضع أفضل من الصين يتيح لها أن تتقدم بمعدل أسرع علي المدي الطويل. يرجع السبب في ذلك إلي أن الصين قد حصدت ثمار سياسة تحديد النسل بالفعل وبدأ سكانها الحاليون يشيخون بمعدل سريع في حين أن سكان الهند سيكون معظمهم في سن العمل علي مدار العقود القادمة (وهو عامل يرتبط ارتباطا وثيقا بالنمو الاقتصادي). والهند أيضا دولة ديمقراطية، لديها صحافة حرة، ومجتمع مدني وكلها عوامل توفر قدرا من الاستقرار السياسي. صحيح أن الهند يمكن أن تنفجر كما انفجرت عندما تم ذبح المسلمين في جوجارات عام 2002 ولكن أخطار الانفجارات السياسية والاجتماعية في الهند آخذة في التقلص في حين أنها قد تكون آخذة في الارتفاع في الصين. ومن المرجح أن الصين سوف تتمكن من تدبير أمر انتقالها النهائي إلي الديمقراطية، بقدر يمكن احتماله من الاضطرابات كما حدث من قبل في تايوان وكوريا الشمالية. وتختلف الحالة الصينية عن الحالة الهندية في أن كل شيء فيها يمكن تخيل وقوعه بما في ذلك وقوع انقلاب أو حدوث قلاقل واسعة النطاق أو حتي حرب أهلية. مع ذلك يمكن القول إنه إذا ما كانت الديمقراطية هي إحدي نقاط قوة الهند فهي أيضا إحدي نقاط ضعفها. فالإصلاحات الاقتصادية التي قدمها رئيس الوزراء مانموهن سينج يتم إيقافها أو تعطيلها في المتاهة السياسية الهندية. والمشكلة الأساسية التي تعاني منها الهند هي أن سياساتها الاقتصادية ليست علي نفس القدر من الذكاء، والملاءمة للنمو، وبعد النظر مثل سياسات الصين. وهذه مأساة في الحقيقة فنحن جميعا نريد من الهند أن تظهر أن الديمقراطية ميزة.. ولكن مشرعي القوانين الهنود لا يقدمون العون في ذلك. فالأجانب مازالوا محرومين من الاستثمار في قطاعات معينة في الاقتصاد الهندي مثل تجارة التجزئة. كما أن عملية الخصخصة تمضي بخطي متثاقلة، والمبالغ المخصصة للدعم تتصاعد إلي عنان السماء إلي درجة أن الهند تقوم بإنفاق 6,6 روبية كي نتمكن من توصيل دعم غذائي قيمته روبية واحدة إلي الفقراء. وقوانين العمل تقييدية ولا تساعد الشركات الأجنبية علي استئجار العمالة المحلية، كما أن اللوائح تميل إلي خنق روح المبادرة التجارية. والذي حدث هو أن الهند قد تمتعت بازدهار أدي إلي إضافة أعداد قليلة من الوظائف. فعدد العاملين في التكنولوجيا والتصنيع لا يتجاوز المليون علي الرغم من أن القطاع الأخير بالذات يمكن أن يستوعب عشرات الملايين من العمال الزراعيين الفقراء. وهذا المعدل بالنسبة لعدد السكان الإجمالي يجعل الهند تأتي وراء دولة مثل بنجلادش. والخاسر من ذلك هم فقراء الهند في النهاية. وفي الوقت الذي كانت فيه الصين في غاية الذكاء في تحديث بنيتها التحتية، فإن وضع الهند كان يدعو للرثاء. وينبغي الإشارة هنا إلي أن مستقبل الهند الاقتصادي سوف يتعرض إلي الإعاقة بسبب بنية طرقها ومطاراتها التي تنتمي إلي الدرجة الثالثة. علاوة علي ذلك نجد أن الهند تقوم بإدارة مشكلة الإيدز لديها بشكل سيئ للغاية. ويمكن القول إن عدد المصابين من أبنائها بفيروس هذا المرض يفوق الموجود في أي دولة أخري وأن الإيدز يلقي بظلال قاتمة علي مستقبل هذا البلد بأسره. وخلاصة الأمر أن الهند تنهض الآن بعد قرون من الخمول، وأن احتمال تعرضها لكوارث سياسية يقل عن احتمال تعرض الصين لتلك الكوارث. وعلي الرغم من أن الهند قد أصبحت الآن في وضع يمكنها من أن تصبح قوة عالمية كبري مرة أخري إلا أنني أراهن علي أن الصين ستتقدم بسرعة أكبر وستكسب سباق القرن في نهاية المطاف. لذلك فإنني سأحث أبنائي علي مواصلة تعلمهم للغة الصينية بدل التحول لدراسة اللغة الهندية.