لجنة مراقبة الأسواق تقود حملات تفتيشية مكبرة بطنطا    وظائف خالية ب الهيئة العامة للسلع التموينية (المستندات والشروط)    حزب الوفد ينظم محاضرة "تحديات الأمن القومي في عالم متغير"    ضبط 56 مركبا مخالفا ببحيرة البرلس    مدير سلاح الإشارة: تدعيم مركز مصر كممر رئيسي لحركة نقل البيانات في العالم    مرشحة رئاسة أمريكية اعتقلت في احتجاجات الجامعات المؤيدة لغزة.. من هي؟    أستاذ قانون دولي: الاحتلال الإسرائيلي ارتكب كل الجرائم المنصوص عليها بالجنائية الدولية    وجيه أحمد يكشف القرار الصحيح لأزمة مباراة المقاولون وسموحة    تحقق 3 توقعات لخبيرة الأبراج عبير فؤاد في مباراة الزمالك ودريمز الغاني    السيطرة على حريق «زيد» في الفيوم    بالأسماء.. إصابة 12 في حادث انقلاب سيارة ميكروباص في البحيرة    ملك أحمد زاهر ترد على منتقدي أداء شقيقتها ليلى في «أعلى نسبة مشاهدة»    عمرو أديب يوجه رسالة للرئيس السيسي: المدرس داخل المدرسة مبيعرفش في الكمبيوتر    محمد أبو هاشم: هذا أقوى سلاح لتغيير القدر المكتوب (فيديو)    «الرقابة الصحية»: القطاع الخاص يقدم 60% من الخدمات الصحية حاليا    معبر رفح يشهد عبور 4150 شاحنة مساعدات ووقود لغزة منذ بداية أبريل    ملك أحمد زاهر عن والدها: أتعامل معه خلال التصوير كفنان فقط    بلينكن يشيد باتفاق أذربيجان وأرمينيا على ترسيم الحدود    محافظ الدقهلية: دعمي الكامل والمستمر لنادي المنصورة وفريقه حتي يعود إلي المنافسة في الدوري    بايرن ميونخ يغري برشلونة بجوهرته لإنجاز صفقة تبادلية    فرقة بني سويف تقدم ماكبث على مسرح قصر ثقافة ببا    برلماني: الحوار الوطني خلق حالة من التلاحم والتوافق بين أطياف المجتمع    الرئيس عباس يطالب أمريكا بمنع إسرائيل من "اجتياح رفح" لتجنب كارثة إنسانية    أون لاين.. خطوات إصدار بدل تالف أو فاقد لبطاقة تموين 2024    وزير السياحة السعودي: هجمات الحوثيين لا تشكل تهديدا لمنتجعات المملكة على البحر الأحمر    تحذيرات عاجلة لهذه الفئات من طقس الساعات المقبلة.. تجنبوا الخروج من المنزل    دعاء راحة البال والطمأنينة قصير.. الحياة مع الذكر والقرآن نعمة كبيرة    امتحانات الفصل الدراسي الثاني.. نصائح لطلاب الجامعات ل تنظيم وقت المذاكرة    منها تناول السمك وشرب الشاي.. خطوات هامة للحفاظ على صحة القلب    «حرس الحدود»: ضبط كمية كبيرة من الأسلحة والذخائر قبل تهريبها    جدول امتحانات الصف الأول الإعدادي بمحافظة الأقصر    بروتوكول بين إدارة البحوث بالقوات المسلحة و«التعليم العالي»    إعلام عبري: 30 جنديًا بقوات الاحتياط يتمردون على أوامر الاستعداد لعملية رفح    فيلم «شقو» ل عمرو يوسف يتجاوز ال57 مليون جنيه في 19 يوما    ننشر أقوال محمد الشيبي أمام لجنة الانضباط في شكوى الأهلي    وكيل «صحة الشرقية» يتفقد مستوى الخدمات المقدمة للمرضى بمستشفى أبوكبير    رمضان عبد المعز: فوّض ربك في كل أمورك فأقداره وتدابيره خير    وزير بريطاني يقدر 450 ألف ضحية روسية في صراع أوكرانيا    طريقتك مضايقاني.. رد صادم من ميار الببلاوي على تصريحات بسمة وهبة    الرئيس العراقي خلال استقباله وزير الري: تحديات المياه تتشابه في مصر والعراق    حجازي: مشاركة أصحاب الأعمال والصناعة والبنوك أحد أسباب نجاح التعليم الفني    مستشفيات جامعة بني سويف تستقبل مرضى ومصابي الحرب من الأشقاء الفلسطنيين    رفض والدها زواجه من ابنته فقتله.. الإعدام شنقًا لميكانيكي في أسيوط    رئيس هيئة الدواء يبحث سبل التعاون لتوفير برامج تدريبية في بريطانيا    بصلي بالفاتحة وقل هو الله أحد فهل تقبل صلاتي؟..الإفتاء ترد    الليلة .. سامى مغاورى مع لميس الحديدى للحديث عن آخر أعماله الفنية فى رمضان    سفير روسيا بمصر للقاهرة الإخبارية : علاقات موسكو والقاهرة باتت أكثر تميزا فى عهد الرئيس السيسى    «رجال الأعمال المصريين» تدشن شراكة جديدة مع الشركات الهندية في تكنولوجيا المعلومات    موعد مباريات اليوم الثالث بطولة إفريقيا للكرة الطائرة للسيدات    «صحة المنيا» تنظم قافلة طبية في قرية جبل الطير بسمالوط غدا    تأجيل محاكمة 11 متهمًا بنشر أخبار كاذبة في قضية «طالبة العريش» ل 4 مايو    اعرف مواعيد قطارات الإسكندرية اليوم الأحد 28 أبريل 2024    قضايا عملة ب 16 مليون جنيه في يوم.. ماذا ينتظر تُجار السوق السوداء؟    خلال افتتاح مؤتمر كلية الشريعة والقانون بالقاهرة.. نائب رئيس جامعة الأزهر: الإسلام حرم قتل الأطفال والنساء والشيوخ    تقييم صلاح أمام وست هام من الصحف الإنجليزية    البوصلة    إعلان اسم الرواية الفائزة بجائزة البوكر العربية 2024 اليوم    حسام غالي: «شرف لي أن أكون رئيسًا الأهلي يوما ما وأتمناها»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ملف خاص.. رحلة في قطار الموت إلى أسيوط

