برواتب تصل ل10 آلاف جنيه.. «العمل» تعلن عن 90 وظيفة متاحة للمؤهلات العليا والمتوسطة    مركز جمال عبد الناصر الثقافي يناقش "أدب الطفل في مرحلة الذكاء الاصطناعي" غدًا    أسعار الذهب في مصر اليوم الجمعة 23 مايو 2025    الكيلو ب 210 جنيهات.. جنوب سيناء تستعد لعيد الأضحى بكميات كبيرة من اللحوم السودانية والهندية    المشاط: الاستقرار الاقتصادى ضرورة لدفع النمو لكنه لا يكفى بدون إصلاحات هيكلية    لافروف: أوكرانيا تتوقع أن يكون الدعم الأمريكي أبديًّا لكن ترامب أوضح موقفه    قصف إسرائيلي بستهدف أهالي حاولوا الوصول إلى شاحنات مساعدات بقطاع غزة    استئناف محدود للمساعدات إلى غزة.. دخول 107 شاحنة منذ أمس    ماذا يرتدي صن داونز وبيراميدز؟ تفاصيل الاجتماع الفني لمباراة نهائي دوري الأبطال (صور)    حبس متهم بتزوير محررات رسمية في الشرقية    ساخرون، غراب البين يكتب: حال البنى آدمين مع قانون الإيجار القديم    دينا فؤاد تدخل في نوبة بكاء على الهواء لهذا السبب (فيديو)    «السبكى»: تجربة مصر الصحية جاهزة للتصدير.. وطب الأسرة مفتاح التغطية الشاملة    محافظ الإسماعيلية يشيد بجهود جامعة قناة السويس في دعم القطاع الطبي (صور)    "بئر غرس" بالمدينة المنورة.. ماء أحبه الرسول الكريم وأوصى أن يُغسَّل منه    ما حكم بيع واستعمال سجاد الصلاة المكتوب عليه لفظ الجلالة؟.. الإفتاء توضح    البريد يحذر المواطنين من حملات احتيال إلكترونية جديدة| تفاصيل    رئيس "التنظيم والإدارة" يبحث مع "القومي للطفولة" تعزيز التعاون    محافظ الجيزة: الانتهاء من إعداد مخططات 11 مدينة و160 قرية    الدوري الإيطالي.. كونتي يقترب من تحقيق إنجاز تاريخي مع نابولي    انطلاق مهرجان دبا الحصن للمسرح الثنائى اليوم ومصر تشارك ببروفايل    الحوثيون يعلنون استهداف مطار بن جوريون بصاروخ باليستي    شاب ينهي حياته بأقراص سامة بسبب خلافات أسرية    الأرصاد تحذر من حالة الطقس: موجة حارة تضرب البلاد.. وذروتها في هذا الموعد (فيديو)    غلق كلي لطريق الواحات بسبب أعمال كوبري زويل.. وتحويلات مرورية لمدة يومين    صلاح يتوج بجائزة أفضل لاعب في البريميرليج من «بي بي سي»    محافظ أسيوط يشهد تسليم 840 آلة جراحية معاد تأهيلها    رئيس الأركان الإسرائيلي يستدعي رئيس «الشاباك» الجديد    أسعار الفاكهة اليوم الجمعة 23 مايو في سوق العبور للجملة    الهلال يفاوض أوسيمين    بسمة وهبة ل مها الصغير: أفتكري أيامك الحلوة مع السقا عشان ولادك    رمضان يدفع الملايين.. تسوية قضائية بين الفنان وMBC    الخارجية: الاتحاد الأفريقى يعتمد ترشيح خالد العنانى لمنصب مدير عام يونسكو    المشروع x ل كريم عبد العزيز يتجاوز ال8 ملايين جنيه فى يومى عرض    محافظ سوهاج يفتتح ميدان سيتي بعد تطويره ويتفقد مشروعات التجميل بالمدينة    توريد 180 ألف طن قمح لصوامع وشون قنا    يدخل دخول رحمة.. عضو ب«الأزهر للفتوى»: يُستحب للإنسان البدء بالبسملة في كل أمر    عمر مرموش يهدد رقم فودين فى قائمة هدافى مانشستر سيتى    الأمين العام للأمم المُتحدة يعلن تعيين ياسمين فؤاد أمينة تنفيذية لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر    الداخلية تكشف 6 شركات سياحية غير