كان ياما كان يا سادة يا كرام.. قطارات السكة الحديد مواعيدها مضبوطة بالتمام..مفيش زحام والنظافة اخر تمام، علشان كده غنت المطربة عفاف راضي " ياواببو الساعه 12 يا مقبل علي الصعيد حبيبي قلبه دايب وانت قلبلك حديد. نعم كان المزارعونيضبطون اوقاتهم علي مرور القطارات بالدقيقه والثانية وتجد احدهم يقول لك ده قطار الساعه 5 والان تغيرت الاحوال والازمان.. وكل شئ اصبح من غير عنوان التاخير اصبح المعتاد والوصل في الميعاد ابح استثناء.. قطارات الغلابة اصبحت سمك لبن تمر هندي.. ورحلة السفر اصبحت رحلة معاناة لا تحتمل والسكة الحديد تتدهور من سئ الي اسوأ رغم تعاقب الوزرات والحكومات. اردنا ان نرصد واقع اليم وقضينا يوما في رحلة سفر كان عنوانها المعاناة نقدمها للمسئولين الذين يقولون ليس في الامكان ابدع مما كان… والي تفاصبل المعاناة. في البداية وصلنا الي الرصيف في الساعه التاسعه يوم الجمعة 29 يناير الماضى في انتظار القطار، الذي تاخر وصوله الي الساعه 9:45 دقيقة، الرصيف متكدس بالركاب، لا تستطيع ان تنظر تحت قدميك من شدة الزحام متوسط اعمارهم يتراوح ما بين ال 30 و40 عام، تعتلي ملامحهم الحزن والشقاء والهم شاردين الاذهان، يسيرو في خطي متأرجحه لا يشغلهم إلا كيفية الحصول علي لقمة العيش لهم ولابنائهم. ما ان وصل القطار الي الرصيف فقام الركاب بالتدافع والقفز من نوافذ القطار قبل ان يتوقف ليتمكنوا من الجلوس علي احد المقاعد، فهي بمثابة طوق نجاة من هذا الزحام الشديد، في مشهد عبثي تشمئز منه الانظار، ناتج عن الزحام وتكدس الركاب والتدافع من اجل الوصول لمقعد امتزج الشباب بالنبات والشيوخ بالاطفال مما ادي الي الكثير من حلات التحرش والسرقة، فهذا مناخ جيد لكل من تسوله له نفسه بفعل اي مخالفة ادبية او قانونية فالكل "يفعل فعلته" وهو مايقن انه ناجي، فلا احد يستطيع ان ينظر للخلف والا سقط علي الارض ليعتلي علي جسده الركاب صعدنا الي القطار لنتفاجئ بالباعه الجائلين في منتصف الممرات في عربة القطار يقطعون الطريق ويعقون حركة السير للمواطنين الصاعدين للقطار، لاجبارهم علي الشراء، وغيرها من المهام الاخري فهي ملاذ أمن للسرقه، ولا احد يستطيع ان يعترضهم فمن تسول له نفسه ويتجرء للوقوف في وجه هؤلاء الباعه فهو يعرض حياته للخطر. في تمام الساعه 10:9 وصل القطار الي محطة الجيزة لتزداد "الطين بله" فالتقاط الانفاس كان بمثابة "غريق في اعماق البحار" من شدة الزحام نتيجة لصعود المئات من الموطنين الي القطار، مما ادي الي صعوبة التحرك او السير فلا احد يستطيع ان ينظر تحت قدمية فالموقف لا يمكن وصفه من صعوبته، تعالت اصوات البكاء من الفتيات المتوجدات علي متن القطار من كثرة حالات التحرش المشروع والغير مشروع، حيث ان التصقت اجساد المواطنين بنات وشباب بعضهن ببعض، والباعه الجائلين يقومو بدفع المواطنين والعبور علي اجسادهم من عربة لعربة. مع هذا الزحام قام بعض الشباب بالتسلق الي ادراج الحقائب اعلي العربات والجلوس عليها للتخلص من هذا الزحام بالرغم من العناء الشديد الذي يلاقوه، فهذه الادراج غير مهيئة للجلوس الا انه ارحم بكثير من الزحام. لم يسير القطار كثيرا حتي توقف بعد خروجة من محطة الجيزة في تمام الساعه 10:28 لا احد يعلم ما سبب الوقوف الجميع اعتقد انه القطار سيستانف السير من جديد وانه هذا الوقوف لم يستمر طويلا، مع مرور الوقت عم الاستياء لدي المواطنين وتزايدت التسؤلات حول سبب الوقوف المفاجئ لا احد يجيب، ولا مسئول موجود. وكعادة المصريين عندما تواجههم الظروف الصعبة بدء المواطنين بالتعبير عن استيائهم من وقوف القطار بصرخات السخرية والنكت الفكاهيه "الراجل تعب ليه نص ساعه"، "مشى كتير.. كتر خيره" ، " النهارده الجمعه تلاقية بيصلي العصر" ، " لا ياعم دا شكل الكوتش نام" وغيرها من الجمل الساخرة، قبل