حلت ذكرى الأربعين على حادثة قطار أسيوط المروعة التى أسفرت عن وفاة 19 مجندًا، وإصابة 117 آخرين فى كارثة قطار البدرشين، منذ ما يقرب من شهر ونصف الشهر، والناتج عن الإهمال والتهاون فى أرواح المصريين.

جنائيا، جدد قاضى المعارضات فى محكمة جنوب الجيزة، حبس سائق القطار 15 يومًا على ذمة التحقيقات للمرة الثالثة، بينما لم تتم إحالة أى من المسؤولين الكبار إلى التحقيق، على الرغم من تحملهم المسؤولية السياسية لحوادث القطارات المتكررة.

للأسف حال سكك حديد مصر تدعو إلى الرثاء، فالقطارات متهالكة والقضبان منتهية الصلاحية والمزلقانات هى عبارة عن بوابات للموت. «الدستور الأصلي » قامت برحلة داخل قطار القاهرة-أسيوط، وهو نفس الخط الذى وقعت فيه الحادثة، فكانت الرحلة شاقة ومؤلمة، وكان الطريق بحق طريقا للموت.
1- محطة مصر:
منذ الساعات الأولى من الصباح، والمحطة لا تخلو من الركاب، يتدافع الجميع كأنه سباق على رحلة يدركون جيدا أن نجاحها «بيد الله»، على حد تعبيرهم، نظرا إلى انتهاء العمر الافتراضى لقطار الدرجتين الثانية والثالثة أو القطار الذى يطلق عليه مجازا «القطار المميز».

رغم هذا المسمى فإن الجميع لا يرى فيه أى تميز أو حتى إنه يلائم نقل ركاب من بنى البشر، وقبل قدوم القطار بساعة يبدأ الإنذار بقدومه، فيجرى الركاب فى استعداد لمعركة دامية للحصول على كرسى بداخل القطار.

الرحلة بدأت من رصيف رقم «10» فى تمام الساعة التاسعة صباح يوم السبت، انتظرنا القطار حتى العاشرة والربع، خلال هذا الوقت ملّ الركاب من الوقوف والجلوس، وبدأ المواطن المصرى يقوم بأدائه الأشهر كلما تعب أو مل، وهو إطلاق النكات الفكاهية أو السخرية من كل شىء، بما يجعله يقهقه رغم التعب والملل.

الحاج محمد رمضان مريض القلب الذى يحضر كل أسبوعين إلى القاهرة لإجراء الفحوص اللازمة بمعهد القلب، والبالغ من العمر ستين عاما، قال ل«الدستور الأصلي » وهو مبتسم إنه معتاد على هذا القطار وإن هناك علاقة ود تجمع بينهما، فلا سبيل له للوصول إلى القاهرة سواه، وبالتالى لا بد أن يبادله مشاعر الحب حتى يقوى على تحمله، وعن تأخر القطار يؤكد رمضان أن هذا يحدث بشكل دائم، وأنه يعرف حجم المآسى التى تحدث فور قدوم القطار خلال تكالب الركاب، موضحا أن التأخر ناتج عن انتظار السائق حتى يكتمل العدد.

ويشير الحاج محمد إلى أن سعر تذكرة القطار مناسبة لظروفه المادية، فهو لا يذهب فى رحلة أو حتى مرات معدودة ولكن هذه الرحلة بالنسبة إليه شبه دائمة يوميًّا، «والقطار المكيف تذكرته تعادل أربعة أضعاف القطار العادى»، ويضيف «على قد لحافك مد رجليك.. ويادوب أنا فلوسى تركبنى القطر العادى.. والموت ده بتاع ربنا، وقدر ممكن يبقى فى قطر وممكن يبقى فى طيارة، هى عيشة ولا أكتر».