مرخصة تنصب على المواطنين    ضبط 379 قضية مخدرات وتنفيذ 88 ألف حكم قضائى فى 24 ساعة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 23-5-2025 في محافظة قنا    زلزال بقوة 6.3 درجة يهز جزيرة سومطرة الإندونيسية    مجدي البدوي: علاوة دورية وربط بالأجر التأميني| خاص    قائمة أسعار تذاكر القطارات في عيد الأضحى 2025.. من القاهرة إلى الصعيد    انتقادات لاذعة لنتنياهو واحتجاجات بعد إعلانه تعيين رئيس جديد للشاباك    يرغب في الرحيل.. الزمالك يبحث تدعيم دفاعه بسبب نجم الفريق (خاص)    نموذج امتحان مادة الmath للصف الثالث الإعدادي الترم الثاني بالقاهرة    موعد نهائي كأس أفريقيا لليد بين الأهلي والزمالك    مدفوعة الأجر.. موعد إجازة المولد النبوي الشريف 2025 للموظفين والبنوك والمدارس    «تعليم القاهرة» يختتم مراجعات البث المباشر لطلاب الشهادة الإعدادية    نجم الزمالك السابق: ما يحدث لا يليق بالكرة المصرية    أدعية مستحبة في صيام العشر الأوائل من ذي الحجة    خدمات عالمية.. أغلى مدارس انترناشيونال في مصر 2025    4 أبراج «بيسيبوا بصمة».. مُلهمون لا يمكن نسيانهم وإذا ظهروا في حياتك تصبح أفضل    جانتس: نتنياهو تجاوز خطًا أحمر بتجاهله توجيهات المستشارة القضائية في تعيين رئيس الشاباك    بمشاركة منتخب مصر.. اللجنة المنظمة: جوائز كأس العرب ستتجاوز 36.5 مليون دولار    «بربع كيلو فقط».. حضري «سينابون اللحمة» بطريقة الفنادق (المكونات والخطوات)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"أليس كذلك".. حواديت إدريسية تغوص في القاع
نشر في محيط يوم 15 - 03 - 2009


"أليس كذلك".. حواديت إدريسية تغوص في القاع
يوسف ادريس
محيط – شيرين صبحي
وسط أكداس الكتب المتراصة بسور الأزبكية بأوراقها الصفراء ورائحتها القديمة، أخذت أبحث عن ذلك القروي الثائر ذو العيون الخضراء الذي ملأ الدنيا .. يوسف إدريس الذي توج أميرا للقصة القصيرة ولم ينازعه الإمارة أحد رغم رحيله منذ أكثر من 17 عاما.
بين الكتب بدأت أطارد وجهه، فأراه يبتسم لي، وبكرم رجل شرقاوي يمد يده بإحدي مجموعاته الأولي ثم يعاود الاختفاء من جديد.. تلقفت الكتاب بيدي وأنا ابتسم لخواطري بعدما رأيته يستريح بين السطور.
"أليس كذلك" المجموعة القصصية التي كتبها إدريس وهو يقف علي أعتاب الثلاثين عاما.. وهي نفسها التي قام بتغيير عنوانها لاحقا من "أليس كذلك" والتى نشرت عن طريق مركز كتب الشرق الأوسط بالقاهرة فى يوليو 1957، وجعلها بعنوان "قاع المدينة" ونشرها المركز نفسه بالعنوان الجديد، وكذلك دار الكاتب العربى فى القاهرة (بدون تاريخ).
عندما سئل الأديب الكبير بهاء طاهر في إحدي الندوات، لماذا تحول من كتابة القصة القصيرة إلي الرواية، رد ببلاغة وإيجاز شديد عن جيله "لأننا لم نستطع أن نكون يوسف إدريس" .. وإجابة طاهر ليست انتقاصا لقامته وقامة جيله، ولكنها اعترافا بقامة إدريس الذي يصفه فاروق عبدالقادر بالشخص القلق الساخط المتمرد المتململ المندفع إلي الفعل، غير القابل للتكييف أو المواءمة أو التوصل لأنصاف الحلول وأنصاف الأفكار والمواقف، الذي ما أن يقتنع بشىء حتي يحمله علي عاتقه ويمضي يبشر به ويخوض المعارك من أجله، مؤمنا بأنه "قضية حياة أو موت".