ان يقوم العديد من الركاب من النزول من القطار والجلوس علي القطبان المجاورة والتقاط الصور السلفي مع القطار، كما قام البعض بالقاء الحصي في مجري مياه مجاور لشريط السكة الحديد في شكل استعراضي. االساعه 1:50 ومازال القطار متوقفا، حاله المواطنين داخل العربات سيئة فالروائح الكريهة المنبعثه من الحمامات لا احد يستطع ان يتحملها، صراخ الاطفال يتعالي وضجيج الامهات يزداد من الحين الي الاخر لم تكن هذه هي المعاناة الوحيده للركاب، فالباعة الجائلين يمثلو عبء كبير علي الركاب وبالرغم من سخط الركاب عليهم الا انه لا احد يستطيع ان يتحدث معهم او يمنعهم عما يفعلونه من مشاكل لهم، فهم مافيا علي حد تعبير احد الركاب الذي قال انهم مافيا واي شخص تسول له نفسه وبعترضهم فهو يعرض حياة للخطر، وبالفعل لم تمر دقائق وارتفعت اصوات شجار في مقدمة العربه بين احد الباعه واحد المجندين وفي غضون لحظات تجمع العشرات من الباعه الجائلين تضامنا مع زمبلهم مما ادي الي فرار المجند والهروب، وقام بعض كبار السن بالتدخل لمنع الباعه من ملاحقة المجند، وهنا بدء الباعه في توجه السباب للركاب بابشع الالفاظ ولا احد يستطيع ان يرد ذالك عليهم، وتهديهم بالقتل ما اذا اعترضو طريقهم، وهنا اردنا التحدث مع هذا الباع لنعلم سبب الشجار الذي نشب بينه وبين المجند فقمنا بشراء اكياس الشيبسي وزجاجات المياه منه واثناء الشراء سئلنها عن سبب الشجار فقال ان المجند نظر اليه وقال "هي نقصاقكم انتو كمان"، وتلفظ بلفظ خارج واكمل نعمل ايه احنا بناكل عيش نروح فين يعني اللي مش عاجبة ينزل من "القطر" او يركب المكيفن دا نظمنا واللي مش عجبة يشرب من الترعه كانت هذه هي اخر جمله للباعه قبل ان يرحل ليكمل عمله بين عربات القطار، الذي لا يمكن ان تخلو عربه من وجود بائع او اكثر فمنهم من يبع الشاي ومنهم من يبع كتب الاطفال وسندوتشت الطعمية والاكسسوارات وكروت الشحن ولب المناديل وغيرها. لم تمثل الباعه الجائلين العبء الوحيد علي الركاب فوسط هذا الزحام الشديد اصبح التسول مهنه جيده للكثير من الفتيات وكبار السن والاطفال الذين يستقلو مثل هذا القطار للتسول, فهو ملاز امن لهم ووسيله سهله لجني الاموال, فهم لا يتركون الراكب قبل ان ياخذوا منهم النقود حتى لو وصل بهم ان ياخذوا منه عنوه وبعد مرور ساعه علي توقف القطار قمنا بالاتصال بمسئول الاعلام بالسكة الحديد عاطف صبحي لمعرفة السبب فاجاب قائلا لا توجد اي مشاكل والقطار تحرك منذ فتره، فاخبرته اننا متواجدين علي متن القطار وانه لم يتحرك حتي الان، فاجاب سنعاود الاتصال بكم بعد 5 دقائق، بعاود الاتصل مجددا ويقول ان هناك احد القطارات علي شريط السكه الحديد به عطل فني وفي غضون 10 دقائق سبتحرك القطار وتستأنف الرحله من جديد، الوقت يمر والقطار مازال متوقفا والغضب بات واضحا علي علي وجوه الركاب. وفي اختراق لاجواء الصمت تعالت اصوات الركاب فجائه انه " الكمسري" فالعديد من الركاب امتنع عن دفع ثمن التذكره لعدم رضاه عن التوقف الطويل للقطار، وبسؤال الكمسري عن سبب التوقف اجاب هناك عطل في شريط السكة الحديد وهذا القطار "مخزن علشان المكيف اللي وراه يعدي" وهو ما اثار الزعر بين الركاب. وفي تمام الساعه 12:35 عاودنا الاتصال مجددا بعاطف صبحي لنخبره انه مر من الزمن ساعه ونصف ولم يتحرك القطار وليس 10 دقائق كما اخبرنا، فقال سنعمل علي اصلاح العطل في اقرب وقت واخيرا مع تمام الساعه 12:45 شرع القطار في السير ليلتقط الركاب انفاسهم وتتعالي صيحات الفرح فبعد مرور اكثر من ساعتين تحرك االقطار وبدء السير من محطة لاخري بخطى متأرجحه وسط مخاوف من الركاب بالوقوف مجددا، فلا احد يستطيع ان يتحمل عناء اكثر من ذالك، في الساعه 5:10 انهي القطار رحلة في اسيوط ليتنفس الصعداء كما يقال بعد ان كان من المفترض ان يصل في الساعه 2:40