لا يوجد توقيت محدد لإنهاء الاعتصام أمام مدينة الإنتاج الإعلامى، هذا ما أعلنه الشيخ حازم أبوإسماعيل منذ أن أطلق صيحته إلى أنصاره، والدعوة إلى مليونية (عزل الإعلاميين) أو ما أسماه (تطهير الإعلام الخاص) و(إحداث التوازن السياسى بين التيار الإسلامى والليبراليين، وحماية الشرعية).. أكثر من أسبوع إلى اليوم، تحولت المدينة الإعلامية إلى (رهينة) بالفعل فى أيدى الإسلاميين (سلفيين وإخوان مسلمين) قاموا بزرع كاميرات صغيرة، لمراقبة ما يحدث داخل مدينة الإعلام، أقاموا خياماً، ودورات مياه، وسيطروا على المداخل الرئيسية للمدينة، للتحكم فى عملية الدخول والخروج، خاصة لضيوف برامج «التوك شو» من المعارضين للتيار الإسلامى..!! الأمر بالتأكيد يتجاوز الخلاف حول حرية التعبير، وحرية الإعلام، يتجاوز الصدام بين السلطة والإعلام، إلى انهيار فكرة الدولة، انهيار معنى القانون، وانهيار معنى الأمن، لصالح سيادة الصوت العالى، واليد الطولى، والتهديد بالجماعة والعشيرة والأنصار، فى عودة صريحة لمنطق الغابة، والسيادة للأقوى.. ليست أزمة حرية تعبير، ولا أزمة ديمقراطية، ولكن أزمة عقل بدائى، ومنطق متهالك يحاول أن يفرض سطوته على المشهد، وهو المنطق الأمنى المستبد، لا يملك إلا الهيمنة، والإصرار على احتكار الفضاء.. نفس الرؤية القديمة، والتفكير القديم، والمنطق السابق فى التعامل مع الإعلام كأداة قمع بالضرورة، صوت السلطة وسوطها، تنطق بلسانها، تمرر خطابها أو تبرره، وتحارب أيديولوجيتها، وهو ما حرص الدستور «المسلوق» على تأكيدة، بتقييد حرية الصحافة والإعلام، وتقييد الحريات عموماً.. نفس المنطق الأمنى القديم، من صفوت الشريف إلى صلاح عبدالمقصود، نفس الفهم ونفس الوظيفة للإعلام.. ثمة توجيهات صريحة إلى العاملين بالتليفزيون باستضافة عناصر من الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة، خاصة فى البرامج السياسية.. ثمة عقوبات تصل إلى حد التحقيق والمساءلة، والمنع والمصادرة فى حال الانتقاد لجماعة الإخوان المسلمين، وهو ما دفع إحدى المذيعات إلى حمل كفنها أمام المشاهدين، على الهواء مباشرة!! الإعلام الرسمى (مرئى ومقروء) محكوم بالقمع، والتحكم فى أرزاق العاملين به، محكوم بالمنع والمصادرة التى طالت كبار الكتاب فى جرائدهم القومية.. خروج الإعلام الخاص (القنوات الفضائية تحديداً) عن منظومة الخطاب الرسمى، بدا مزعجاً وغريباً، وكان لا بد لهم من مواجهته.. ومن تقديم البلاغات إلى النيابة العامة، إلى تهديد الأرواح، والتلويح بعودة الاغتيالات، إلى المحاصرة والرهينة تحت دعوى (حماية الشرعية).. هكذا تتراجع الدولة، تتلاشى، يتراجع الأمن والقانون، لتصبح حماية الشرعية مسئولية العشيرة!! ليست مشكلة الحرية، لكنها العقلية القديمة، العقلية البدائية، العقلية الأمنية لا تستطيع رؤية الإعلام، إلا كأداة لخدمتها، توظفه بالصورة التى تريد، فليس بوسع الاستبداد، (حتى فى ظل الثورة) إلا فهم الإعلام على هذا النحو، وتوظيفه على هذه الصورة، أو المطالبة بعزله ومحاصرته، إن لم يمتثل لمبدأ السمع والطاعة!