رقصات الدراويش وروح النوبة.. مفردات عالم نادية التطاوي
استضاف جاليري وورلد أوف آرت بالمعادي معرض "الدراويش" للفنانة المصرية نادية التطاوي , والتي أقامت منذ بضعة أشهر معرضا مميزا بقاعة بورتريه حمل عنوان "أصداء الجنوب".... لوحة لنادية التطاوي أدهشتنا لوحات المعرض الجديد سواء في الموضوع أو تنوع الأحجام التي تعاملت معها, وكذلك الحركة التي جسدتها بطريقة مختلفة ومستمرة, وكان لشبكة الأخبار العربية "محيط" معها هذا الحوار... محيط : رهام محمود محيط: "أصداء الجنوب" وبعده "الدراويش" .. لماذا التركيز على هذه الألوان في معارضك؟ التطاوي : نعم أشعر أنني أضفت في معرضي "الدراويش" كثيرا من حيث اللون والمساحة والتكوين أيضا ، فأنا أحب أن أتفوق على نفسي باستمرار ، لأنني أجد أن الفنان إذا افتقد للتجديد في أعماله سيتوقف ويرجع للوراء . وبالنسبة لي فإن الجديد هو الإضافة في موضوع معين يشعر به الفنان ويرغب في أن يشاركه فيه المتلقي إلى أن تصل له فكرة الفنان . محيط: يوجد دائما تيمة مميزة لمعارضك وهي اشخاص الجنوب, فلماذا تصرين على التعبير عنهم؟. التطاوي: أنا أسعى نحو المضمون وروح الإنسان ليس شكله فحسب لإن الأشكال متغيرة ، فالإنسانية هي الأساس عندي, فإذا كان يوجد توضيح في الشكل فهو كتعبير عن المضمون الداخلي للشخص ليست الملامح فهي لا تهمني في شيء, إلا إذا كان بورتيريه فأنا أظهر الملامح لكني أيضا أحاول إظهار روح الشخصية، فالدراويش تأثرت بهم كثيرا ضمن مشاهداتي في الحياة وطقوس المولد الشعبي الذي يتراقصون فيه بحركاتهم السريعة ، ولذلك أردت التعبير عنهم في هذا المعرض بل وأطلقتهم إسما له. أهتم بفولكلور الجنوب والشمال وسيناء ومرسى مطروح والتاريخ والفراعنة, وعند زياراتي للعديد من الدول كنت أتلمس التراث والأشخاص, فأنا أحب التواصل الإنساني وإمتزاج الحضارات, وتلاقي الثقافات التي تغذي بعضها, فالإنسان أغلى شيء في الحياة. محيط: استخدامك تقنيات مختلفة في الأداء تارة بالسكينة وأخرى بالفرشاة, فهل إنطلاقك في التعبير هو أكثر تدفقا في الأعمال الكبيرة أم الصغيرة؟. التطاوي: استخدمت الفرشاة فترات طويلة , وقدمت أيضا أعمالا بالسكينة,وأحب العمل بها, فهي عبرت أكثر عن اسلوبي الخاص , فهي دوما تعبر أكثر. لوحة لنادية التطاوي أما عن الأعمال الكبيرة والصغيرة لا يفرقان عندي, فكلا النوعين له مزاياه ، فالاثنين أشعر بهما ، ولكن المساحة الكبيرة تشعرني أكثر بالحرية, لأنها تعطيني قدرة أكبر على التعبير وإخراج شحنة ما بداخلي, وطبعا لابد أن يكون موضوعها يستلزم ذلك, فمثلا الحركة في لوحاتي تحتاج مساحات, كما قال لي رائد الفن التشكيلي عبدالوهاب مرسي أنني قدمت مدرسة جديدة في الفن التشكيلي في تصوري للحركة بطابع مميز سواء في استمراريتها, أو في مساحتها الكبيرة. محيط: وفي تقديرك بماذا تتميز أعمالك ؟ التطاوي: اللوحة توحي بالحركة المستمرة , وهذا نجاح في تصويرها, فأنا أحب أتميز عن التصوير الفوتوغرافي لأنه ساكن والحركة فيه تكون ثابتة, ولابد أن يقدم التشكيل حركة ولون ونغم يسمعه المشاهد, فأنا أحرص في لوحاتي على أن أحرك بصيرة وعقل وسمع المشاهد. محيط: استلهامك للتراث والتاريخ مثل أبو الهول والأهرامات والآثارالمصرية القديمة, هل هذا نتيجة إحساسك بالقيم الجمالية التي بها, أم بعظمة التاريخ المصري وأمجاده؟ التطاوي: لعظمة تاريخنا الذي خلف لنا الكثير ؛ فالإنسان المصري متحضر حتى لو كان غير متعلم, لأنه ورث حضارة عريقة, فبداخله قيم كبيرة تظهر مثلا في تربيته لأولاده, فأنا أقدر جيدا هذا الميراث ليست المعابد بل ما أضافه المصري, الجمال نراه في الطبيعة لكني آخذ القيم الإنسانية وأضيف لها الجمال, فمثلا المعبد في لوحاتي اضيف له من الألوان والأضواء لكي أعبر عن احساسي الحقيقي بالحضارة الإنسانية الفرعونية. محيط: لم يظهر في معرضك "الدراويش" أي أثر لأسفارك الكثيرة للخارج ..