2- وصول القطار:
وصل بحمد الله القطار إلى الرصيف رقم «10» دون أى إشارة قبل قدومه، فكانت العاصفة، تقاتل الركاب للوصول إليه، وقام أحد الشباب بالقفز إلى داخل القطار قبل وقوفه، فى مشهد بالغ الخطورة، حيث ظل الشاب معلقا بين القطار والرصيف، وتم سحله عدة أمتار على رصيف المحطة، ولولا أن امتدت إليه أيادى من سبقوه بالقفز داخل القطار لأصبح جسده بين عجلات القطار.

أصوات الناس لا تسمع منها شيئا سوى جمل متناثرة، مثل «حجزنا لكم، اركبوا بسرعة». وبعد معاناه كبرى وصراع مع مئات الركاب وصل كل إلى مقعده إلا أن القطار عقب وصوله إلى الرصيف لم ينتظر أكثر من خمس دقائق، لدرجة أن بعض الأفراد لم يلحقوا به إلا من خلال القفز. وبالفعل قضى الأمر وتحرك القطار معلنا انطلاقه بصفارة الرحيل على أمل العودة مرة أخرى.

3- الرحلة وصدمة القطار:
فى اللحظات الأولى لصعودنا إلى القطار، كانت الصدمة. لا وجود للشبابيك، الكراسى متهالكة، الجلوس عليها أكثر ألما من الوقوف على قدميك، غير بعض الركاب الذين يعتلون حاملة الشنط الحديدية، المعرضة للسقوط فى أى لحظة، لأنها معلقة من جانب واحد فقط. عشرات الركاب الواقفون على أقدامهم فى صف ثالث بين الكراسى.

بعد لحظات تفوح رائحة الحمام القذرة لتملأ القطار بأكمله، والبعض يبعد عن هذا الجو فيحاول الوقوف فى مؤخرة العربة لاستنشاق الهواء، فيفاجأ ببعض الأشخاص يركبون على حافة القطار من الخلف هربا من قطع التذاكر، كأن عربة القطار ملغمة بالمواطنين ولا يوجد منفذ للهروب، هذا فضلا عن الباعة الجائلين وبائعى الشاى وغيره من المشروبات داخل القطار، وتحرك هؤلاء الباعة وسط الزحام الشديد وأصبح المسيطر على راكبى القطار للمرة الأولى هو كيف يفرون من القطار ويستبدلون به غيره من وسائل المواصلات، إلا أن هناك عائقا أكبر وهو الغربة وعدم معرفة الطرق وأماكن الركوب، مما يزيد معاناة الركاب الجدد.

ست ساعات ونصف هى رحلة العذاب من القاهرة إلى أسيوط، التى يتحملها الغلابة فى هذا القطار بسبب الفروق الكبيرة فى أسعار التذاكر، فثمن تذكرة قطار الدرجة الأولى 61 جنيها، والمكيف 34 جنيها، والعادى 16.5، فضلا عن غرامات عدم الحجز التى تتفاوت من درجة لأخرى، وهذا يعنى أن الراكب الذى يقف على قدمه يعتبر مخالفا ويدفع الغرامة.

بعد أن غادر القطار محطة مصر، بدأت الرحلة داخل هذا المجتمع، فالسائق هو قائد هذا المجتمع الصغير المتحرك، وهو المتحكم فى سرعة القطار ووقوفه.

داخل العربات سوق يتكون من فريق كامل من الباعة الجائلين الذين يبيعون كل ما يحتاج إليه الراكب. مجتمع مكتمل يسير فوق القضبان، بعضهم يروى مغامراته فى القاهرة والبعض يتناقش حول السياسة، وآخرون ينشغلون فى التفكير الذى جعلهم يبعدون كثيرا عن واقع القطار المؤلم وتحركه الدائم، ولكن العربة الأخيرة من القطار بالفعل أكثر اختلافا، فلا يصل إليها صفير القطار الدائم ولا يشعر من بها بمعوقات السير بل ينقطع الاتصال بينها وبين قائد القطار تماما، فهى تشبه كثيرا صعيد مصر بالنسبة إلى مدنه، عربة منعزلة بها مجتمع صغير لا يعرفون شيئا عما يجرى بالقطار إلا بعد فترة إما عن طريق محصل التذاكر وإما أحد الباعة الجائلين.

كمسارى القطار -الذى رفض ذكر اسمه- أكد أن كل شىء فى السكة الحديد سيئ وأخذته نشوة الاعتراض وقال «هو فيه إيه فى البلد حالته كويسة.. البلد خربانة.. والسكة الحديد منيلة.

