- " سجينة طهران " شاهدة عيان على الثورة الإسلامية بإيران - نظام الخومينى يقتل الكافر ليرحمه من كثرة الذنوب و يغتصب العذارى حتى لا يدخلون الجنة " سجينة طهران " رحلة مؤلمة .. قصة عن النضج فى أحلك الظروف و اختبار للإيمان فى وجه رعب بغيض " بتلك الكلمات المكتوبة على ظهر الغلاف تبدء رحلتك مع السيرة الذاتية لمارينا نعمت كشاهدة عيان على الثورة الإسلامية فى إيران . التى نوقشت أمس بورشة الزيتون و أدارت اللقاء الكاتبة سامية أبو زيد ، بحضور الكاتبة فاطمة ناعوت و الروائى الكبير محمد المنسى قنديل و الشاعر محمود الشاذلى والقاص أسامة ريان، و الكاتب محمد العون و الشاعرة فاطمة المرسى . و عبرت الكاتبة سامية أبو زيد عن مدى إعجابها الشديد بالرواية بالرغم من تحفظها على الترجمة التى تضيع كثيرا من جمال النص ، و عرضت بإيجاز الرواية التى تعد سيرة ذاتية ل " مارينا نعمت " ، و صورت مدى التشابه بين مارينا و جدتها فيما يشبه تناسخ الأرواح ، و أن الرواية رغم تجسيدها لمآسى حقيقية لم يكن بها نبرة متفجعة مستدرة للعطف ، بل ناقشت جدوى العنف و نتائجه و الدائرة الجهنمية التى يقع فيها الإنسان عندما يظن أنه يقاوم الشر . فيما تحدث الشاعر محمود الشاذلى أن الكاتبة تغوص فى أعماق المعتقدات و ثقافة من يمثلونها لتكون شهادة على سلوكيات العنف و الكراهية التى تؤد الحب فى مهده ، فالأديان كافة تنبذ الكره و تدعو لهداية الإنسان بالحب و الخير بعيدا عن الشر . و يقرء الشاذلى كلمة فاطمة ناعوت فى المقدمة عن السبب الذى دفع مارينا لكتابتها حينما لاحقتها الذكريات ليل نهار ، و عندما عجزت عن الهرب من شبح الماضى كان عليها مواجهته ، و لم تكتفى بالكتابة كفعل مقاومة للوصول للسلام الداخلى ، بل أيقنت أن دورها هو نشر الرواية كشاهدة على الأحداث . و العرض يحوى الكثير من الدلالات لشاهدة على الثورة الإسلامية فى إيران ، عندما يلبس الدين ثوب السياسة المهترئ و ما ينتهجه بعض المتأسلمين من سلوكيات و عنف يتنافى مع سماحة الإسلام . و عندما يقع الجلاد فى حب السجينة ينقذها من عقوبة الإعدام ، لتدخل صراعات نفسية جديدة بين لوم نفسها على النجاة فى حين قتل الآخرون ، و كراهيتها للجلاد الذى هددها بعائلتها و حبيبها ليجبره على الزواج و الدخول فى الإسلام ، و لم تكن كراهية مارينا له لأنه مسلم فقد أحبت فتا مسلما من قبل بل كراهته لأفعاله و جرائمه . لم يكن أى شئ منطقى منذ قيام الثورة وشعرت مارينا أنها ألغت كل ما هو جميل كالموسيقى و المكياج و رسم الفتيات السافرات و الكتب الغربية . و كان الحراس يغتصبون الفتيات قبل إعدامهم لأنهم ظنوا ان الفتيات العذارى يدخلون الجنة ، و قال الخومينى :" لو سمح المرء للكافر أن يستمر فى افساد الأرض فستصبح المعاناة النفسية للكافر أسوء كثيرا ، فقتله حينها سيكون نعمة له حتى لا يقوم بمزيد من الخطايا مما يزيد من عذابهم فى الآخرة ، و علق الشاذلى هنا قائلا و ما يتبعون سوى أهوائهم ، فيكفرون من يريدوا ، و يلوثون قلوب الناس بالكره و الحقد بدلا من التراحم و الود و التسامح الذى يدعو له الدين . كما عقدت ناعوت فى مقدمتها مقارنة بين الثورة الإسلامية فى إيران و صعود التيار الإسلامى للحكم فى مصر ، لتشعر أن الأمر يصل لحد التطابق . و هذا ما أكدته فاطمة ناعوت فى حديثها أنها شعرت و هى تقرء الرواية كما لو أنها مارينا و بكت لإحساسها أن مصر مقبلة على نفس المرحلة ، لولا ان التقدم التكنولوجى ساعد كثيرا فى نشر الوعى و كشف النظام و إنقاذنا منه . و تحكى ناعوت كيف أن مارينا كانت طفلة فى السادسة عشر من عمرها حينما سجنت لاعتراضها على مدح المدرسة فى الخومينى بدلا أن تدرس لهم الرياضيات و التاريخ فتم القبض عليها ، و أنقذت من على المقصلة لوقوع الجلاد فى حبها ، و رغم أنها عجزت عن حبه و لكنها استمالته ليساعدها على الهرب . و تتنقل بين فترات