المشهد فتاة تجلس إلى جانب الشرفة الأمامية لإحدى وسائل المواصلات يلاحقها عبر النافذة شاب يمتطى دراجة بخارية لا يتجاوز عمره 17 مستخدما آلة يصل حجمها إلى حجم الهاتف المحمول، لكنها تصدر صوتا شديد الارتفاع ووميضا يخطف الأبصار .. عندما سألت عن تلك الأداة الغريبة حدثني أحد الراكبين جواري، حيث كنت أرى المشهد في صمت، إنها سلاح يطلق عليه Electrec shock فطلبت منه أن يعيد الاسم على مسامعي مرة أخرى فقال لي : "دا جهاز الصاعق الكهربي .. دا موجود دلوقتي مع كل الناس حتى مع العيال.. وبقى يتباع على الأرصفة في شارع عبد العزيز". بعد سماعي تلك المعلومات الهلامية قررت البحث عن الموضوع بنفسي في الواقع، فسألت أحد بائعي الأسلحة في شارع الجمهورية، الذي أكد زيادة الإقبال على شراء الأسلحة خلال الأيام الأولى للثورة، وفي أعقاب الانفلات الأمني، حيث ارتكزت المبيعات على شراء مسدسات الصوت والأسلحة المرخصة من قبل القضاة والمستشارين. أما فيما يتعلق بجهاز "الصاعق الكهربي" فهو من الأسلحة المحظورة التي، تم إدراجها ضمن قوائم الممنوعات وفقا لتعليمات أمنية من مديريات الأمن والداخلية، واصفا انتشار الجهاز بالحالات الفردية. أما عن الجهاز، فتتراوح قوته من 12 فولت وتصل إلى بعض الأحيان إلى 100 ألف فولت، ويتسبب في صدمة عصبية لكل من يُصعق به. صواعق أون لاين رغم انتشاره في شارع عبد العزيز إلا أنه وجد منفذا بيعيا حقق له الانتشار بعيدا عن أعين الأمن من خلال عالم افتراضي صنعه الإنترنت، حيث عمد البائعون نشر العشرات من الموضوعات الترويجية مدعومة بالصور والفيديو عبر المنتديات ومواقع التواصل الاجتماعي، وصل الأمر ببعضهم إلى تخصيص خطوط هاتفية للذكور وأخرى للإناث لتلقى طلبات الشراء على شاكلة فكرة تخصيص عربة للسيدات في مترو الأنفاق. وعلى خط الهاتف الرجالي، تحدثنا إلى أحد بائعي جهاز "الصاعق الكهربي" عبر الإنترنت الذي بدأ حديثه بالإشارة إلى أن جهاز "الصاعق" من الأسلحة المحظورة، إلا أنه شهد إقبالا منقطع النظير في الثورة شمل جميع فئات المجتمع خاصة الذكور عن الإناث؛ لأنهم كانوا الأكثر ارتيادا للشوارع خلال تلك الأيام، إلا أنه يشهد تراجعا مع انخفاض الإقبال على الشراء ومع زيادة شعور الناس بالأمان. أما على خط الهاتف المخصص للسيدات، سرعان ما تسمع صوتا أنثويا يبادرك بالرد؛ لكنه أكثر ترددا في الإفصاح إلا بعد استشعار الأمان، تحدثنا إليها إلا أنها أنكرت في البداية بيع أجهزة الصواعق، مدعية اقتصار نشاطها البيعي على بعض الأدوية، وبطرحها لبعض الأسئلة المستعلمة عن مصدر المعرفة، بدت الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي بمثابة كلمات السر التي استشعرت بها الأمان وبدأت في الحديث عن جهاز "الصاعق"، بل وبمزيد من التفاصيل ،حيث ذكرت أن أجهزة الصواعق تتعدى أسعارها في بعض الأحيان 6000 جنيه مصري وفقا للنوع،كما تتعدد الألوان ما بين الأسود والأحمر ، ... إلخ والأحجام، حيث أحجام صغيرة تصل لحجم كف اليد وهو ما تفضله الإناث على حد قولها، وأحجام أخرى قد تصل إلى 40 سنتيمتر، وأشارت إلى انخفاض شراء الإناث للصواعق وغيرها من الوسائل الدفاعية خلال الأيام الأولى من الثورة، حيث آثرت الكثيرات عدم مغادرة منازلهن