والموت بقى عادى، أنا هخلى ابنى يهاجر ويسيب البلد دى عشان يرتاح». وأبدى الكمسارى اعتراضه على كل شىء بل أخذ يتجول فى العربة مبديًا اشمئزازه من الحمام الذى تنقصه معدات الحمام الآدمى، وأخذ ينظر إلى الأبواب المكسورة ومعدات الأمان التى عفى عليها الزمن والشبابيك المفتوحة دائما لعدم وجود زجاج قائلا «جميع القطارات عيّنة واحدة، فهى نعوش موت تنقل المواطنين إلى الأماكن المقدر لهم الموت بها، لا إلى بلدانهم كما يظنون»، مؤكدا أنهم اعترضوا آلاف المرات ولم يجدوا من يستمع إليهم وأن هيئة السكة الحديد والحكومة تضع السائق كبش فداء لجميع الحوادث ولا تعترف بحالة سكك حديد مصر المؤسفة.

4- حكاية مجندين:
كان بالقطار عدد من المجندين الذين لا شك راودهم الخوف من مصير زملائهم، إلا أن حاجتهم إلى ركوب القطار أكبر من خوفهم، وما يملكون من أموال أقل بكثير من تذكرة القطار المكيف أو الآدمى.

إسماعيل عبد الرحيم البالغ من العمر 21 عاما الذى يسكن بالجزيرة بمحافظة أسيوط، أكد أنه ليس فى إجازة بل مأمورية لثلاثة أيام وسيقضى بالطبع يومين فى الطريق، إلا أنه سيكون سعيدا بلقاء أهله وذويه، فقد أتى من التجنيد للمرة الأولى بعد حادثة قطار البدرشين، ولكنه لا يخاف الموت وراتب الجيش الذى يحصل عليه شهريا 230 جنيها وهذا المبلغ البسيط لا يستطيع أن يستهلك منه جزءا كبيرا فى شراء تذاكر القطار وعدم إنفاق المبلغ الضئيل على رفاهية ركوب القطار المكيف.

أما المجند الآخر، فهو بهاء الدين مجدى مجند بالسرية الرياضية بالجيش فى المنيا، فقال إنه لحسن حظه دخل السرية ومدة خدمته عام ونصف العام، ويقضيها تدريبا فى رفع الأثقال ويحضر لتجنيده كل سبت وسيستمر هكذا طوال المدة، مؤكدا أنه رأى عديدا من حوادث القطارات وقد انتابه بعض الخوف عقب حادثة أسيوط إلا أنه لا يملك أموالا كافية لركوب القطار المكيف كل أسبوع، مؤكدا أن أوضاع البلد سيئة ولا يوجد شىء منضبط بها قائلا «لو هندور على حاجة سليمة فى البلد مش هنمشى وهنقعد فى بيوتنا»، مشيرا إلى أن ركاب قطارى الدرجتين الأولى والثانية يموتون على نفس القضبان، الأزمة فى المزلقانات والسكة الحديد نفسها والقطار أحد أهم أسباب الحوادث، معربا عن أسفه من حال القطارات التى لا يوجد بها نور والظلام يخيم عليها وهذا يبدو جليّا فى رحلته المسائية، حيث يجد التحرش بالفتيات بشكل علنى خصوصا أنه أحد الذين يضطرون إلى ركوب القطار واقفا فى رحلة العودة والجميع يسير بكشافاته.
5- الباعة الجائلون وشد فرامل الهواء:
القطار يمتلئ بعشرات الباعة الجائلين الذين يبيعون كل شىء «من الإبرة للصاروخ» كما يقولون، الطعام والمشروبات الغازية والسجائر وغيرها مما يحتاج إليه الراكب، ولكن اللافت فى الأمر أنهم أيضا يحملون طعاما للفقراء والأغنياء فقد ينادى أحدهم «يا ابن الناس الكويسة بيبسى وبسكوت تسالى الطريق»، فى حين ينادى آخر «عيش للناس الجعانة عيش للناس الشقيانة»، فالوجبة الأولى عبارة عن بسكويت وبيبسى وباتيه، وثمنها عشرون جنيها، والوجبة الثانية رغيف عيش يحمل قرصى طعمية وفلفل وجرجير وقطعتى طماطم، وثمنها جنيه واحد.


سيد محمد، هو الاسم الذى اختاره بائع جائل لنفسه، عندما أردنا التحدث إليه، ويبلغ من العمر 14 عاما، قال إنه يعمل وليس بلطجيا، فرزقه فى البيع داخل القطار ولكنه كرر مرارا وعلامات الخوف بدت على وجهه «إحنا مابنوقفش قطارات مش إحنا اللى بنعمل الحوادث»، مؤكدا أنه لا يعى منذ متى وهو يعمل بالقطار ولكن وعيه اكتمل داخل القطار.