فلماذا؟ التطاوي: نعم.. لكن سابقا اقمت معرض كامل تحت مسمى "عالم واحد" عرضت به ما استلهمت من بلاد العالم وبدا تأثيرها على عملي الفني ، ومن بينها روسيا, النمسا, أمريكا, تركيا,إسبانيا, البلاد العربية, فالعالم عندي يعتبر متكامل, والإنسان واحد في النهاية. نادية التطاوي مصر والجنوب والريف هذا هو الأساس لدي حيث استلهمهم أثناء رحلاتي السنوية دوما , وبحكم إهتمامي بجذوري الريفية الممتدة للجنوب الذي أعشق مياه نيله وتربته الخصبة الجميلة, وألوانه البديعة الدافئة الحية, فالنيل أزرق والجبل أحمر والوجوه السمراء تعكس لوحة الشمس, وسماع الموسيقى عندهم دوما تجد الناي .. الطبلة والدفوف, روحهم منطلقة, أرى هناك اختلاط الحضارات الصوفية, والتراث, والنوبية بالفرعونية بالإفريقية, فالتراث هناك على طبيعته, ومازال الجنوب محتفظا بكيانه. هذا لا ينفي طبعا أن بلدانا أخرى جذبتني أذكر منها تركيا,غير أنني أعود لجذوري سريعا للتعبير عن نفسي ، فأنا إذا عبرت في لوحاتي عن بلد أخرى يكون من منظوري كمشاهد متأثر, أما مصر فأنا جزء منها أعبر عن جدودي وجذوري التي تكون بداخلي في اللاشعور. محيط: الانطباعية التأثيرية في أعمالك غير تقليدية فأنت لا تستخدمين التنقيطية الشائعة .. فما هو مذهبك الفني الإبداعي؟ التطاوي: الناقد الكبير كمال الجويلي قال أن إسلوبي تعبيري, لكني صنعت اسلوبي بنفسي, فأنا بدأت بالمدرسة التقليدية "الكلاسيكية", بعدها تأثرت بالتأثيرية, ثم انتقلت من ذلك لأصنع أسلوبي الخاص, الذي أعبر به عن نفسي في جميع موضوعاتي, سواء الطبيعة أو الزهور أو البورتيريه , وهذا الأسلوب يتراوح مابين التأثيرية والتعبيرية, وحاليا أضفت إليه التجريد, وذلك سعيا مني لكل ما يثري لوحاتي . محيط: تتميز ألوانك بمجموعة لونية متفردة, فيها الساخن والبارد بدرجات وتفريعات مختلفة تعطي ثراءا لبلتتك, فماذا يعكس هذا الثراء ؟ التطاوي : الفنان لابد أن يكون له مخزون , والطبيعة مخزون ثري بالألوان, وحمدا لله أنني سافرت كثيرا, فشاهدت ألوان كثيرة وجبال وبحار ومحيطات وغروب وشروق مختلف البلاد, فكل هذا مخزون قوي, أما إضافتي فهي استخدام اللون الذي يخدم الفكرة. أنا أترجم الفكرة بالألوان أو الإضاءة, فكل أعمالي بالكتابة ومنصبي "وكيل أول وزارة التعاون الدولي في الفترة من 1993 إلى 2003, ويسبقها أستاذ خبير اقتصادي في المركز القومي للبحوث الإجتماعية والجنائية من 1969 حتى 1993" ولد لدي الكثير من المكنونات التي أتوق للبوح بها فنيا , فخمس وثلاثون عاما في كادر علمي ومسئولية كل هذا دفعني للتعبير. محيط: هل تذكري أول معارضك الفنية ؟ التطاوي: أول معرض أقمته كان في الجامعة الأمريكية عام 1968, ولدي مقالة كتبت عني بعد هذا المعرض مازلت أحتفظ بها إلى الآن . محيط: وكم عدد المعارض التي أقمتيها في مصر و الخارج.. وكم يبلغ عدد لوحاتك حتى الآن؟ التطاوي: انا لا أحصر عدد اللوحات لأني لدي أعمال كثيرة جدا, فأنا أمارس الفن بصفة مستمرة منذ بداية حياتي, واقمت وشاركت فيما يقرب من ثلاثين معرضا داخل مصر وخارجها من بينهم أمريكا, هولندا, موسكو, والصين. محيط: شاهدنا معرضا لك منذ بضعة أشهر, وكان يضم عددا كبيرا من الأعمال تتميز باسلوبك الخاص, وخلال هذه الفترة فوجئنا بمعرض جديد برؤية جديدة, فهل أنتجت تلك الأعمال في هذه الفترة القصيرة, أم هي نتاج أعمال سابقة لم تعرض من قبل؟.
