لا أحد يملك امكانية التنبؤ بما قد يحدث في العالم العربي، علي الرغم من أن امكانية التنبؤ بما يحدث في أوروبا والدول المتقدمة شيء سهل للغاية، فلا توجد مساحة للمصادفات أو التقلبات السياسية والقرارات الفردية والحروب المفاجئة، فكل شيء هناك يتم وفقا لخطط تضعها مؤسسات مستمرة حتي وان تغيرت الحكومات وبالتالي لا مكان للعشوائية أو المفاجآت المدوية التي يطلقها القادة والزعماء في البلدان العربية والبلدان التي تصنف ضمن العالم الثالث والرابع والخامس والسادس. وبالتالي فان كل الاحتمالات واردة في العالم العربي ولا يستطيع أي محلل سياسي أو حتي مركز استراتيجي أن يتوقع بدقة ما الذي سيحدث في هذا العالم الشهور القادمة، بل وفي بعض الأحيان الأيام القادمة! العراق إلي أين وإذا بدأنا بالملف العراقي فان كل الاحتمالات واردة، صحيح أنه قد اجريت انتخابات برلمانية مرت بهدوء وشارك فيها 80% من نسبة المصوتين، ولم تحدث خلالها عملية انتحارية واحدة، وخرجت السنة بكثافة للتصويت، وفيما عدا شكاوي محدودة بوقوع عمليات تزوير فان اللجنة العليا للانتخابات وهي لجنة دولية محايدة أكدت ان تلك الانتخابات نموذجية، وبالتالي فان البناء علي تلك الخطوة بتشكيل حكومة عراقية دائمة بعد أن اصبح للعراق دستور وبرلمان دائمان، هو الخيار الذي ينتظره العراقيون وكل المتورطين في الشئون العراقية، والأمل كل الأمل ان يتم اقامة حكومة ائتلافية تضم القوي السياسية ذات الصبغة الطائفية الشيعة والأكراد والسنة علاوة علي القوي الليبرالية والديمقراطية، لكي تساعد علي نقل العراق إلي المرحلة التالية وهي مرحلة انسحاب كامل لقوات الحلفاء واستعادة العراق كامل سيادته. هذا السيناريو المتفائل جدا لا يستند علي واقع قوي، وكل الاحتمالات واردة فقد تفشل القوي العراقية في تشكيل حكومة ائتلافية، وقد تشكل ثم تنهار بعد عدة اسابيع أو عدة اشهر، وقد لا يجد هؤلاء مناحي سوي الدخول إلي سيناريو الفيدرالية وتقسيم العراق واشتعال حرب أهلية وازدياد التورط الأمريكي في مستنقع العراق. وقد يصدق سيناريو صدام حسين الذي قال اثناء محاكمته أن الامريكان قد يلجأون إليه لانهاء العنف في العراق، وهو لم يستبعد أن يعود للحكم بينما هو قابع في قفص المحاكمة والسلاسل والأصفاد في ايديه ورجليه وآثار التعذيب الذي الحقه به الأمريكان علي جسده اليس ذلك اعترافا بأنه لا منطق في العالم العربي. ماذا سيحدث لسوريا؟ ملف ملتهب آخر في العالم العربي وهو الملف السوري المشتبك بالملف اللبناني، فمنذ اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري وانفتاح مسلسل الاغتيالات في لبنان وتكليف لجنة دولية بالتحقيق، والاتهامات تشير إلي سوريا ومسئولين كبار، ورغم تجاوب سوريا وإرسالها 6 من هؤلاء المسئولين لاستجوابهم، الا أن الحلقات تضيق حول سوريا خاصة أن التحقيق مستمر رغم انهاء القاضي الألماني ديتليف ميلس لمهمته فهناك قاض بلجيكي آخر سيكمل المسيرة وسيقدم تقريرا تلو الآخر لمجلس الأمن الذي يتابع القضية، وهنا نجد تنسيقا بين أمريكا وفرنسا واصرارا علي متابعة الملف حتي النهاية. النهاية لا يعلمها احد إلا الله، قد ينتهي التحقيق ببراءة سوريا أو بادانتها، وإذا حدث الاحتمال الأخير فالحصار والبند السابع من الميثاق الذي يتيح العقوبات ثم التدخل العسكري وهو خيار لا يستبعده المحافظون الجدد الذين يرون أن ما تحقق في العراق يتحق تكراره في سوريا بعد أن تم استيعاب دورس كثيرة من الأخطاء التي ارتكبت في العراق. دولة فلسطينية أم انتفاضة ثالثة؟ الملف الثالث في العالم العربي وهو الملف التاريخي الذي كان يسمي "قضية العرب المركزية" والمعروف الآن بالقضية الفلسطينية مفتوح أيضًا علي كل الاحتمالات. فهناك احتمال أن يتمكن شارون من البقاء والخروج من أزمته الصحية ويتغلب علي الجلطة المخية كما تشير التقارير الحديثة، ويواصل مشروعه الخاص بتأسيس حزب "اكاديما" ويغير الخريطة السياسية ويدخل الانتخابات ومن ثم يحقق الأغلبية ويفرض بالتالي مشروعه للحل السياسي والذي يتضمن إقامة دولة فلسطينية علي أقل من 22% في ساحة الأرض الفلسطينية بدون القدس وبدون معالم السيادة. وقد تتدخل الادارة الأمريكية وتفرض هذا