وقف القطار فجأة وبدأت الفوضى فى أحد مراكز محافظة المنيا، والسبب فسر تخوف البائع والعبارات التى رددها ولم يفسر معانيها، فقد قام أحد الباعة بشد فرامل الهواء واستمر القطار واقفا قرابة ربع الساعة إلى أن حضر محصل التذاكر إلى العربة الأخيرة وأعاد الفرامل، وانطلقت منه عبارات السخط والسب لجميع الباعة والمتسببين فى وقف القطار.


على محمد، مدرس إنجليزى، قال إنهم اعتادوا على شد الفرامل والمشكلة ليست فى من يقوم بشدها المشكلة فى من تركوها دون وعاء جيد ومحكم، فالفرامل معلقة فى الهواء وكل من يريد أن يترك القطار فى محطة ليس مقررا للقطار الوقوف بها لا يجد صعوبة فى شد فرامل الهواء وتفريغها، ولحين إعادتها مرة أخرى يتمكن هو من النزول تاركا القطار، مشيرا إلى أن أغلب من يقومون بهذا هم الباعة الجائلون وأكد محصل التذاكر أن القطار فى حال تحركه والفرامل مقطوعة أو متوقفة عرضة للحوادث، قائلا «القطر ممكن يتقلب انتو مابتفهموش هتضيعوا حياتكم».

كانت تلك صيحته فى الركاب ولكنه لا يدرك أن من قام بشد الفرامل غادر مجتمع القطار إلى مجتمع أكبر وليس أحد الحضور الذين وبخهم، وأبطأ السائق سرعة القطار فى قرية منفلوط، ولكنه لم يتوقف فقد كانت هناك حادثة، حيث لقى أحد عمال السكة الحديد مصرعه على قضبان القطار المتجه للقاهرة، والغريب أن القطار تحرك دون الالتفات لضحيته إلا أن ركاب القطار قفزوا مسرعين للتعرف على الحادثة، وعلى الرصيف يصرخ عامل آخر ويلطم خدوده على رفيقه الذى دهسه القطار ملقيا بجسده على الرصيف صارخا «حرام، ليه كده» كأنه يتساءل لماذا مات رفيقه ولمَ لم يلتفت السائق ولمَ كل فترة يقع أحدهم ضحية؟


والمفاجأة كانت فى ركاب القطار الذى لم يقف، فلم يتعجب أحد كأنهم اعتادوا الأمر. وقالت هدى عبد الرحمن «عادى كل يوم يموت واحد أو اثنين بنفس الطريقة خلاص اتعودنا على كده فالحوادث الفردية لا يسمع أحد بها ولا يلتفت أحد إليها كأنها ليست أرواحا»، فما أسهل الموت فى سكك حديد مصر وما أرخص الأرواح على القضبان! وما أسوأ من حال حكومة لا تكترث بأرواح مواطنيها! كان هذا لسان حال الجميع الذين عقبوا على الحادثة.

6- لشدة الفقر يقدمون حياتهم تمنا للتذكرة:
وسط هذا الظلام ووسط شدة البرد يجلس أطفال بخارج القطار فى الجزء الرابط بين العربة الأولى والجرار، وكذلك فى آخر عربة للقطار.. حاور«الدستور الأصلي » هؤلاء الأطفال لماذا تجلسون هنا؟ قال محمد عوض، 16 سنة، «عشان مش معايا حق تمن التذكرة وأنا رايح القاهرة»، ولكن أنت تعرض حياتك للخطر والموت الوشيك؟ قال «خليها على الله هى موتة ولا أكتر إحنا غلابه بندور على الشغل عشان إخواتى البنات يعيشوا»، وقال صديقه أحمد «إحنا بنركب هنا على طول عشان الكمسارى ميشوفناش وكمان أحسن من جوه القطر اللى أصلا مش نضيف ورائحة الحمامات به تخنق وتموت»، ولكن إنت هنا ممكن تسقط من القطار؟ قال أحمد وهو ينفض الخوف من على جسده «عمرنا فى إيد ربنا».
القطار ونهاية رحلة الذهاب:


وفى جولة أخيرة داخل القطار قبل الوصول إلى أسيوط وبعد مرور ست ساعات متواصلة بداخله لا نجد أى شىء بداخله آدميا، بدءا من الأبواب التى يدخل منها الراكب وصولا إلى الحمامات الموجودة بشكل رمزى ولا وجود لها فعليا، مرورا بالكراسى المزعجة والشبابيك المفتوحة، كلها بنية تحتية للقطار قد أتلفها الزمن وأضاع ملامحها وتحتاج إلى متاحف تعرض بها ولا تصلح لأى استخدام.