حياتها ببراعة روائية شديدة ، فتعرض لفترة الطفولة و ارتباطها بجدتها و حبها الأول ، و فترة سجنها عندما كانت تسجل مذاكراتها على جسدها و ترفض أن تستحم حتى لا ينمحى و مشاهدتها لأصدقائها يقتلون أمامها، و فترة منفاها الاختيارى فى كندا هربا من الاضطهاد . و قالت ناعوت أن قلم مارينا كان فطريا يتدفق بالإبداع ، و قلم مدرب عكس ما يقول البعض ، و أثنت ناعوت على المترجمة و لغتها العذبة رغم صغرها ، فى حين أن هناك رؤساء جمهورية يخطئون فى القواعد النحوية . و تابعت أن المترجم يقوم بدور صعب ليقف على شعرة معاوية بين النص الأصلى و اللغة التى تنقل لها فيكون جسرا يسافر بين الألسن ، تحتاج لتعرف أسرار اللغة و غائصا فيها لتنتقل بالنص الأدبى للغة جديدة بالمحافظة على الأسلوب ، فهو بذلك يخلص نصا موازيا ، و أن المترجم الذى يقتل الابداع و ينقل النص كما هو بالحرف يجب ان يحاكم . و من جانبه تحدث القاص أسامة ريان عن " الثورة بالدين " و رصد السيرة كافة المتغيرات السياسية مع الحفاظ على جو البراءة فى التعبير عن طفولتها و مراهقتها و استنكارها لفكرة القتل ، و قيامها بالفلاش باك لثلاث فترات من عمرها فترتها الحالية و السجن و الطفولة ، و حديثها عن الأديان و مقارنتها بينهم ، و رغم أنها كاتبة حديثة الخبرة ، و لكنه أكد أنها موهوبة بالفطرة ، تنقلت ببراعة بين فرح الطفولة لفزع السجن . و دخل الحاضرون فى نقاش ثرى عن تحليل الشخصية و الخطاب ، فقالت ناعوت أن المؤلفة رغم أنها أجبرت على الإسلام و لكنها لم تتعرض له بالإساءة فى مذكراتها ، فى حين رأى الروائى الكبير المنسى قنديل أن الكاتبة لا تحتاج أن تسئ مباشرة بل يكفى البناء الدرامى الذى تصنعه لتصل بالقارئ للاستنتاج بنفسه ، فى حين أكدت سامية أبو زيد أن الكاتبة كانت ضد التطرف و الفاشية بكل أنواعها سواء الفاشية باسم الدين أو فاشية الثورات التى ترفع شعار العدالة الاجتماعية . سجينة طهران الرواية صدرت مؤخرا عن دار كلمات للنشر والترجمة، بالتعاون مع دار هنداوى تقديم فاطمة ناعوت و ترجمة سهى الشامى ، وبطلة الرواية هى الصبية مارينا مرداى بخت، أو مارينا نعمت؛ فتاة مسيحية إيرانية من طهران، كانت تلميذة في المرحلة الثانوية حينما بدأت رحلة عذابها، بعدما انتزعت من دفء الأسرة إلى صقيع سجن "إيفين" ووحشته، لتجرب ألوان التعذيب الوحشي، لم يبرحها الشعور بالإثم طوال سنوات حياتها، لأنها نجت حين مات كثيرون من رفقة الصبا وزملاء الدراسة في مدرستها، ممن تجاسروا أن يقولوا: "لا" حين قال الآخرون: "نعم" وتلك كانت جزيرة وخطيئة في حكم الملالى الإيراني. والرواية ترصد حكاية جيل الثورة الإسلامية الإيرانية بكل أوجاعها وجراحها وعصير ثمرها المر، والأحلام الموءودة لجيل من الشباب شاخ قبل الأوان؛ وهى فوق كل هذا رواية "التحرر" من الخوف، فإن نحن "كتبنا" مخاوفنا "قتلناها"، لهذا تختم الكاتبة روايتها بهذه العبارة "الخوف أفظع السجون على الإطلاق" . وتلقى الكاتبة في هذه الرواية الضوء على الثورة الشعبية الإيرانية 1979 التي قام بها اليساريون والليبراليون والعلمانيون والمثقفون والعلماء والمدنيون في إيران، ونجحت في الإطاحة بشاه إيران المستبد، أملا في بناء إيران أكثر تحررا وتحضرا وديمقراطية وتصديرا للعلم، فقفزت التيارات الدينية على الثورة، كالعادة، وجاء أية الله الخمينى ليركل بقدمه الديمقراطية التي أجلسته على الكرسي . أما جلادو "إيفين" فهم الإسلاميون الذين ذاقوا الويل على رجال "السافاك"؛ جهاز الاستخبارات الإيراني المخصص لمراقبة معارضى الشاه وتعذيبهم وتصفية قياداتهم بذات السجن، في عهد محمد رضا بهلوى، شاه إيران، وحينما ترفق بهم القدر وتمكنوا من السلطة خرجوا ليذيقوا الويل مضاعفا للشعب الذي حررهم، والويلين لمعارضي الخمينى من المدنيين والليبراليين والثوار، أو كل من يفكر في لفظ كلمة "لا" للفاشية باسم الدين.