على الناحية الأخرى جاءني صوت نسائي خيل الى أنني أعرف صاحبته . قالت لي : أنا اعتماد خورشيد رحبت بها بكلمات الترحيب العادية . منتظرا أن تتحدث في موضوع المكالمة ، كنت قد تعرفت على اعتماد خورشيد خلال عملي صحفيا . وأنا أقوم بتغطية حادث مصرع ابنها الفنان الراحل عمر خورشيد عازف الجيتار الشهير ، الذي انتهت حياته وهو لم يزل شابا في حادث سيارة في نهاية شارع الهرم . قالت لي اعتماد خورشيد : أن كان لديك بضع دقائق . فأنى أدعوك للحضور الى بيتي. سألتها : أهي دعوة لتناول القهوة ؟ ردت ضاحكة : بل دعوة .. الى قصة صحفية مثيرة ! *** في الطريق أخذت أسأل نفسي عن نوعية القصة الصحفية التي يمكن أحصل عليها من اعتماد خورشيد . التي كانت في حد ذاتها يوما أكثر القصص الصحفية إثارة . لكن هذا كان زمان. وزمان أصبح في ذمة التاريخ ! فتحت لي باب شقتها في الزمالك هى ترحب بي بطريقتها المميزة . قبل أن يأتيني فنجان القهوة بمجرد أن جلست على المقعد . بدأت حكايتها قائلة : اسمع يا سيدي .هذه قصة حزينة لكن نهايتها سعيدة .وسوف ترى بنفسك بطلة القصة. سألتها :أي قصة .. وأي بطلة ؟ قالت : بطلة هذه القصة فتاة جميلة رائعة الجمال . شاء حظها أن تولد وسط أسرة فقيرة في أحد أحياء القاهرة الشعبية . وبسبب الفقر وقلة المادة لم تكمل هذه الفتاة تعليمها الذي اقتصر على المرحلة الثانية . كما تعرف عادة فان الخلافات الأسرية تشتد في مثل هذه الحالات . وهذا ما حدث بالنسبة لبطلة القصة التي انفصل والداها . وعاشت تعانى من الضياع والأحزان. وانتهى الأمر بها بأن غادرت البيت الى غير رجعة.خرجت الى الشارع التي لا ترحم ، زهرة جميلة يانعة في ربيع عمرها . كم من الأيام هامت على وجهها في الشوارع بلا هدف . كم من الليالي نامت فيها في الحدائق بلا غطاء سوى نجم السماء. كان انفعال اعتماد خورشيد بالقصة التي ترويها ويشتد بريق عينيها يزيد كلما مضت في الحكاية.. أكملت : وأخيرا تمكنت الفتاة الجميلة البائسة من الحصول على عمل في أحد محال الحلوى بحي المعادى مقابل جنيهات قليلة . كانت تكفى لاطعامها دون أن توفر لها بيتا.فكانت الفتاة المسكينة عند إغلاق المحل وانصراف العمال ، لا تجد سوى عربة الحلوى الخاصة بالمحل تنام داخلها . وداخل هذه العربة عثر عليها ولدى ايهاب . أنت تعرفه هو فنان عنده فرقة موسيقية . كان عائدا ذات ليلة من إحدى الحفلات عندما كان يسير بجوار عربة الحلوى بعد منتصف الليل . سمع صوت بكاء يمزق نياط القلب . فتوقف ونظر داخل العربة . ليجد الفتاة الجميلة سيئة الحظ . أخذ يواسيها ويمسح دموعها . ولم يهدأ إلا بعد أن أحضرها معه الى البيت . وبمجرد أن رأيتها أحببتها كأنها ابنتي تماما . لكن المفاجأة السعيدة أنني اكتشفت في الصباح أن "سندريللا التعيسة " لها صوت جميل وأنها فنانة بالفطرة . تغنى وترقص وتمثل مثل أي فنانة محترفة! *** أعترف بأن القصة استولت على اهتمامي .. قاطعت اعتماد خورشيد متسائلا : ماذا فعلت ؟ ردت بسعادة : أول شيء ذهبت بها الى الكوافير . الى أشهر محلات الأزياء واشتريت لها كل ما لا يخطر على بالها من ملابس رائعة . ثم أطلقت عليها اسما فنيا . لأن البنت تنوى العمل في الفن الاستعراضي مثل شيريهان . سألتها : ما اسمها الفني ؟ قالت : ديانا خورشيد . صراحة .. اعجني الاسم كما أعجبتني القصة . قصة الفتاة الفقيرة التي في يوم وليلة تجد من ينتشلها من الضياع . ويقدم لها البيت والحضن الدافئ آمال المستقبل أيضا . ولم يبق سوى أن أشاهد بطلة القصة ! *** عندما دخلت الفتاة "ديانا خورشيد" أدركت أن كلمات اعتماد خورشيد كانت في محلها . فقد كانت بالفعل رائعة الجمال . خفيفة الظل . ذات صوت جميل طلى . وقوام رشيق ونظرات ساحرة . وتحدثت ديانا .. وغنت أيضا ثم جلست الى حضن "أمها الروحية" اعتماد خورشيد تقبل يديها في عرفان وإخلاص وعدت الى الجريدة وكتبت القصة . وكنت كل فترة اتصل باعتماد خورشيد لأسألها . متى نسمع أول أخبار ديانا خورشيد الفنية . فترد قائلة : انتظر .. هى الآن تجرى بعض البروفات والتدريبات .. حتى تدخل مجال الفن وهى مستعدة تماما . كانت اعتماد خورشيد متحمسة للغاية لديانا . وتتحدث عنها بحب شديد . لكن الأيام جاءت بمفاجأة غير متوقعة ! *** فجأة وجدت الفتاة ديانا خورشيد تدخل على مكتبي والدموع في عينيها ! وأجهشت بالبكاء قائلة : لقد هربت من بيت "ماما اعتماد" ! سألتها بدهشة : لماذا ؟ قالت ديانا : لأنها أبلغت الشرطة ضدي ! وروت لي كيف أن الخلافات بدأت تدب بينها وبين اعتماد خورشيد ، التي بدأت تأمرها بألا تغادر البيت دون أذنها وما شابه ذلك . عندما بدأت البنت تعترض تفجرت المشكلات بينهما. وانتهت بأن هربت ديانا من بيت اعتماد . التي اتهمتها لدى الشرطة بأنها سرقت خاتما من مجوهراتها . لكن الشرطة لم تجد دليلا على ذلك فأطلقت سراح ديانا . التي قررت ألا تعود نهائيا الى بيت اعتماد خورشيد . الذي عاشت فيه أيام السعادة وأحلام المستقبل الفني العريض والشهرة الموعودة . سألتها : وماذا أنت فاعلة الآن .. هل تعودين الى الشارع الذي لا يرحم ؟ قالت ديانا وهى تمسح دموعها: لا .. سوف أذهب للعمل في أحد فنادق مدينة شرم الشيخ . أي عمل شريف. سألتها : وأحلام الفن ؟ قالت : لا ضرر أن تتأجل قليلا . *** بعد شهور عادت ديانا لتزورني في مكتبي .. واتسعت عيناي ذهولا وأنا أشاهد بطنها منتفخا. قالت وهى تضحك : تزوجت ! وروت لي أنها تعرفت على شاب يعمل بنفس الفندق الذي تعمل به . وأنهما تزوجا بسرعة وأقاما في شقة صغيرة بالمدينة . وأنها تستعد لإنجاب مولودهما الأول خلال ثلاثة شهور. كانت ديانا تتحدث عن حياتها بسعادة .. لكنى لمحت في عينيها نظرة حزن لم تستطع إخفاءها . وفى نهاية لقائي بها قالت : خسارة .. كان نفسي أكون مثل شيريهان .. يا ترى كيف أخبار ماما اعتماد خورشيد .. إذن فما زالت سندريللا البائسة تحلم بالفن ؟ فهل تحقق حلمها ؟ *** لم تكن نهاية القصة سعيدة كما قالت لي اعتماد خورشيد في البداية . فبعد أن أنجبت ديانا طفلة جميلة مثلها . اختلفت مع زوجها الشاب انفصلا بالطلاق. هى مازالت تحلم بالفن .. عملت مطربة في بعض الملاهي بفنادق القاهرة . تغنى للساهرين - باللغة الإنجليزية- عن حلمها الذي لم يتحقق. القدر لم يكتب بعد : إذا كانت نهاية القصة سعيدة .. أو تعسة !