الملفت فى الأمر أن سائق القطار أكد أنهم تظاهروا آلاف المرات واحتجوا على افتقار القطار إلى البنية الأساسية إلا أنهم عوقبوا بالخصم من رواتبهم ولم يستطيعوا فعل أى شىء سوى الرضاء بالأمر الواقع، ولكن فى نهاية كل حادثة يضعون السائق كبش فداء للإهمال والفساد المليئة به السكك الحديدية، مؤكدا أنه قبل كل رحلة يودع أهله مدركا أنه لن يعود ولا يوجد من يسمع أو يغير الأمر، وبدأ السائق يؤذن بصفارته معلنا قدومه إلى رصيف أسيوط بعد 6 ساعات ونصف الساعة تحملها الجميع فى قصص وروايات عن أهلهم وذويهم والمواطنين الذين صعدوا القطار غرباء بات يودع بعضهم الآخر، كأنهم أهل، بل إن بعضهم اشترى تذاكر للآخر، حالة من الألفة العجيبة ملأت هذا المجتمع الصغير الذى حاول التغلب على مخاوف الطريق بتعرف كل منهم على الآخر والقرب منه، ربما يبحث عن مهرب للخوف وربما يجد القوة فى الجماعة والصحبة وربما لأن تلك هى طبيعة المجتمع المصرى الألوف المحب للغرباء.
7- محطة أسيوط:
من محطة أسيوط يصعد المجندون الذين ربما تتوحد أعمارهم وتختلف شهاداتهم وهو الأمر الذى يحدث بصفة مستمرة ولا ينقطع، فقد رصد محررو «الدستور الأصلي » بعد وصول قطارهم إلى محطة أسيوط حرص المجندون العساكر على ركوب القطار الحربى الذى ربما يشكون ولو للحظات أنهم قد لا يصلون إلى أماكن تجنيدهم، ولكنهم يتركون الأمر على الله لأن الأعمار بيد الله وحده.

تجولنا على رصيف المحطة رقم «2» التى وصل إليها القطار القادم من القاهرة فى الرابعة عصرا، الرصيف الرئيسى للمحطة فيه باب للخروج وباب للدخول وبوفيه ومكتب رئيس مباحث السكة الحديد ومكتب ناظر السكة الحديد، ولكنه فى الحقيقة ليس ناظرا واحدا ولكنه مقسم على ثلاثة موظفين لا يعملون سوى أنهم يملكون دفترا به مواعيد القطارات، ومن يسأل عن رقم قطار يخبره بأنه سوف يأتى فى موعده ولكن إن حدث تأخير فإنه لا يعلم السبب.

تجد على رصيف القطار مئات من البشر ينتظرون قطارهم ولكن إن نظرت إلى وجوههم وإلى هيئتهم تعرف ما القطار الذى سيركبونه إن كان فاخرا أم مميزا، فأصحاب القطارات الفاخرة يحملون معهم كثيرا من الأمتعة وربما القليل ولكنها يظهر عليها الغلو والفخامة وأصحاب القطارات المميزة حين تنظر إليهم ستشعر بأنهم لا يمتلكون ثمن تذكرة القطار. والخدمات المنعدمة تبدو واضحة للعيان فالحمامات بالمحطة شبيهة إلى حد كبير بحمامات القطار وتضطر إلى دفع الأموال مقابل دخول تلك الحمامات فى مختلف المحطات، وليس بأسيوط فقط، لأنهم خدمة خاصة بعيدة عن هيئة السكك الحديدية، هذا كان رد هبة على إحدى عاملات الحمامات مدافعة عن سبب تحصيلها أموالا مقابل استخدام الحمام، وعلى جدران الرصيف عدد من الكتابات منها «تسقط الحكومة، الشعب يريد تغيير حقيقى، السكك الحديدية طريقك للموت».

وفى أثناء الانتظار سأل «الدستور الأصلي » ربة منزل من محافظة القاهرة بصحبتها أربعة أطفال قدمت إلى محافظة أسيوط لمرض والدها وعن أسباب إصرارها على صعود القطار المميز الذى تأخر عن موعده ساعة، على الرغم من وجود قطار آخر سيأتى بعد دقائق فاخر، كانت إجابتها «أنا على قد حالى مش معايا اللى يخلينا نركب قطر كويس ونحن خمسة أفراد يعنى مش هأركب بأقل من 100 جنيه، أما المميز فربما لا أدفع شيئا أو على الأقل فإنه سيكون أقل من 50 جنيها»، أما بشأن عدم توفر الأمان والراحة فى القطار المميز أجابت «خليها على الله وربنا بيسترها» وبعد طول انتظار تجاوز الساعتين قدم إلى المحطة قطار «777» أو ما يعرف بقطار الصحافة.
8- قطار الصحافة.. اللى يركبه مابينزلش:
قدم إلى محطة أسيوط فى السابعة مساء قطار الصحافة، فكل من هو متأخر عن الذهاب إلى منزله أو تأدية مهمة فى مدينة أخرى تبعد قليلا أو كثيرًا عن محطة أسيوط يركبه مضطرا، فعلى الرغم من أنه قادم من محافظة أسوان فإنه يمتلئ عن آخره، حتى يكاد أن يلقى المواطنين من داخله لكثرة العدد.


