هي المعفرة بالتراب، هي خادمة الجمرة، هي النكرة التي يفاجئها الحظ والنجاح..... هي سندريلا.في مصر القديمة قالوا إن "رادوبي" الجميلة كانت تعيش في مدينة "منف"، وقبل أن تموت أمها أهدتها صندوقا به حذاء جميل مصنوع من جلد الغزال الذهبي، وقالت لها : "يارادوبي الحبيبة حافظي علي هذا الحذاء لأنه سيكون سببا لسعادتك"! لما ماتت أمها تزوج أبوها التاجر الثري "سنوفر" من امرأة لها بنتان غير جميلتين، عانت "رادوبي" من سوء معاملتهن البالغ لها، وحين أعلن ابن الفرعون أنه سيختار عروسه في حفل عيد الربيع رفضن اصطحابها فقررت أن تذهب للحفل بمفردها وفتحت صندوق أمها لترتدي حذاء سعدها، فإذا بنسر ضخم ينقض ويخطف واحدة من فردتي الحذاء، ويطير بعيدا بعيدا حتي يسقطها بين يدي ابن الفرعون! يعجب الأمير الملكي برقتها وزينتها ويقول لنفسه "إن صاحبة هذا الحذاء هي الجديرة بأن تكون زوجتي لأنها لاشك بارعة الجمال فائقة الرقة"، ويطلق الخدم والأتباع يبحثون عن صاحبة الحذاء حتي يصلوا إلي "رادوبي" فيتزوجها الأمير.وفي آسيا قالوا إن "تام" عانت كثيرا من اضطهاد زوجة أبيها لها، خاصة بعد أن أنجبت زوجة الأب فتاة قبيحة كسولة أسمتها "كام"، كانت تعهد لتام بالمهام الخطيرة لكي تتخلص منها، فترسلها للغابة لجمع الحطب وتطلب منها ملء الماء من البئر العميقة، وفي أحد الأيام أرسلتها مع "كام" الكسولة للصيد وقالت لهما إذا عادت إحداكما بسلتها غير مليئة فسوف أجلدها، اجتهدت "تام" لتملأ السلة بينما قضت "كام" يومها في اللعب والتدحرج علي العشب والرقص، وعند الغروب سرقت ما في سلة "تام" وأسرعت به لأمها! فوجئت تام بسلتها خالية فبكت بكاء مُرًّا جعل السحب البيضاء اللامعة تتجمع حاملة إلهة الرحمة التي أعطت "تام" سمكة ذهبية وقالت لها ضعيها في البئر الموجود خلف بيتك وأطعميها ثلاث مرات من بقايا طعامك وستنفذ لك السمكة كل ما تحلمين به، لكن زوجة الأب قتلت السمكة! وحين جمعت "تام" عظام السمكة ودفنتها تحت فراشها تحولت العظام إلي شجرة كبيرة تحقق لها كل أمانيها، وفي حفل الأمير ارتدت "تام" ثوبها الجميل الذي أتتها به شجرتها المسحورة وذهبت للحفل فأعجب بها الأمير، لكنها لما رأت زوجة أبيها وأختها الكسولة "كام" تتفرسان فيها هربت تاركة فردة حذائها ليعثر الأمير عليها عن طريقها ويتزوجها.وفي روسيا قالوا إن الساحرة الشريرة اتخذت هيئة الفلاحة الجميلة وحولت الفلاحة الجميلة إلي بقرة واحتلت مكانها في بيتها مع زوجها وابنتها! كانت البقرة الأم تحنو علي ابنتها وتخفف عنها بينما كانت الساحرة الشريرة تكرهها وتقسو عليها وتكلفها بأشق المهام في الوقت الذي تدلل فيه ابنتها كل التدليل، لكنها لاحظت أن ابنة زوجها تقوم بكل المهام الصعبة واكتشفت أن أمها التي سبق وسحرتها بقرة تساعدها وتقوم نيابة عنها بالعمل، فذبحتها! تحولت عظام البقرة الأم إلي شجرة تهب البنت المسكينة كل ما تشتهيه نفسها، وفي يوم الحفل الذي أقامه الأمير منحتها الشجرة ثوبا وحذاء وجواهر وعند خروجها من الحفل علق حذاؤها بعتبة الباب، وبحث الأمير عن صاحبة الحذاء حتي وجدها وتزوجها.