تقع المجموعة في 365 صفحة من القطع المتوسط ، وتحمل عناوين "الكنز – الحالة الرابعة – المحفظة - الناس – الوجه الآخر – داووود – مارش الغروب – ليلة صيف – أليس كذلك – المستحيل – التمرين الأول – ه.. هي لعبة – أبو الهول – الجرح – قاع المدينة"
القداسة
في قصة "الناس" يروي الكاتب تبرك أهل إحدي القري بشجرة "الطرفة" واستخدامهم لها كدواء لأمراض العيون، ومحاولة مجموعة من الطلبة اثنائهم عن تلك العادة واقناعهم بالعلاج في المستشفيات، ولكن تبوء محاولاتهم بالفشل حتي يقوم واحد منهم وهو طالب بكلية الزراعة بأخذ أوراقا من الشجرة والذهاب بها إلي أستاذ بالكلية ويطلب منه تحليلها.
تثبت التحاليل أن في الورق نسبة من كبريتات النحاس التي تصنع منها القطرة.. يتهلل الأصدقاء ويشيعون الخبر في البلدة.
تمر أعوام كثيرة ويعود الطلبة إلي البلدة موظفين وخبراء ويجدون أن الشجرة لم يعد لها ذلك التقديس القديم وقد كف الناس عن استخدام أوراقها كقطرة، وحين سألوهم مذهولين كانوا يهزون رؤسهم ويقولون "سيبك يا شيخ.. القطرة برضك أنضف..".
وكأن الكاتب يريد أن يخبرنا بهذه القصة أنه عندما اكتشف سر الشجرة، ذهبت قداستها وهذه طبيعة الأشياء!!.
ليلة صيف
نشم في أكثر من قصة رائحة الريف الذي نشأ فيه يوسف إدريس، بلهجته ومصطلحاته وفطرته ومتناقضاته، فنقرأ من قصة "ليلة صيف":
" كان قمحيا لم تسوده شمس الغيطان. كان يزرع، وذهب إلي البندر مرة، وما أن تذوق عيشه وطعميته حتي أقسم ألا يعود إلي المحراث أبدا. وكان يخيل إلينا ونحن جالسون معه أنه ليس من بلدنا، وأنه واحد من سكان المدينة المتنورين اللئام الناصحين الذين نرهبهم ونخشي أذاهم".
تدور القصة حول مجموعة من شباب القرية يسهرون ليلة صيف يتجاذبون الأحاديث، ويحكي لهم "محمد" أكبرهم سنا عن المنصورة ونساءها البيض ، فيحلمون بالذهاب للمنصورة التي أصبحت تعني بالنسبة إليهم شيئا كالحياة.
" كان سبب يقظتنا أننا شممنا رائحة الأرض الغريبة، في بلدنا كنا نحس بالألفة لكل شىء ونتصرف بحرية ولا نخاف، كل نخلة كنا نعرفها ولابد طلعناها وأكلنا منها بلحا وجمعنا من تحتها رطبا، كل غيط طرقناه ورأيناه في طفولتنا وصبانا. كل بيت نعرفه ونعرف أهله كما نعرف أهلنا، والشجرة أي شجرة، نعرف فروعها بالفرع الواحد، وكل منا يستطيع وهو مغمض العينين أن يفرق بين تراب بلدنا وأي تراب آخر. ولم نفق إلا لإحساسنا أننا قد غادرنا أرضنا وأصبحنا في بلاد الناس".
الشارع المصري .. زمان
هنا قلب العالم
بطل قصة "أليس كذلك" رجل هندي يتحدث ويبدي اعجابه بالشعب المصري وما حدث فيها من تغيرات بعد ثورة يوليو 1952 ، وهو في الواقع إعجاب إدريس نفسه بما تموج به أرض مصر، وقد اختار بطل القصة رجل هندي لتشابه ظروف الهند حينها مع مصر ووقوعها تحت الاحتلال الإنجليزي وكون الهند ضمن مجموعة عدم الانحياز التي كانت تضم مصر كذلك.
