على مقهى "ولى النعم" فى خان الخليلى دار حوار بين الأسطى "زكى" الذى يعمل فى أحد ورش الصاغة , والمعلم "خليل" صاحب أحد محلات البازارات التى كسدت تجارتها طوال العامين الماضيين , وانضم إليهم سيد "برشا" مدير الفندق الشهير بميدان سيدنا الحسين ... توقعت أن يدور الحوار بين ثلاثتهم حول أحوال السياحة والكساد الذى يعانونه وتدهور أحوال المعيشة , لكن المناقشة دخلت إلى منطقة جديدة بالنسبة لى وهى أن الفضائيات الخاصة هزمت الإخوان هزيمة ساحقة .. قال الأستاذ "سيد" الإعلام خبرة وممارسه والإخوان خسروا معركة "الصورة" .. تدخلت بأدب فى الحوار وقلت "زدنى ايضاحاً" فقال يا أستاذ أنت أعلم منى , لقد كان عبد الناصر مهزوماً فى الحرب وبلا جيش وكسب الشعب بخطاب التنحي الشهير علي شاشه التليفزيون.. أحد أسباب التفاف المصريين حوله أنه كان خطيباً مفوهاً ولديه نقطة تلامس رائعة مع الجماهير ..
ودخل "زكى" القبطى المصرى الأصيل على الخط وقال لقد هزم باسم يوسف الرئيس مرسى .. وباسم لا يملك إلا صورته وصوته ،أما الرئيس فلديه شرعية الانتخابات والسلطة والنفوذ والحكومة والداخلية .. ومع ذلك خسر د. محمد مرسى .. واستطاع مذيعون مثل عمرو أديب ولميس الحديدى والابراشى وابراهيم عيسى ومصطفى الحسينى أن يحاصروا "الإخوان" ويضعوهم فى موقف الدفاع ..
وقال " خليل" أن الفضائيات أصبحت هى المعارضة الحقيقية وكشفت الإخوان لدرجة أنهم عندما يستضيفون في برامج التوك شو أشخاصاً ورموزاً من التيار الدينى فانهم يفشلون فى مقارعة الحجة والرد بمنطق وإقناع المشاهدين لذلك يثورون ويسبون ويرتفع صوتهم ويهددون ..
ومن عندى أضيف أن السياسى عالى الصوت ضعيف ويبحث دائماً عن شماعة يعلق عليها أخطائه ويستعيض بالصراخ عن الاقناع ..
إن مبدأ السمع والطاعة الذى يؤمن به الإخوان أصابهم بالتيبس .. وجعل أجسامهم مقيدة بشىء ما رغم أنهم رياضيون ويتدربون على الكاراتيه والجودو ..
ويفسر لى د. صفوت العالم الأستاذ بإعلام القاهرة الظاهرة فيقول أن الإخوان سلطة بلا خيال وبدون خفة ظل .. فلم يسبق لهم أن قدموا شاعراً واحداً أو مؤرخاً أو صحفياً لامعاً أو أديباً..
منطقة الخيال والإبداع وخفة الظل منعدمة عندهم تماماً..
ويقول ثروت الخرباوى فى كتابه "سر المعبد" أن سلطة الإخوان مستمدة من الدين والنصوص والتاريخ .. وبالتالى يخسرون أى مناظرة أو حوار ..
وقد لاحظت أن المجال الوحيد الذى برعوا فيه هو الدفاع عن أنهم سلطة عادلة , ومستعدون للسجال حتى الصباح فى عدالة حكمهم وأحكامهم , لكنهم غير معنيين بخصوبة خيالهم ..
ويضيف الدكتور سامي عبد العزيز عميد كليه الاعلام السابق بجامعه القاهره قائلا من أجل هذا يكيل الإخوان الاتهامات للإعلام الفاسد العميل المأجور الذى يوقظ الفتنة .. لهذه الأسباب انتصر مذيعو الفضائيات على السلطة .. الصورة اصبحت أقوى من الرئيس والحكومة .. إن السلطة التى تزعم أنها لم تفسد بعد لن يكفيها هذا الإدعاء لتصمد فى عالم لم يعد فيه مكان للسكون والقبول والامتثال..المصريون اسقطوا مبارك وحكموه وسجنوه،لذلك صعب جدا بل ومستحيل ان يخنعوا ويرضخوا بمبدا السمع والطاعه..
وقد استوقفتنى ملحوظة "على" العامل عند المعلم "خليل" الذى حضر ليبلغ رب عمله أن هناك أمراً ما , فلما سمع الحوار , إذا به يطلق جملة عفوية تنم عن ملاحظة المصرى البسيط الفطرية.. قال "الرئيس عمره ما ضحك حتي للمصورين في الرحلات الخارجيه او في خطاباته واحاديثه للصحافه المصريه"! وهذا صحيح .. فالضحك تقليل لقيمته أو هكذا أفهموه ..
الإخوان مطالبون اليوم بخطاب إعلامى رشيق وجذاب وخفيف الظل , وإذا فعلوا ذلك فسيأخذون نصيباً من المشاهدة والقبول .. فهم لن ينجحوا وهم يطاردون الناس بالكفر والعمالة وعدم احترام السلطة ..
هناك سيف أقوى مازال له السحر والتأثير.. إنها الصورة والكلمة والقلم .. عليهم أن يبتكروا اسلوباً يقارعون به الفضائيات .. يكسبون مرة ويخسرون مرة أخرى .. وإذا كسبوا معركة الصورة سيساعدهم ذلك كثيراً فى الفوز بالانتخابات ..