حَبَسَ حوالى مليار شخص أنفاسهم وهم يتابعون عبر الفضائيات عملية الانقاذ الخارقة لعمال المناجم فى تشيلى ، والتى وصفت بأنها أطول وأعقد عملية إنقاذ تم تنفيذها فى المناجم ، حيث تم انقاذ 33 عاملا حُوصروا فى مساحة لا تزيد عن حجرة معيشة ، على عمق حوالى 700 متر تحت الارض فى قاع منجم (سان خوسيه) للنحاس والذهب شمالى تشيلى ..... جراء انهيار التربة فى مدخل المنجم ....... وقد تم إنقاذهم جميعاً بعد أن عاشوا محاصرين تحت الأرض لمدة تسعة وستين يوماً من 5 أغسطس الى 12 أكتوبر ، لم يكن لهم من الغذاء سوى ملعقتين من التونة ونصف كوب حليب تصرف للفرد كل يومين !!! وفق ما قنن قائد المجموعة ، حتى تم إمدادهم بالغذاء من قبل فريق الانقاذ .... بعد أكثر من 17 يوماً من انهيار المنجم !!!!!! وعلى إثر هذه الكارثة أُقيل كبار المسئولين فى قطاع التعدين ، وصدرالأمر بإجراء مراجعة شاملة لهذا القطاع... وبدأت جهود الانقاذ .... بعد سبعة أيام من انهيار المنجم صرح وزير التعدين التشيلى : إن الأمل فى بقاء العمال على قيد الحياة ضعيفاً جداً ...... إلا أن جهود الإنقاذ استمرت .... ولم يُعرف أن العمال على قيد الحياة إلا بعد سبعة عشر يوماً من انهيار المنجم ، عندما وصلت ورقة نقلها مسبار من جوف الارض كتب عليها نحن ال 33 لا نزال على قيد الحياة. ...وبناء عليه إتُخذت الاجراءات التالية: - إمداد العمال المحاصرين بالمواد التموينية والصحية من السطح بواسطة مسبار للأعماق. - تم تصويرهم بكاميرات أنزلت لهم من خلال فتحات التهوية التى تم حفرها بقطر 10 سنتيمتر. - انتداب وزير للمتابعة اليومية لعمليات الحفر. - قام عمال الإنقاذ بحفر بئر في الصخور لإخلاء العمال المحاصرين ، بقطر 60 سم ، وعمق بلغ طوله ستمائة واثنين وعشرين متراً تم الانتهاء منه فى التاسع من اكتوبر ، وتم تبطين 96 متر منه بصفائح فولاذية لتأمين مرور الكبسولة من حدوث انهيار للبئر. - أثناء عملية الحفر تم تصنيع كبسولة الانقاذ (مزودة بالاكسجين ووسائل الاتصال ويمكن من خلالها قياس ضربات القلب والتنفس) واطلق عليها اسم فونيكس وكانت قد صممت باشراف وكالة ناسا للفضاء ، لاستخدامها فى انتشال العمال المحاصرين فى المنجم. - كان أحد المهندسين المشاركين فى الإنقاذ أول من دخل الى هذه الكبسولة ليقوم برحلة الى قاع المنجم ليقدم للعمال توجيهات الأمان الضرورية عندما يستقلون الكبسولة الى سطح الارض. - تم وضع خطة لترتيب أولويات انتشال العمال وتأمين سلامتهم بأن تم تقسيمهم الى ثلاثة مجموعات ، الأولى تضم الأكثر مهارة وقدرة على التصرف ، الثانية تضم العمال الأضعف والذين يواجهون صعوبات لا يمكنهم تحملها ، ثم المجموعة الاخيرة وهم العمال الاكثر قوة وتحملاً على البقاء فى أعماق المنجم لفترة أطول.... على أن يتم إيقاف العملية والبحث عن حل آخر للإنقاذ فى حالة ظهور أى خطر أثناء عملية انتشال العمال .... يتم فحص العمال طبياً بمجرد خروجهم الى سطح الارض مع السماح لهم