وحكي الهنود الحمر عن الفتاة راعية الديكة الرومية أنها كانت تحب ديكتها كثيرا، تطعمهم وتسقيهم وتداويهم، وحين أعلن زعيم القبيلة عن المهرجان الكبير لم تجد الفتاة لديها ثوبا جيدا يليق بالمهرجان، فجلست حزينة تتمني لو أنها استطاعت الذهاب، ولما رأت الديكة حزنها طلبت منها أن تخلع ثوبها الممزق البالي وأخذت تنقره بمناقيرها وتخصف عليه من ريشها حتي تحول إلي ثوب رائع الجمال، وأخرجت الديكة من حواصلها أساور وخواتم وقرطا تزينت بها الفتاة الطيبة، وقبل أن تذهب طلبت منها الديكة أن تعدها بالرجوع قبل غروب الشمس، فوعدتهم، ثم ذهبت للحفل، ورآها ابن الزعيم فأعجب بها وظلا يتحدثان ويمرحان ويرقصان، والديكة ترقب الشمس وهي تنحدر نحو المغيب وتخشي أن تنسي الفتاة وعدها، وغابت الشمس، فجرت الفتاة مغادرة الحفل تقودها خطواتها الفزعة نحو حظيرة ديكتها الحبيبة، فإذا بها تجد الحظيرة خالية، لتعيش نادمة علي وعدها المخلوف!وقالوا في أوروبا إن "خادمة الجمرة" تألمت كثيرا حين رفضت زوجة أبيها وابنتاها اصطحابها لحفل الأمير، فسارعت إلي قبر أمها وجلست تحت شجرة الجوز تبكي وتتمني أن يكون لها جنية حارسة تهبها ثوبا ليس له مثيل، ويسمعها الطائر الصغير فوق الشجرة فينادي عليها "يا خادمة الجمرة هزي شجرة الجوز"، فتهزها لتسقط جوزة يخرج منها ثوب من الحرير الأزرق المطرز بالنجوم وحذاء جميل من النحاس اللامع! وإذا شجرة الجوز تنشق وتخرج منها عربة نحاسية يجرها أربعة أحصنة بلون الحليب الأبيض. وحين انطلقت بها العربة جاءها صوت الطائر يقول لها: "عند منتصف الليل لابد وأن تعودي للبيت". بمجرد دخول "خادمة الجمرة" قاعة الاحتفال لم يرقص الأمير مع أحد سواها ولم يكلم أحدا سواها، وعندما اقتربت عقارب الساعة من الثانية عشرة تسللت "خادمة الجمرة" عائدة لبيت أبيها، وفي اليوم التالي تكررت نفس الأحداث بثوب جديد وحذاء جديد وعربة جديدة، وكان الأمير قد أمر جنوده أن يسكبوا علي سلم القصر عسلا لتلتصق به قدم خادمة الجمرة، لكنها تمكنت من الفرار، وفي اليوم الثالث أمر الأمير جنوده أن يسكبوا القطران فوق الدرج وغفلت خادمة الجمرة عن عقارب الساعة ولم تنتبه إلا وقد بدأت دقات الساعة تدوي، فجرت مسرعة فوق القطران فالتصقت فردة حذائها الذهبي، وحين خرجت من القصر كانت العربة قد اختفت وتحول ثوبها الحريري الأخضر المطرز بأمواج البحر إلي ثوب رث بالٍ. أطلق الأمير جنوده للبحث عن صاحبة الحذاء الذهبي وحين وجدوها تزوجها.البدايات واحدة والنهايات واحدة والبطلة واحدة إلا أنها تغير اسمها من مكان لمكان.. وبمرور السنين تتقدم حكاية خادمة الجمرة "سندريلا" وتتواري حكايات باقي الفتيات الحلوات الطيبات.. ويصبح اسم "سندريلا" هو الأشهر والأحب والأخلد..قالوا عن "سندريلا" في كل مكان، وحكوا عنها بكل الألسن، وأحبوها في كل الثقافات.. ربما سمع البعض عن "رادوبي".. ربما قرأ البعض حكاية "تام" إلا أننا جميعا وبدون استثناء نعرف حكاية "سندريلا".. لأن أصحاب الحكاية لا يتركون تراثهم وفنهم وثقافتهم نهبا للنسيان.. ويعرفون كيف يجعلون من ضعفائهم أبطالا ومن فقرائهم ملوكا ومن انكساراتهم انتصارات. [email protected]