استطاع الجيل الأول من النحاتين المصريين أن يؤثر تأثيرا إيجابيا علي ثقافة الرأي العام في مسألة تقدير قيمة فن النحت ودوره في المجتمع. فقد كان يتزعم هذا الجيل الأول المثال محمود مختار الذي أقام تمثال نهض مصر وتمثالي الزعيم سعد زغلول بالقاهرة والإسكندرية. بعد ذلك جاء الجيل الثاني في ظروف سياسية واقتصادية مختلفة. فبعد الأزمة الاقتصادية العالمية في مطلع الثلاثينيات تراجع المد الثوري الذي اشعلته ثورة ..1919 وبدلا من تماثيل الميادين اتجه النحاتون إلي التماثيل الصغيرة والنحت البارز علي الجدران. مثل لوحات مدخل حديقة الحيوان والنحت البارز علي جدران مباني محطة "سراي القبة". من أقطاب هذا الجيل المثال إبراهيم جابر "1902-1971" بدأ تألقه في الثلاثينيات وتأثر بمنهج محمود مختار في صياغة التماثيل. ومعظم أعماله صغيرة الحجم لا يزيد ارتفاع أي منها علي 60 سم. التزمت الأسلوب الواقعي في النحت المجسم والنحت البارز. وكان أحمد عثمان "1908-1970" من قادة الحركة الفنية. دراسته في إيطاليا جعلت في إنتاجه مذاقا إيطاليا ممتزجا بصفات النحت المصري القديم وله العديد من الأعمال في الأماكن العامة.. وهو الذي أقام كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية. وكان أول عميد لها. أما سعيد الصدر "1909-1986" فرغم شهرته كخزاف إلا أنه مارس النحت أيضا وقد التزم في منحوتاته بالتقاليد الواقعية. المثال السيد مرسي صادق مارس فن النحت من عام 1934 ملبيا ما يطلب منه تنفيذه. ومن أعماله الباقية تمثال الزعيم سعد زغلول الذي نفذه وصمم قاعدته والمقام بمدينة بنها وقد انهمك في هذا العمل الميداني من عام 1936 حتي ..1938 وأقام العديد من التماثيل النصفية والأعمال النحتية بقصر الأميرة السابقة شويكار. وكان منصور فرج "1910-2001" من أكثر الفنانين تألقا بين زملائه من الجيل الثاني.. فأعماله المشتركة مع أحمد عثمان في الأماكن العامة كانت ملء الأسماع طوال الثلاثينات والأربعينيات. وهو من قادة الاتجاه الواقعي في فن النحت وكان يستلهم التكوينات والخطوط التي تميز بها النحت المصري القديم وهي من الصفات المميزة لأعماله. وهو صاحب تمثال محمد فريد بالقاهرة. أما مصطفي متولي "1911-1988" فقد تميز بمهارة وقدرة عالية في ميدان مطابقة الواقع. وقد أقام عدداً محدوداً من تماثيل الموضوعات والتماثيل الصغيرة. بينما ركز اهتمامه ونشاطه في الأعمال الجدارية والتماثيل الميدانية والنماذج المجسمة. كان صادق محمد المولود عام 1912 من المثالين القلائل الذين شاركوا في حركات التمرد الفني التي ظهرت في مصر خلال الحرب العالمية الثانية. فقد عرض عدداً من الأعمال التي تميل إلي الرمزية مع اتجاه إلي السيريانية أحياناً. لكنه أشتهر بأسلوبه الواقعي بعد ذلك وهو يتضمن بعض التلخيص واستخدام الرمز مع التشخيص. وكان يتنقل من مدرسة فنية إلي أخري معتمداً علي مهارته التي اكتسبها علي مدي خمسين عاما من الإنتاج الغزير. بينما عرف الفنان عبدالقادر رزق "1912-1978" بعد وفاة محمود مختار مباشرة وقد فاز بميدالية صالون القاهرة الفضية عام 1934 فاطلق عليه اسم خليفة محمود مختار ومع هذا فإن بصماته الحقيقية تتركز في خدماته لحركة الفن المصري.. بينما إنتاجه تميز باستلهام الروح المصرية مع الرصانة والمهارة في الأداء وكان أستاذاً للعديد من المثالين الذين درسوا بقسم الدراسات الحرة بكلية الفنون الجميلة. وكان متفوقا في ميدان التماثيل الشخصية. أما ميشيل جرجس "1915-1994" فهو من الفنانين الذين وضعوا مواهبهم في خدمة الحياة اليومية. لهذا لم يتجه إلي الاشتراك في المعارض العامة أو إقامة المعارض الخاصة لإنتاجه الذي لم يتوقف عن إبداعه. واكتفي بالاتصال المباشر بالجمهور عن طريق رسومه الصحفية وتصميماته للإعلانات في مؤسسة الأهرام. وتماثيله الواقعية التي تصور الوجوه والفلاحات باسلوب فيه رزانة وسكونية. أما الفنان محمد الشعراوي عبدالوهاب المولود عام "1916-2003" خزاف. لكنه بعد سنوات من التخصص في فن الانية. أعلن أن الإناء قال كل ما عنده. واتجه إلي تشكيل طينة الخزف بمفهوم نحتي. متخليا عن القيمة النفعية ومعوضا إياها بالتركيز علي الوظيفة التجميلية.. في البداية استلهم المباني والعمائر.. ثم انتقل إلي مرحلة تشكيل كلمات اللغة العربية وأسماء الله الحسني والآيات القرآنية في تماثيل مجسمة.. وقد تأثرت منحوتاته بأشكال العمارة المتميزة في اليمن وحضرموت فأصبحت نوعا من الفن التجريدي الذي يجمع بين القيم النحتية وسمو العمارة وفخامة الخزف.