الدعم المعنوي الذي يمكن ان يحظي به الانسان في لحظات الضعف والمحن والآلام والمؤازرة له مفعول السحر في مواجهة الصعاب. في اعماق الارض حياة مظلمة، كهف وبرق وطير يئن وقلب من اليأس لايخفق تثير الدموع حنايا الضلوع، تغيم الرؤي وتبحث الشمس عن جبين فيخدعها الليل لاتشرق. سبعون يوما قضاها عمال منجم النحاس المنهار علي رأس ثلاثة وثلاثين عاملا في تشيلي ليتم انقاذهم عن طريق كبسولة معدنية عرضها 54 سم نجحت في مهمتها الصعبة لتحملهم الواحد تلو الآخر بعدما تحول الأمل الي سراب وكانت النجاة من موت محقق، إن التجربة القاسية التي عاشها عمال المنجم وتابعها العالم بأسره مابين الأمل واليأس والخوف جعلت الهواجس والاخيلة السوداء تحاصرهم.. الأمل هوي في سرداب عميق، طال الانتظار وهم يحلمون بمن يزيل عبوسهم الحنين الي الاحبة، يحلمون بالنهار الذي تحول الي ليل لايتعاقب عليهم سواه.. سبعون ليلاً حالك السواد ودوامة من رؤي موحشة تحت الارض بعمق ستمائة متر مكان اصبح لروحهم منفي يسوق من الخوف جفا ووحشا يتناثرون في كف الاقدار يمنون انفسهم تحقيق المحال. فما اعجب ما يأتي به القدر والعالم المشدوه ينظر نحوهم ذاهلا ما بين مكتئب وآخر يشفق. لكن كف الرحمة الإلهية استطاعت ان تكبل في وجدانهم الخوف وتحررهم من هذا الاسر وهم محاصرون بقيود شتي فصار العمر مثل اشلاء غريقة يعيشون في فراغ كالعدم اشتاقوا الوطن اشتاقوا الي من يمسح ما ادماه الليل ويزيح عنهم عتمة الأيام. ان التجربة المريرة تدفعنا الي التأمل في أمور عدة لنعي دروسا ما أحوجنا اليها اولها الا نفقد الامل لحظة واحدة فمهما كبلنا الظلام واليأس اشتدت حاجتنا الي النور الي الايمان بالله وبقدرته علي المستحيل وكان الله عونا ونصيرا لنا ولن يخذلنا ابدا. ثانيا: ان نعرف قيمة الحرية انها اغلي ما نملك في الحياة، الحرية نعمة عظيمة يسبغها الله علي العباد من اجل سعادة البشرية والعيش بعزة وكرامة وبدونها فالقيد ذل وسجن يمحو وجودنا ويحولنا الي اناس مسلوبي الارادة تابعين مقهورين نساق كما يحلو للغير ان يوجهنا حسب اهوائه بدون الحرية نموت كل يوم رغما عنا. ثالثا: ان الدعم المعنوي الذي يمكن ان يحظي به الانسان في لحظات الضعف والمحن والآلام والمؤازرة له مفعول السحر في مواجهة الصعاب فنعلو فوق الظلام.. وهذا ما فعله وساهم به جموع شعب تشيلي بداية من رئيس الجمهورية الي الفرد العادي قدموا الحب والعطف زرعوا الطمأنينة في قلوب العمال وانهم ليسوا بمعزل انما القلوب معهم تدعو لهم وتم بذل يد العون علي يد رجال الانقاذ الكل ساهم من اجل مقاومة الانهيار المعنوي وكان النجاح حليفهم. كم من مريض استعصي علاجه كان الدعم المعنوي عونا عاجلاً بشفائه!! ان الكلمة الطيبة والعطف والحب والتشجيع مرادفات تدخل السكينة والصبر والقوة علي افئدة الضعفاء.. ما اصعب الشعور بالوحدة وما اقساها حياة لايتواصل فيها الانسان مع اخيه الانسان. الوحدة تدفع احيانا بعض الناس الي الانتحار ومع الاسف فإن زماننا بدل مفاهيم كانت فيها المعاني الطيبة تعلو علي الانا التي تسيطر علي حياتنا ويسير كل منا بمفرده لايري الا ظله.. بالحب نواجه اعتي الرياح بالرفق يهزم الخوف. تري هؤلاء العمال بماذا كانوا يفكرون ويتحاورون والآلام تطبق علي قلوبهم؟ لايستطيعون بالطبع ان يخففوا عن بعضهم اوجاع المحنة لانهم متساوون في المأساة والظلام.. اطبق الرعب علي حياتهم في غفلة من الزمن لكن المؤكد انهم اشتركوا في حلم العودة ولحظة الانطلاق الي ما فوق الارض الي الشمس وقلوب محبيهم الي الوطن يقبلون ذرات ترابه فلم يتخل عن اي منهم وهم في القاع غرباء مرتعدون من كهف لاتلوح نهاياته والاهم انهم تذكروا الله وقدرته عز وجل علي انقاذ البشرية من كل سوء حسب ارادته.