مقارنة بالرجال،في حين زاد إقبالهن مع بداية موسم فتح الجامعات. كما أوضحت أن الفتيات يفضلن شراء "الاسبراي" عن الصواعق ،إذ يرون فيه الوسيلة الأسرع و الأكثر أمانا في الاستخدام ،إذ أن كثرة متعلقات حقيبة الفتاة قد تهدد بالضغط في أية لحظة على زر الأمان للصاعق وهو ما تخشاه الكثيرات ،وعلى العكس من ذلك يجد الرجال سهولة في استخدام وحمل الصاعق الكهربي بوضعه في الأحزمة أو في "تابلوهات" السيارات. ولفتت إلى أنه نظرا لمجهولية شخصيتها لدى المتصلين وكذلك الحال بالنسبة للمشترين ،فلا يتم الالتقاء المباشر بينهما ،حيث يتم شحن الجهاز عبر شركات الشحن المعتادة ،أو عبر التسليم بالأيدي في إحدى الأماكن المأهولة. ممنوع وليس محظورا ذكر شريف الحضري محامى الاستئناف العالي ومجلس الدولة أنه ليس هناك مادة في القانون تدرج "الصاعق الكهربي" ضمن قوائم الأسلحة، غير أن قرار الحظر جاء وفقا لتعليمات أمنية وشرطية بمنع بيعه وتداوله في محلات تجارة السلاح التقليدية. وأضاف أن ضوابط التعامل بأجهزة الصواعق الكهربية تخضع للأحكام العرفية ،وفقا لحالة الضبط محل التحقيق ،وما إذا كان استخدام الصاعق في الواقعة بهدف الدفاع عن النفس أو بهدف ارتكاب الجرائم ،كما يتم تحديد ذلك وفقا لشخص حامله وما إذا كان شخص عادى كرب الأسرة مثلا ،أو مسجل خطر. وأشار إلى أنه في حالة ثبوت استخدام الصاعق في ارتكاب الجريمة ،فإنه يدخل في إطار الجرائم الملحقة بالجريمة الأصلية ضمن جرائم "التهديد باستخدام السلاح" ،وقد تصل عقوبته من 3 7 سنوات تتضاعف حسب نوع الجريمة المرتكبة والتي قد تصل عقوبتها إلى 25 عاما في جرائم الخطف بالإكراه. أما في حالات ضبط الاتجار في كميات كبيرة من الصواعق، يتم احتراز الكميات المضبوطة ومصادرتها لحين الكشف عن غرضه، وتوجه لتاجرها تهمة المساعدة في نشر الجريمة ما لم يتم الكشف عن دوافع أخرى. ضوابط الأمان أوضح الدكتور محمد إسماعيل الجوهري أستاذ الفيزياء الحيوية بكلية العلوم جامعة الأزهر أنه لا ضرر من الصواعق الكهربية التى تعتمد على التيار المتردد المستمر من فئة "دي سي" على خلاف تيار "إيه سي"،حيث تقتصر قدرتها على إحداث حالة من الصدمة يرتكز تأثيرها مع بداية الصعق ونهايته وتتكرر مع تكرار الغلق والفتح للصاعق. وأضاف أنه لا ضرر من تعرض الجسم لشدة تيار تتراوح من 50 إلى 80 مايكرو أمبير والتي قد تنتج نتيجة صعق الخصم لمدة ثوان معدودة ،محذرا من خطورة بلوغ شدة التيار المستخدم خلال الصاعق من 500 إلى 600 ميكرو أمبير والتي قد تنتج من الصعق لمدة دقيقتين على الأكثر وهو ما قد يتسبب في توقف عضلات القلب ،لذا يُنصح بعدم تجاوز الدقيقة في استخدام مثل تلك الصواعق. وعن الأماكن المثلى لتوجيه صدمات الصعق تجاه جسم الخصم ،أكد الدكتور محمد إسماعيل الجوهري، فعالية الصعق في أماكن العضلات سواء في الرقبة أو الأرجل والذراعين، موضحا أن الصعق في تلك المناطق يؤدى إلى انقباض شديد في العضلات مما يتسبب في آلام مبرحة للخصم تشل حركته وتعيقه عن التصرف. معا نتحدى البلطجة استطلعنا رأى الشارع المصري بشأن "الصاعق الكهربائي" فوجدنا حالة من شبه الاتفاق بين الفتيات في الالتزام بالنصائح الأمنية التقليدية بعيدا عن الأسلحة الدفاعية كاقتصار ارتياد