الحل إذا استطاع محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية اقناع الشعب الفلسطيني عبر استفتاء عام بهذا الحل الممكن، وقد يعرض شارون مشروعه بشكل احادي فينسحب من المدن والقري الفلسطينية المزدحمة بالسكان في الضفة كما فعل في غزة ويترك حماس والسلطة وصراعا قد يصل إلي حرب أهلية وذلك أن حركة حماس تحقق صعودا كبيرا هذه الأيام وفازت في انتخابات البلديات ومرشحة للفوز في الانتخابات التشريعية إذا اجريت، وهو صعود لظاهرة الاسلام السياسي في العالم العربي فحماس رافد من حركة الاخوان المسلمين، والفارق انها مسلحة وامتداد لظاهرة الحركات والمنظمات الاسلامية المسلحة في العراق ولبنان، وقمة صعودها في أفغانستان حيث القاعدة وطالبان، وكل جماعات العنف من جماعة اسلامية إلي حيث تحرير اسلامي وغيرها. الخريطة الفلسطينية وحسابات القوي المختلفة لا تترك مجالا للتنبؤ ماذا سيحدث فكل الاحتمالات واردة ايضًا وان كانت التطورات السلبية كالعادة هي المرشحة أكثر للحدوث علي الساحة الفلسطينية. السودان يهدأ ام يشتعل؟ ملف الأزمات الرابع الاخطر في السودان، الذي شهد العام الماضي الحادث المأساوي الذي قتل زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان جون جارانج بعد أيام قليلة من ابرام اتفاق السلام التاريخي لانهاء الحرب الأهلية وتوليه منصب نائب الرئيس.. صحيح أنه امكن حصار الأزمة بسرعة عبر التأكيد علي أن موت جارانج كان بسبب حادث غير مدبر وتعيين نائبه سلفا كير في منصبه، إلا أن تطورات تطبيق اتفاق السلام تبدو هشة ومع استمرار مأساة دارفور وقيام العصابات المسلحة بعمليات ارهابية تجعل من الاستقرار في السودان حلما بعيد المنال، وتصبح الأبواب مفتوحة لتدخل أجنبي في أي وقت، والبداية معروفة سيناريو العقوبات والحصار. التعاون العربي علي الصعيد العام فان تحقيق التعاون العربي لا يزال في مراحله الرومانسية، وعبارات الاطراء والتأكيد علي التاريخ المشترك والجغرافيا التي تجمعنا واللغة والدين، صحيح اننا شهدنا في اخر ايام 2005 قيام البرلمان العربي إلا انه برلمان تحوطه كثير من التساؤلات والشكوك حول شرعية النواب وهل جاءوا بطرق ديمقراطية وعبر انتخابات حرة ونزيهة إلي عكس ذلك، والغالب في معظم الأحوال ان الاجابة هي "عكس ذلك". التقدم نحو اقامة منطقة تجارة حرة عربية علي الورق فقط، ولكن الحواجز الجمركية تبدو ابعد، والاهتمام اثر بتحقيق تعاون مع الولاياتالمتحدة عبر اقامة مناطق تجارة حرة معها مثلما فعلت الأردن والمغرب وقطر، وتحاول مصر بشتي السبل التوصل إلي اتفاقية مماثلة هذا العام. والأبواب المفتوحة للتبادل التجاري مع إسرائيل تبدو فرصها افضل بعد نتائج اتفاقيات الكويز، وهو ملف مرتبط باتفاقيات التجارة الحرة التي ستعني أن الاقتصاد يتقدم السياسة والتبادل التجاري مثل التبادل الدبلوماسي. صحة الرؤساء في العالم العربي صحة الرؤساء سر عسكري، ورغم لك فان التقارير حول صحة رئيس الجزائر عبد العزيز بوتفليقة تشير إلي مرض خطير، وراحت التنبؤات إلي ما بعد بوتفليقة وخطر دخول الجزائر إلي ساحة الاضطرابات من جديد وتحديد الخليفة المجهول. صحيح أن هناك دساتير تحدد كيفية نقل السلطة، إلا أن المواقع مختلفة خاصة في الدول ذات النظام الجمهوري في ظل خريطة واضحة لا تخلو من الصراعات في الأنظمة حيث تعيش بلدان في أزمات وراثة وانتقال الحكم وخاصة في الكويت حيث خرج الخلاف إلي العلن في الشهور الماضية حول تقرير مستقبل الحكم هناك. انقلابات ومفاجأت العالم العربي مرشح لكل شيء، فالانقلابات واردة ولا تزال علي اجندة العرب كما حدث في موريتانيا، والعنف والارهاب علي الخريطة الأمنية في ظل تفاقم الصراعات والخلافات وتعطل عملية الاصلاح وازدياد نفوذ جماعات الاسلام السياسي التي تؤثر في بعضها مثل نظرية الأواني المستطرقة. وبالتالي فكل شيء متوقع في العالم العربي حيث لا تمضي الأمور منسقة مع المنطق والحسابات الرياضية العلمية، فلدينا حسابات اخري تجعل كل المفاجآت واردة وللأسف فان معظم تلك المفاجآت ان لم تكن كلها هي مفاجآت كارثية هذا هو استقبال متشائم لأول ايام 2006. اعتذر.. ولكن متي تحققت الاحتفالات والاستقبالات المتعادلة؟