التطاوي: يوجد أعمال لم تعرض من قبل, فالموضوع يستمر معي سنوات , فعند عملي كنت أحتفظ ببعض الأعمال ولأني اكتشفت مجموعة أعمال تدور في موضوع واحد ففكرت أن أقيم لها معرضا خاصا وهذا الأمر استغرق فترة طويلة مني, فكنت أضيف جديد لهم من آن لآخر, والمعرض مكون من أعمال سابقة وجديدة لم تعرض من قبل وبأحجام مختلفة, فأنا لا أريد أن أعرض مكررات. أحد أعمال التطاوي لأن كل معرض يحقق معنى محدد أرغب في توصيله للمتلقي, ويظل الموضوع متكاملا متعددا في التشكيل, والألوان والمساحة. محيط: بمن تأثرت في مدارس الفن التشكيلي؟ التطاوي: أحب مدارس الرواد المصريين من بينهم أحمد صبري, وكمال الجويلي, وعبدالوهاب مرسي, تأثرت في المرحلة الكلاسيكية بليوناردو دافنشي, وآخرين بهولنداوروسيا, ثم تأثرت في المرحلة التأثيرية بجوجان, وفان جوخ, ودربت نفسي على أعمالهم لإكتساب خبرة, ثم تحررت من كل هذه المدارس وبدأت أوجد اسلوبي الخاص بي. محيط: على الرغم من شهرتك الواسعة فنيا ، إلا أننا نلحظ قلقك عند افتتاح معارضك.. بماذا تشعرين ؟ التطاوي: طبعا أشعر بالقلق, فالفنان لو شعر بأنه وصل للقمة يكون قد ضل الطريق ,فالفن يحتاج للإبداع والتجديد دوما ، وانا أصف عملية الإبداع و المعرض بامتحان ينتهي بجائزة . محيط: تخرجت من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية, وحصلت على درجة الدكتوراه في فلسفة الاقتصاد, متي كانت بدايتك الإبداعية , وكيف حافظت على إبداعك رغم مسئولياتك ؟ التطاوي: الفن موهبة ورثتها عن والدى ووالدتي , فهم كانوا يشجعونني دائما, كما شجعتني مدرستي ب"الكلية الأمريكية للبنات", فأنا حصلت منها على التعليم والتدريب والاهتمام والممارسة من خلال الأنشطة الثقافية والفنية وعرض الأعمال وتقديم الجوائز, واحترام القيمة الفنية, كل ذلك يشكل الإبداع ويصقل الموهبة . وكان من الطبيعي بعد كل هذا ألا أنسى الفن وسط مشاغل العمل بالحكومة . محيط: ابنتك نهى لديها جاليري خاص, ومدرسة لتعليم الفن, فهل رأيت بها نادية التطاوي في بداية حياتها, أم هي نادية التطاوي المستقبلية؟ التطاوي: أبنائي نهى ووائل لديهم موهبة فنية عالية ومتميزة, ظهرت منذ طفولتهم, وأنا حافظت عليها, ونمتها, وشجعتها اعجابا بأدائهم المتميز حتى في الطفولة. كذلك مدرستهم الكلية الأمريكية بالمعادي تولت هذه المواهب بالرعاية والتدريب المتميز, فبعد دراستهم المهنية في الاقتصاد وإدارة الأعمال اختاروا طريق الفن والإبداع بجانب أعمالهم الأساسية, فنهى حاصلة على ماجستير الاقتصاد ولديها موهبة فنية تشكيلية ذات إسلوب مميز خاص بها, فهي منفصلة عني إبداعيا , مقتنعة بمفهومها في الحياة, درست الفن في باريس ثم أقامت مركز ثقافي "دائرة الثقافة والفن وهي جمعية أهلية مرخصة".