" كل الأجانب يأتون فقط من أجل رؤية الأشياء القديمة هذه؟ أتظن أن مصر القديمة هي التي أغرتني بالمجىء إلي مصر؟؟ أبدا. أتعلم شيئا. أنا جئت لأري مصر الموجودة. مصر التي في الشارع وليست تلك الموضوعة خلف ألواح الزجاج.
أنا أعرف مصر. نحن في الهند نسمع عنها كثيرا. ولكنكم اليوم حديث العالم. ألا تعرف هذا. كل العالم ايجيبت ايجيبت...
لقد جئت مصر لأتفرج علي شعبها وأراه حين أصبح حديث العالم ولكني اكتشفت شيئا آخر. جئت أتفرج عليه فإذا بي أحبه... كم كنت غبيا. كان يجب أن آتي إلي هنا مباشرة. هنا قلب العالم. هل أبالغ. أنا لا أبالغ. هنا قلب العالم.
أنا هنا لا أتفرج. أنا أتغير. أتغير كل دقيقة. أنتم تستيقظون والحوادث تجري بسرعة. كل دقيقة يحدث شىء. أن تصبح بلادنا بلادنا ليس بالأمر السهل يا صديقي. ليس بالأمر السهل. تصور تأميم القناة. كنت وأنا بعيد أري أنها خطوة كبيرة لا يحتملها الموقف في العالم، ولا يحتملها شعبكم نفسه. ولكن أنظر ما حدث. حين أصبحت هنا، بينكم، تغير رأيى".
"انكم أول شعب أراه يحب أن يعطي حتي ولو لم يأخذ. كل الناس تعطي وتأخذ. أنتم دائما علي استعداد للعطاء.. هذه هي قمة الانسانية. هذا هو ما كنت أبحث عنه طول عمري".
الاحتلال البريطاني
المستحيل
من وحي أحداث 1956 كتب إدريس ثلاث قصص بمجموعته هم "المستحيل – ه.. هي لعبة – الجرح".
تحكي "المستحيل" عن رجل مجنون يتم عرضه علي الطبيب للتأكد من مرضه، ويظل المجنون يحكي عن العمارات التي يملكها ويريد الآخرون سرقتها، وعندما يتأكد الطبيب من مرضه يبدأ في المزاح معه ويحدثه بأي كلام يخطر علي باله وكأنه يعتذر له سرا لأنه سيثبت في الاستمارة أنه مجنون.
يحتار الطبيب في العقل البشري الذي يحتوي الدنيا كلها بما عليها ولا يضيق، ويتساءل ماذا يحدث له حين يختل وتشب فيه النار. ما هو الأصيل الذي يبقي، وماذا فيه يستحيل إلي دخان؟ "عم محمد شحاته علي الواقف أمامي لم يغير وقفته، تري ماذا طار من عقله وماذا لا يزال كامنا مقدسا في أخاديد تفكيره؟! ".
يسأله الطبيب: تبيعهم للعسكري ده؟ تبيعهم لأخوك أحسن والا تبيعهم لي وتكرمني؟ أقول لك يا شيخ.. بيعهم للإنجليز واخلص.
فنقرأ علي لسان المجنون:
"- وأنا أصلي أبيع لأ الانجليز لا ما انجليز من رابع المستحيل.
وفوجئت برفضه فسألته وأنا أستغرب:
- ليه اشمعني الانجليز لأ؟
وعاد الشريط يدور:
- لأ لأ كده كده الله الله الله ع الجد أبيع لربنا حتي والكمبيالات جاهزة والمستندات تحت الطلب واللي ما يشتري يتفرج والانجليز لأ ".
سقوط
"قاع المدينة" هي أطول قصص المجموعة والتي أطلق اسمها علي المجموعة لاحقا، تدور حول القاضي عبدالله الذي يبلغ 32 عاما ويعيش في شقة فاخرة الأثاث بشارع الجبلاية، وقد حدد لنفسه سن الخامسة والثلاثين ليتزوج، والذي كان مقطوع الصلة بالنساء تماما حفاظا علي كرامة منصبه وألا يضبطه أحد في موقف حرج.