الشوارع في أوقات النهار وعدم الخروج في ساعات متأخرة من الليل ،وعدم السير في الشوارع المظلمة ،وعدم ركوب سيارات تاكسي مع سائقين يُشتبه بهم ،في حين صممت بعضهن على تحدى "البلطجة" بالحرية والمواجهة والتي انطلقت على أساسها الثورة. تقول بسمة أحمد طالبة بكلية التجارة أنها كانت تعتزم شراء جهاز "الصاعق الكهربي" قبل الثورة ،إلا أنها بعد الثورة تعمدت عدم شرائه لتثبت أن ما حدث كان في صالح مصر بكل ما تحمله الكلمة قائلة عن الثورة :"اللي حصل ده حسن بلدنا والمفروض نعيش على هذا الأساس مش نستخبى ونخاف"، معبرة عن استعدادها للمواجهة في حالة التعرض لأحد مواقف البلطجة. وتضيف بسمة بقولها أن بعض الفتيات لا يجدن استخدام مثل تلك الأسلحة عند المواجهة ،بل أن بعضهن يخشى من شرائها خوفا من الضرر الشخصي قبل إضرار الغير. أما مي محمد طالبة ترى أن ظاهرة البلطجة كانت منتشرة حتى قبل الثورة ،وأنها ليست ظاهرة مستجدة ،ومن جانبها تؤكد مي أنها تمارس حياتها بشكل طبيعي وتعتمد على الحماية الأهلية في كل المواقف بعيدا عن الاعتماد على أي أسلحة أخرى. وترفض مي المبالغة في تناول ظاهرة "البلطجة" بشكل يضعها في حجم أكبر من حجمها يعمل على الترويج لها وليس علاجها. وذكرت سارة حسن طالبة بأنها لا تضمن السيطرة على نفسها في مثل هذه المواقف بشكل يمكنها من تمالك أعصابها والتصرف على النحو السليم سواء كان ذلك بالجري ومحاولة الهرب أو بسرعة الاستخدام السريع والسليم لجهاز الصاعق إذا كان بحوزتها.
أما حنان رابح طالبة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية فلا ترفض شراء أسلحة الدفاع عن النفس، موضحة أنها كانت تعتزم شراء "صاعق كهربائي" قبل الثورة إلا أن عدم معرفتها بأماكن بيعه المشروعة وموقفه القانوني حال دون شرائها الفعلي له، مشيرة إلى أنها اكتفت باتباع التعليمات الأمنية التقليدية بعدم ارتياد شوارع لا تعرفها وعدم السير في أماكن مظلمة في ساعات متأخرة من الليل.
وعلى الجانب الآخر، حرص الرجال على شراء كل ما من شأنه الحماية حتى قبل أحداث الثورة ،ورغم وقائع البلطجة المتكررة أثناء الليل والنهار، يرفض آخرون حمل تلك الأسلحة خوفا من المسائلة القانونية. يقول أحمد عبد الرحمن كلية تجارة أنه يمتلك "صاعق كهربي" قبل الثورة وبعدها ورغم أنه لم يستخدمه حتى الآن على الإطلاق ،فهو يحرص على أن يلازمه دائما في سيارته للدفاع عن نفسه وعن أسرته كوسيلة تأمينية احتياطية يمكنه الاستعانة بها كلما تطلب الموقف ذلك. كما يقول مصطفى علي الطالب بكلية الحقوق: "اشتريت كل حاجة وأي حاجة أقدر أدافع بيها عن نفسي"، غير أنه لم يقدم على شراء مثل تلك الأسلحة لأخوته البنات لأنهم توقفوا عن نزول الشارع بعد أحداث الانفلات الأمني. أما عبد الرحمن طالب بكلية الحقوق فقد تعرض لموقف بلطجة أثناء سيره في نفق المشاة بميدان الجيزة ،إذ فاجئه أحد البلطجية وهدده بمطواه، غير أن العناية الإلهية أنقذته بتدخل أحد أفراد الجيش الذين تواجدوا بالمكان ،ومع ذلك يرفض عبد الرحمن حمل مثل تلك الأسلحة خوفا من المسائلة القانونية التي يمكن أن يتعرض لها في مثل هذه المواقف قائلا: "أختي عندها صاعق كهربي لو حصل أي حاجة ممكن أنا أتجازى لكن هيه هيقولوا بتدافع عن نفسها".