بلقاء ثلاثة فقط من ذويهم ، ثم يتم نقلهم بمروحية الى المستشفى للفحص الطبى لمدة يومين. - بدأت الكبسولة (فونيكس) بالعمل هبوطاً وصعوداً تنقل العمال من أعماق المنجم الى سطح الأرض وفق الترتيب الموضوع ، وأَحسن رئيس المجموعة دوره فكان آخر من تم انتشاله من المنجم. نتائج عملية الانقاذ - انقاذ جميع عمال المنجم المحاصرين من الهلاك . - خبرة تكنولوجية رائعة أثبتتها شركة كوديلكو فى قيادة وتنفيذ عملية الإنقاذ. - مجد سياسي كبير أحرزه الرئيس التشيلي سيبستيان بينيرا الذى قال بعد انتشال اول العمال "يمكننا جميعاً أن نفخر بأننا تشيليون ". - فرحة عارمة للشعب التشيلي بكل طوائفة وصلت بالإنتماء الى أعلى درجاته. - الثقة بالنفس وبالقدرة على القيام بتغييرات عظيمة على مستوى الدولة. عوامل نجاح عملية الانقاذ - روح الفريق والاخلاص ، وتفانى جمبع الاطراف فى العمل. - التخطيط الجيد الذى وضع بعناية فائقة من خلال متخصصين وتقنيات عالية. - توفير التمويل اللازم ، حيث رصدت شركة كوديلكو لإنتاج النحاس -المملوكة للدولة- ميزانية قدرها 15 مليون دولار للعملية. - استعانت الحكومة بثلاث شركات حفر لتحقيق إنقاذ سريع للعمال . - وفرت الشركة لأسر العاملين المحاصرين وسائل الرعاية اللازمة أثناء وجودهم قرب ذويهم بالمخيمات بموقع المنجم . - تعهد متبرعون مدنيون وهيئات رسمية بتقديم المساعدة خاصة بعد اكتشاف أن العمال ما زالوا أحياء. - تبرع شركات الاتصالات بمكالمات مجانية بين الأسر والعمال والصحفيين في موقع المنجم، وأقامت الحكومة شبكة واي فاي. - ساهم الصيادون المجاورون للموقع بتقديم آلاف أسماك الفيليه. - جاء ت فرق للترفيه على الأسر المتواجدة فى الموقع ورفع روحهم المعنوية. - إحدى شركات النظارات الشمسية تبرعت بنظارة لكل عامل بالمنجم قيمة الواحدة 450 دولارا. - قضى وزير التعدين الليالي فى المخيمات مع أسر العمال حول مواقد النيران بالقرب من بوابات المنجم ليشرح لهم خطط الإنقاذ. - قام وزير الصحة بنفسه بالإشراف على الرعاية الصحية وبرنامج التغذية لعمال المنجم ، ولأسرهم بالمخيمات. - متابعة رئيس الدولة شخصياً وميدانياً لعملية الانقاذ. وأخيراً فإن نموذج تشيلى فى إدارة أزمة العمال المحاصرين ، يوضح كيف يكون التفانى والإهتمام بسلامة الإنسان كقيمة ، كما يعد تطبيقاً عملياً يوضح أن التعامل مع الأزمة يلزمه استعداد مسبق ثقافياً ومادياً ، كأن يكون الناس على وعى بثقافة التعامل مع الأزمات وأن يُصروا على أن يكونوا فى موضع الفاعل لا المفعول به ، وأن تكون القيادة على مستوى المسئولية ، ومهيأة للتعامل مع الأزمات والكوارث من منطلق إحترام كرامة الإنسان كموجود آدمى ، والاستعداد للمواجهة بكل الإمكانات اللازمة .... أما عن أزمة الإدارة فى مصر فهى غنية عن التعريف !!!! ويكفى السؤال : كيف يكون الحال إذا كانت أزمة منجم تشيلى قد وقعت عندنا فى مصر ؟؟؟!!!! لتكون الاجابة تفصيلاً لكل شىء !!!!!!! . [email protected]