يطلب القاضي من الحاجب أن يبحث له عن خادمة شابة للقيام بشئون البيت.. يأتي له ب "شهرت" التي كانت تبدو كامرأة بلدي جميلة ترتدي الملاءة اللف، وهي أم لثلاثة أبناء.
شهرت أتت من قاع المدينة وتسكن حارة سدا وتعيش في حجرة مع زوجها الذي يعمل يوما ويظل عاطلا أياما، ولها من الأولاد ثلاثة، وتشاركهم في الحجرة سيدة أخري تدعي أم هانم.. ويبرع المؤلف في وصف ذلك القاع الذي تملأ فيه رائحة الطين والقدم الأنوف، وتتلوي الأزقة والمسالك وتؤدي إلي مكان ليس له كيان، كل ما فيه يختلط بكل ما فيه، الأرض المرتفعة المكونة من أجيال متعاقبة من القاذورات والأتربة بالأبنية المنهارة التي ناءت بما فوقها من أكوام وأعمار، ولون الأرض ذات الطين بلون الجدران ذات التراب، ورائحة الناس برائحة الأرض برائحة البيوت.
يدفعها عبدالله للسقوط معه في الرذيلة، حتي لم يعد في وجه "شهرت" ما يخيف أو يجبر علي الرهبة " أصبح وجهها وجه امرأة عادية تحت أمره في كل وقت وكل لحظة. وأصبح جسدها في يده كالورقة المهملة التي يستطيع متي شاء أن يكورها ويلقيها في سلة المهملات ".
تمر الأيام حتي تأتيه يوما وهي ترتدي "جيب" وخرقة قديمة يمكن تسميتها "بلوزة" وكانت رأسها عارية.. تطلب منه جنيها لتفصل بلوزة فيرفض، فتسرق منه الساعة لكنه يدرك أنها السارقة.. يذهب إلى بيتها ويخرج منها الساعة.
"ذات يوم رآها في شارع الملكة وهو مار بعربته، فأبطأ من سيره. كانت واقفة علي محطة الاتوبيس، وكان واضحا أنها لا تنتظر الاتوبيس، وكانت تصبغ شفتيها بروج حقيقي، وترتدي الجيب الرمادي الذي كانت تأتى به. وأهم شىء أنها كانت ترتدي فوق الجيب.. بلوزة جديدة".
مارش الغروب
تصور القصة بائع عرقسوس يقف وسط الكوبري والناس يمضون بجواره صامتين مسرعين ولا أحد يلتفت إليه في هذا الجو الشتوي.. تغيب الشمس ويسرع الناس ولكنه لا يكف عن دق صاجاته فالابريق لا يزال ممتلئا وكل ما باعه لا يتعد قراريط لا توقد مصباحا ولا تغمس لقمة.
"كل شىء تصبغه رمادية زرقاء، ويبرد، ويصبح لا حياة فيه. وتزأر الحنجرة "يا منعنش"، وتخرج منعنش حادة تكمل صخب الدقات، وبين كل آن وآن يقول: يا كريم سترك. ويمد الكاف وكأنه يصنع منها حبلا رفيعا، يمده فوق الكوبري ليوقف الناس، ويتبعها بسترك، مقتضبة خارجة من الصدر وكأنما يسترضي الناس بعد هديره ويصالحهم به.
والناس رائحة غادية، ميتانة، سقعانة، ناشفة، وجوههم شاحبة فيها غضون، وعيونهم ذابلة فيها شتاء، ولا يريد أحد –رغم وجوده في وسط الكوبري- أن يلقي عليه نظرة".
"كست وجه العجوز تكشيرة طيبة فيها يأس، وتهدل حاجباه فوق عينيه في عتاب صامت. وكانت يداه لا تزالان مدليتين خلفه، ولكن الدقات همدت حدتها وتباعدت وأصبحت كدقات قلب المشرف علي الموت، تسكت طويلا ثم تبرق فجأة وكانها تقاوم الفناء. وبين الحين والحين يلقي الرجل نظرة علي القراريط التي باعها وآلاف القراريط التي لم يبعها ثم يتمتم من بين شفتين ترتجفان بالبرد: يا كريم سترك".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.