صعدنا إلى القطار، الذى بالكاد يستطيع الراكب أن يجد مكانا للوقوف، أما إذا كان الراكب يرغب فى الجلوس، فعليه أن يسأل سعداء الحظ الذين أنعم الله عليهم بنعمة الجلوس «إنت نازل فين؟»، ربما تكون محطته قريبة، فيقول «هأنزل المنيا» أى أن راغب الجلوس ربما سيقف ساعتين.


وهنا أدرك «الدستور الأصلي » أنه لا سبيل لركوب القطار إلا عن طريق الوصول إلى منطقة التخزين الذى يقطن بها القطار قبل خروجه فى الرحلة، وهذا كان المتعارف عليه بين الركاب الذين يذهبون للمخزن للحصول على كرسى بدلا من الوقوف ست ساعات.


9- اركبه من الجراج عشان تضمن الكرسى:
موعده خمسة وربع، لكنه قدم إلى المحطة فى السابعة والنصف، والغريب فى هذا القطار أنه لا يتم ركوبه من رصيف المحطة بل من الجراج، حيث ينتظر القطار دوره فى السير وتصعد على أدراجه العالية لضمان بأنك ستجد كرسيا للجلوس عليه بجوار نافذة غير محطمة الزجاج خصوصا إن كان الوقت ليلا وفى شتاء قارس البرودة.

فبعد تجربة قطار الصحافة قرر محررو «الدستور الأصلي » انتظار القطار الذى سيخرج من محافظة أسيوط نفسها أكثر من ساعتين لأنه ينتظر دوره فى الجراج، فقررنا الذهاب إلى الجراج فى طريق غير آمن، متخطين قضيب القطار الذى هو فى حد ذاته طريق للموت.


حين اقتربنا من القطار كان موعده قد حان للسير فقد أطلق عامل الجراج صفارة الانطلاق فما كان الحال سوى الانتظار أن يسير القطار أمامهم فى مكان شديد الخطورة بجوار القطار مباشرة، أما المفاجأة التى قد وقعت هى اعتياد عمال المحطة على إيقاف القطار فقد تم إطلاق صفارة أخرى لنفس القطار حتى يقف ليصعد محررو «الدستور الأصلي ».
معتم، وفارغ، يدخله الهواء من جميع الجوانب هكذا هى حال القطار قبل وصوله إلى رصيف المحطة الذى يستعد ركابه له منذ ساعات فى أخذ أحسن وضعية لهم بداخل القطار، وبالطبع هم يأملون ذلك فربما تضيع أحلامهم البسيطة بمجرد صعودهم إلى القطار.

تحارب وتناضل من أجل أخذ حقك المسلوب منك داخل القطار حتى الوصول إلى كرسى بجوار نافذة غير محطمة، وحين الوصول إلى ما كنت ترجوه تجلس متنهدا حامدا للخالق «ياااااااااه الحمدلله».

تبدأ رحلة العذاب بخطوات متتابعة إلى أن يبدأ القطار فى الإسراع وعليك أن تدفع ضريبة هذه السرعة لأنك من الممكن أن تصاب بسكتة قلبية من شدة البرد لشدة الهواء الذى يقتحمه القطار بسرعته الهائلة، فلا عليك سوى أن تظل مكتوف الأيدى محاولا تدفئة نفسك إلى أن تصل إلى محطتك المرجوة إذا كنت لا تمتلك معطفا أو شالا فستموت من البرد القارس بالقطار الذى لا يحتوى على نوافذ.

تختلف العربات الأولى عن الأخيرة لقربها إلى عربة الجرار، فإن كنت من أصحاب النوم الخفيف فأنت لن تنام سوى لحظات لا يمر بها القطار إلى مزلقان فصفارة القطار لن ترحمك لشدة الصوت الممزوج بالصرامة والخوف، فهو لن يمر مرور الكرام إلا قبل أن يجعلك تشعر بالخوف للحظات من كثرة عدد إطلاق الصفارة لكثرة المزلقانات التى يمر عليها القطار ولكنه أمر لا بد منه فهو الحل الأخير الذى لجأ إليه عاملو القطار لتجنب الحوادث التى تقع على الطريق.
10- الظلام دامس.. و«الكشاف» هو الحل:
الصدمة هنا تختلف عن صدمة ركوب القطار فى أثناء رحلة الذهاب ففى الأولى ارتبطت الصدمة بمنظر القطار ومحتوياته أما الثانية فمرتبطة بالظلام الدامس الذى لا يكاد المرء به أن يرى كف يده، فالظلام يخيم على كل شىء والأصوات أكثر ارتفاعا وكل فرد ينادى على من برفقته باسمه بصوت مرتفع، بدأت رحلة العودة بصفارة الرحيل من رصيف أسيوط وإطلاق الطرف ونوادر فى تلك المرة بصوت أكثر ارتفاعا وضجيجا، إلا أن هذه الأصوات سرعان ما يخيم عليها الصمت فلا يتحدث أحد والجميع يعيش بلا حياة حالة قريبة من الموت المؤقت، ولا يرى الراكب سوى أضواء الكشافات التى يرتديها الباعة الجائلون حتى يروا طريقهم بداخل القطار نظرا لما يتميز به القطار من عدم وجود أضواء لإنارة عربات القطار.


