نخطيء حينما نقصر النحت على صناعة التماثيل الفنان أحمد عبدالعزيز محيط - رهام محمود فن النحت هو واحد من أهم مجالات الفنون التشكيلية في العالم، وقد كان الفنان المصري القديم له السبق في إبداع هذا الفن وإنتاج أكثر من ثلث آثار العالم متمثلة في التراث الفرعوني، والذي كان ومازال مدرسة تعليمية مفتوحة للعالم ككل . هذا الفن تراجع دوره في الأعوام الأخيرة وخاصة في مصر ، كما تراجعت رغبة الطلبة الجدد في دراسته ، ولهذا توجهت شبكة الإعلام العربية "محيط" للنحات الدكتور أحمد عبد العزيز رئيس قسم النحت في كلية الفنون الجميلة "جامعة حلوان"، لإيضاح أهمية النحت للمجتمع، وكان هذا الحوار .. محيط: حدثنا عن دور فن النحت وأهميته في حياتنا؟ د. أحمد: الفن عموما يوسع مدارك الإنسان لأنه يستغل طاقته ، والنحت أحد هذه الفنون ، وهو فن متداخل في حياتنا للغاية ، رغم أن العامة يربطون بينه وبين التماثيل فحسب ، والحقيقة أن فن النحت ينقسم لنوعين: الأول هو صناعة تمثال لتخليد ذكرى ما ، ونحت آخر لإدراك جماليات الحياة، ومثل أن تكون المنحوتة لدعوة الناس لشيء ما. يعرف النحت بأنه فن تنظيم الحجم أو الكتلة في الفراغ، فكل ما نصادفه في يومنا من بدايته وحتى نهايته هو حجم أو كتله تتحرك في الفراغ؛ فالورقة، النظارة، التليفون المحمول، ملاءة السرير، المروحة، الكرسي، وأدوات المطبخ جميعها كلها أشكال لمنحوتات ، وهذا هو المفهوم الغائب عن المجتمع . لابد أن نميز بين "الصنم" والتمثال المصنوع لتخليد ذكرى العظماء أو لاستلهام الإبداع الرباني في الكائنات كالطيور او الحيوانات المختلفة او النباتات ، ونتذكر ما قاله الإمام محمد عبده " لابد أن نجدد أفكارنا عن كل الأشياء الغامضة ومنها فن النحت ودوره" وقال أيضا "إذا كنت تشك بأن فن النحت بشكل عام دوره مشكوك فيه، فلسانك نفسه مشكوك في قوله الصدق، فمن الممكن أن يكذب، فهل نقطع اللسان؟!، لا يجوز، ولو نحن شككنا بأن العنب لا يستخدم إلا في عمل الخمر، فنمنع زراعة العنب؟!!، فهذا لم يكن ذنبها بل ذنب تفكيرنا" . المسألة إذن تدور حول استلهامنا للأشياء وتجسيدها ، فمدرسة "الباوهاوس" مثلا روضت تصميم الأثاث والموضة وكل الأدوات اليومية كي تكون مفيدة ومريحة ، مثل كرسي على شكل زهرة أو غيره وفي نفس الوقت مريح ، هنا انت صنعت منحوتة ملائمة لوظيفتها . الطلبة قبل الإلتحاق بقسم النحت يظنون أن المسألة تقليد ل "الموديل" فحسب ، وهذا بغض النظر عن تقليد الغرب والانصياع ورائه من جانب الفنانين ، وهنا يجب أن يقف الناقد جادا ليلحم من جديد النحات والمجتمع . محيط: ما رأيك في وضع التماثيل في الميادين العامة ؟ د. أحمد: أراه فعل منفصل عن الواقع الاجتماعي وعن الواقع الجمالي، فقسم النحت الميداني بكلية الفنون الجميلة بعيد عن منظومة إنشاء الجماليات في الشارع المصري، والمشكلة أن المشروعات ينفذها هواة أكثر من اهل الخبرة الحقيقيين . أرى أن الشارع المصري المختنق مروريا ، لا يحتاج للتمثال التخليدي لإحدى الشخصيات ، بقدر احتياجه لمنحوتات تهديء منه وتضيف الجمال كما يجري في أوروبا وأمريكا ، تجد منحوتات تقلل من توتر المارة وحركة الحياة الصعبة . كما أنني ألوم من يديرون الهيئات والمصالح الهامة في مصر كالقرى السياحية والفنادق والبنوك وغيرها ، فهم لا يستعينون بالخبراء ، ونحن نتعامل مع منظومتين في الشارع المصري إما منظومة فقيرة، أو قبيحة؛ فنرى أعمال ذات مستوى فني هابط ، وهنا نتساءل أين دور قسم النحت الذي يجب عليه جعل الناس يستمتعون بالمكان ؟ ! يجب أن يخضع اختيار الأعمال النحتية المتواجدة بالأماكن العامة للجنة متخصصة ، ويجب أن نعلم أن السائحين الذين يزورون مصر يعرفون من منظمات عالمية تقييمها للبلد ، والاهتمام بالأماكن العامة جماليا جزء هام في التقييم ، فحينما ترغب إحدى الدول باستضافة كأس العالم لكرة القدم مثلا ، قد تخرج من الترشيح لأن لجنة الخبراء أقرت أنها " بلد غير جميل" ، وهيئة التنسيق الحضاري بالقاهرة ، تلك المدينة التراثية العريقة ، لا يوجد بها أستاذ نحت واحد ! الأواني هي أيضا نحت وأوجه الانتقاد لمهندسي الديكور الذين ينتقون دائما من الكتالوجات الغربية طرز لفرش البيت المصري ، وحتى الناس كما نعلم منساقة وراء الذوق الأوروبي وليس الاصيل ،وهنا يبرز أهمية فن النحت كفن يتذوق تناسب المكان وأجزائه ومكوناته الزخرفية وألوانه ، ونجد أن الأثاث الألماني مثلا عنوانه البساطة ، ومصر التي لديها رصيد هائل من التراث ألا تتمكن من استخراج شخصية لأثاثها !! وأقول بأن النحت علم وفن ، وهو مثل الكيمياء والطب والهندسة وغيرها ، وقد تطور مفهوم النحت في الخارج ليشمل كل شيء الشجرة والجبل والمياه وغيرها كل ذلك يدخل بمحاضرات النحت ، ولكن في العالم العربي نحصر تفكيرنا في التمثال الحرام والحلال ، وهذا هو دور الناقد صاحب الكلمة المسموعة للجمهور . محيط: لماذا لا يلتحق بقسم النحت سوى أعداد قليلة من الطلبة ؟ د. أحمد: كما ذكرت فلا يوجد مفهوم صحيح عن النحت في مصر ، والطلبة لهم الحق فيما يفعلون ، والغريب أن الطلبة يتوجهون لقسم الجرافيك لدراسة أفلام الكارتون ، رغم أنها توضح في فورم وهي شق من النحت ، يقوم به نحاتون ومصورون فوتوغرافيون. محيط: ما المراحل الفنية الهامة التي مررت بها ؟ د. أحمد: أعيش حياتي في حالة تعلم مستمر ، كما أنني أستمتع تمام بكل مرحلة من حياتي . لقد تخرجت من كلية الفنون عام 1974، وكنت الأول على ثلاث كليات للفنون في مصر، ومن حسن حظي أنه في هذه الفترة انتصرت مصر واستردت سيناء، فكنت وقتها أول من يزور خط بارليف تكريما لي لتفوقي . في نفس الفترة شاركت بافتتاح قناة السويس الثاني "لأنها كانت مغلقة في أواخر الستينات" . بعد ذلك ظللت أدرس حتى حصلت على الدكتوراه وأصبحت أستاذا ثم رئيسا للقسم في أعرق كلية في مصر "الفنون الجميلة" وفي أعرق فن وهو "النحت"؛ فمصر مبدعة النحت، وتعلم منها العالم كله. دخلت في منظومة الحركة التشكيلية المصرية والعربية والعالمية منتجا وفنانا مبدعا، ومشاركا في المعارض الدولية والبيناليات العالمية، ومحكما أيضا في العديد من المسابقات في مصر والخارج، واقتنت لي شخصيات كثيرة عدد من الأعمال بمصر والخارج ، من بينها متحف الفن الحديث، ومركز الجزيرة للفنون، ولي قطعة كبيرة نحتية في حديقة رئاسة مجلس الوزراء وهو بعنوان "رؤية مستقبلية"؛ فالفن الطبيعي لا يعطي المستقبل بل يعطي اللحظة الراهنة "أي الواقع"، لكن الفن التجريدي هو فن مستقبلي، ولي أيضا تمثال تجريدي وضع في وزارة الاستثمار القومي ، وآخر في الساحل الشمالي على الطريق الدولي السريع وكان هذا العمل عبارة عن "عربة رمسيس" مستوحى من الفن المصري القديم. حصلت أيضا على العديد من الجوائز في مصر والخارج، واخترت في عام 2003 من الموسوعة الأمريكية أن أكون أحد فناني الشرق الذين انضموا للموسوعة وعرض لي بها رحلتي الفنية والأكاديمية، وفي عام 2004 اختارتني جامعة كامبردج بإنجلترا من خلال سيرتي الذاتية بأن أكون محاضرا دوليا أراسل الجامعة من مصر بشكل مفتوح عبر الإنترنت. في عام 2006 اختارتني جامعة كامبردج بأني أحد مائة قمة في العالم بين الفنانين والعلماء، وضمن مراسلتهم قالوا لي أن الجامعة تعرض صورة كبيرة لي في رواق الجامعة وبجانبها سيرتي الذاتية، وفي هذا العام أيضا كرمتني هيئة مركز السيرة الذاتية الأمريكية "A B I" وحصلت على ميدالية ذهبية من هناك، والتي كان قد تقدم لها حوالي 2 مليون من العلماء والفاعلين في العالم، واختارت الهيئة خمسين عالما فقد من حول العالم ، وهذا ما يسعدني لأنه توفيق كبير من الله . ونستعرض بعض من أشهر أعمال الفنان ..