بعد إلقاء القبض على المهندس خيرت الشاطر وحسن مالك، على خلفية ما عرف بقضية "مليشيات الأزهر" عام 2006، في واحدة من الضربات الكبيرة التي وجهت إلى "القوى المالية" لجماعة الإخوان المسلمين، اتصل بي عدد من نشطاء الجماعة وطالبوني بالتضامن مع من وصفتهم ب"دعاة الإصلاح" المعتقلين. لأول مرة يستخدم الإخوان مصطلح "دعاة الإصلاح" على نشطائهم الكبار، ولم أخف آنذاك ارتياحي له، لأنه لا ينقل قضية الجماعة من "المجال الديني" إلى "النشاط المدني" وحسب وإنما التقيته، بوصفه إشارة إلى أنه ربما تكون الحركة، بصدد مراجعة الكثير من مفردات خطابها الحركي والذي سبب لها الكثير من المتاعب مع شركائها في النضال الوطني. غير أن الأداء الإعلامي للجماعة فيما بعد ظل على حاله ولم يتغير، وبدا لي وقتها، أن وصفها لقياداتها داخل السجون ب"المصلحين السياسيين"، وكأنه يستجدي استدرار تعاطف القوى المدنية، واصطفاف الضمير المدني خلفها للضغط على النظام للإفراج عن معتقليها. أعرف أن شرعية الإخوان، تستقى من "الدين" وبوصفها في الأساس جماعة دينية، وهو ما يجعلها تسرف أحيانا في استخدام خطاب ديني، يضمن لها تأييد الوعي الإخواني الداخلي لها، وتعاطف الرأي العام المتدين بطبعه خارجها، ليس فقط لأسباب تتعلق بشرعية الجماعة التاريخية، بوصفها تأسست في الثلث الأول من القرن الماضي "العشرين" كرد فعل على سقوط دولة الخلافة عام 1923، وإنما أيضا لأسباب سياسية تتعلق باستحقاقات ومصالح انتخابية محضة. هذه المراوحة داخل "الحقل الديني" وضع الجماعة في صدام "مكتوم" مع الإسلاميين الآخرين من غير الإخوان.. ومع صدام "معلن" مع القوى السياسية المدنية.إذ عادة ما تقدم الجماعة نفسها بوصفها تمثل حصريا "المشروع الإسلامي" بل تتجاوز ذلك إلى منحى "استيلائي" ينزع نحو الاستيلاء على منصة الحديث باسم "التيار الإسلامي" بصيغة إقصائية فجة لا تكترث بالتنوع داخل "الإسلام السياسي" مع جعلها في "خصومة" دائمة مع حركات إسلامية أخرى تنافسها الولاء على الجماهيرية من جهة وعلى التمثيل الحصري للإسلام من جهة أخرى. في الوقت ذاته، نجحت الإخوان في صوغ رأي عام مدني معاد لها، إذ تظل التجربة الإخوانية في بؤرة الاتهام بأنها تحاول إعادة إنتاج نموذج "الدولة الدينية" بنسختها التي ظهرت عليها في "أوروبا" المسيحية في القرون الوسطى.. خاصة أنها في تكوين معمارها التنظيمي الداخلي شديدة التطابق مع نموذج المعمار التنظيمي لنظام "ولاية الفقيه" الإيراني، وهو التطابق الذي وحد القوى المدنية وبعض التيارات الإسلامية مثل "الدعوة السلفية" في التصدي للتجربة الإخوانية الحالية. المخاوف من الجماعة، هي مخاوف قديمة، ولكنها ظلت محصورة داخل السجال الفكري والتنظيري، طوال العقود التي تلت تأسيسها على يد حسن البنا في نهاية عشرينيات القرن الماضي، ولكنها أي تلك المخاوف الآن تحولت إلى حركة وطنية منظمة، تجمع كامل الألوان المكونة للطيف الوطني المصري، بمن فيهم ثاني أكبر قوة إسلامية تفوق الإخوان عددا، وهم "الدعوة السلفية" واسعة الانتشار في مصر.. وهو التحول الذي يلقي بظلاله الكئيبة على مستقبل التجربة الإخوانية في الحكم حاليا.