تختلف الكشافات ما بين البسيط والكبير فبائع التسالى يحمله صغيرا أما بائع الشاى فيرتدى كشافا كبيرا، يحملها له "الصبى» الذى يحمل له المياه الساخنة أما بائع العيش فيحملها متوسطة الحجم اختلاف الأحجام ليس لها قاعدة أساسية أو نظرية متبعة، ولكن هذه الكشافات يشتريها الباعة فهى ليست هبة من هيئة السكة الحديد لهم لتسهيل السير فى طرقات القطار.


كمسارى القطار هو الآخر يحمل كشافا اشتراه لنفسه، وعندما سألناه عن كيفية السير فى هذا الظلام ولماذا لم يقدم شكوى للهيئة بعدم وجود إضاءة كافية قال «بنمشى فى القطر بالكشاف وببركة الله وربنا يسترها، ياما اشتكينا واتكلمنا وقولنا مش هنطلع القطر وقالوا ماتطلعوش بس الضرر وقع علينا وخصموا لنا جزء من المرتب اللى مش بيأكل عيش أصلا»، أكمل الكمسارى طريقه محاولا أن لا يتعثر فى الركاب الذين يفترشون أرض القطار لاستكمال مهمته التى اعتاد عليها يوميا لصرف تذاكر للركاب من بداية القطار وحتى نهايته فى مرات متعددة إلى أن ينتهى القطار إلى محطته الأخيرة.


11- فرامل اليد والوقوف بالبدرشين:
وقف القطار فى مكان شديد الظلمة، وكانت إجابة الكمسارى عن سبب وقوفه «أكيد حد عايز ينزل فشد فرامل اليد»، وهو ما جعل كمسارى القطار يسرع للتعرف على مكان الفرامل فى محاولة لمساعدة سائق القطار فى معرفه العربة التى تم فيها جذب الفرامل متمتما «الله يخرب بيتكم هاتقلبوا القطر».


15 دقيقة أخذها سائق القطار للعودة مرة أخرى إلى السير ولملء هواء الفرامل التى فرغها الركاب المجهول، وبعد دقائق معدودة وصل القطار إلى محطة البدرشين وسط الظلام، وفى مكان الحادثة الأليمة التى وقعت للمجندين سار بخطى هادئة كأنه يقدم التعازى إلى كل من استشهد فى هذا المكان، وهنا تحول الصمت إلى دقات سريعة لمنبه الخوف، فلماذا تعطل القطار فى هذا المكان تحديدا، ولماذا يهدئ السائق سرعته.


وقف الركاب بداخل القطار منهم من قرأ الفاتحة على أرواح الجنود ومنهم من يلقى بنظرات التوجس والخوف على القطار المنكوب المجاور لهم فى مشهد استرجاع للذكريات قائلين بأصوات عالية «ده القطار اللى عمل الحادثة يا رب استرها معانا»، و«ياه الجنود ماتوا هنا، يا ترى القطر بطىء ليه هو فيه حاجة فى المكان ده»، و«نفس المكان وربما نفس المصير».


بدأ حديث الركاب كل مع جاره فى المقعد عن حوادث القطارات والإهمال، وبعد وصول القطار إلى نهاية محطة البدرشين تحرك مسرعا كأنه يفر من الموت، وعاد كل راكب إلى ما كان يفعله فمنهم من استعان بشاله للتلثم مرة أخرى والعودة إلى النوم، ومنهم من كان يحلم فى طريق القطار متمنيا العودة سالما إلى أهله، وعاد الصمت ليتصدر المشهد مرة أخرى.


وفى تمام الساعة الثانية صباحا وصل القطار إلى محطته الأخيرة وبدأ كل راكب يستعد لترك القطار وحالة من الفرح الغريب تسود الجميع كأن الركاب كانوا يفقدون الأمل فى الوصول بعد مضى ساعات طويلة على فقراء يحتاجون إلى الرحمة فى قطار الموت وسط همومهم التى يسافرون من أجلها وهواء شديد البرودة يمر من نوافذ محطمة الزجاج بالكامل وأعداد هائلة من الركاب يفترشون جميع طرقات وأماكن حمل الأمتعة بالقطار لشدة الزحام، ويبدأ الجميع فى التقاط أنفاسه فرحا بنجاتهم من الموت والأحوال تبدلت تماما فقد هرب الصمت وساد محطة مصر ضجيج وتهليل والبعض بدأ فى الاتصال بأهله لطمأنتهم وآخرون راحوا يبحثون عن حمام نظرا إلى خلو القطار من الحمامات، والبعض الآخر فر مسرعا خوفا من حدوث أى كارثة أخرى بالمحطة كأنهم لا يصدقون أنهم وصلوا فعلا إلى محطتهم الأخيرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.