أثارت المقابلة الصحافية المسجلة للرئيس السوري بشار الأسد بمناسبة عيد الجلاء التي بثتها قناة "الإخبارية" السورية أمس الاربعاء ، عن تطورات الوضع في بلاده جدل واسع في الشارع السياسي ، حيث أكد فيها أن ما يحصل في سوريا هي حرب حقيقية. وأكد الأسد التأكيد على أن بقاء الرئيس أو ذهابه يقرره الشعب ، مضيفا أنه ما زال يراهن على الحوار الوطني لحل الأزمة السورية.
ووصف الأسد معارضيه داخل سوريا بأنهم مجموعة مرتزقة وإرهابيون، وقال إن نظامه يحارب مرتزقة وتكفيريين، وقال إن سوريا تتعرض لمحاولة استعمار جديد "بقوات تأتي من الخارج من جنسيات مختلفة".
واتهم بشار الأسد الغرب بدعم تنظيم القاعدة في سوريا، وحذر من أن "الغرب سيدفع ثمن هذا" الدعم ، وقال إن الغرب قام بتمويل القاعدة في أفغانستان في بدايتها وإنه دفع ثمنا غاليا في وقت لاحق، وأن الغرب يدعم تنظيم القاعدة حاليا في سوريا، وأنه سيدفع الثمن لاحقا في قلب أوروبا والولايات المتحدة.
وانتقد الأسد رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، وشدد على إنه "فقد مصداقيته وفشل في سياسته الداخلية"، وقال إنه يبيع بلده كلها مقابل مكانه الخاص، وأشار إلى أن لتركيا دوراً كبيراً فيما يحدث في سوريا.
وحول وجود الطائفية في المجتمع السوري قال الأسد إن المجتمع السوري انتصر على الطائفية، وذكّر بحرب النظام في الثمانينيات على الإخوان المسلمين، وأشار إلى أن قضاء النظام السوري على جماعة الإخوان المسلمين أعاد المجتمع السوري إلى طبيعته.
ولفت الأسد إلى أن الوضع الآن أفضل من بداية الأزمة، مشيراً إلى أن ما ينشر من خرائط تقسيم لسوريا هي عبارة عن جزء من الحرب النفسية، وقال إن الأكراد ليسوا ضيوفاً ولا طارئين، بل معظمهم وطنيون، مضيفاً أن لا مصداقية لأردوغان في صفوف الأكراد.
حريق الأردن ونحو هذا السياق اتهم الاسد الأردن بتسريب المقاتلين إلى بلاده محذراً من امتداد الحريق السوري إلى الأردن ودول الجوار، كما حمل الغرب مسئولية دعم القاعدة والإرهابيين في سوريا، قائلاً إنه سيدفع ثمن هذا الدعم في قلب أوروبا والولايات المتحدة، بحسب قوله.
وقال الأسد :"من غير الممكن أن نصدق أن الآلاف يدخلون مع عتادهم إلى سوريا في وقت كان الأردن قادرا على إيقاف أو إلقاء القبض على شخص واحد يحمل سلاحا بسيطا للمقاومة في فلسطين".
في حين أكد الأردن، اليوم موقفه "الثابت" الرافض لأي تدخل عسكري في سوريا والمؤيد لحل سياسي للأزمة، رغم إعلان واشنطن تعزيز وجودها العسكري في المملكة . وقال وزير الدولة لشئون الإعلام وزير الشئون السياسية والبرلمانية الناطق الرسمي باسم الحكومة محمد المومني ل"فرانس برس" إن "موقف المملكة مما يجري في سوريا لم يتغير وهو ثابت ضد أي تدخل عسكري ويدعو لحل سياسي شامل يوقف دوامة العنف والدم هناك".
ولم يعلق المومني على تحذيرات الرئيس السوري بشار الأسد من امتداد الحرب المستمرة في سوريا منذ أكثر من سنتين إلى الأردن، مشيراً إلى "تدارس الموقف لأن لذلك تداعيات سياسية وأمنية". وأكد أن "إرسال أفراد من الجيش الأمريكي إلى الأردن هو ضمن التعاون المشترك المعتاد بين القوات المسلحة الأردنية والجيش الأمريكي"، مشيراً إلى أن "الاتصالات جارية لإرسال 200 جندي أميركي ضمن هذا التعاون والتنسيق المستمر".
انعزال عن الواقع على الجانب الأخر اعتبر الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، أن المقابلة التي أجريت مع الرئيس بشار الأسد كشفت "انعزاله المطبق عن الواقع"، حسب بيان صادر عن الائتلاف الخميس.
وأوضح البيان أن ما أدلى به الأسد "مشهد يكشف عماه عن الفساد والخراب والدماء التي أوغل فيها"، ورأى أن "نهجه في ادعاء السيطرة وإنكار الآخر والغياب عن الواقع، واقتراح حلول لا علاقة لها بالأزمات التي يدعي حلها لا يختلف عن نهج من سبقه من الطواغيت". وأضاف الائتلاف أن "رأس النظام يعيش بلا جسد، وجسده يعيث فسادا بلا عقل".
واعتبر الائتلاف نفسه "الهيئة الممثلة لكل السوريين، والمنبثقة عن ثورتهم وتضحياتهم وإرادتهم"، مؤكدا أنه "لا يستمد وجوده وشرعيته إلا من هذه الثورة، ولا مصير له بعيدا عن مصيرها الذي يرتضيه لها الشعب السوري".
وكان الأسد قال إن مجموعات مسلحة وصفها ب"الإرهابية" تقوم بعمليات تخريب داخل سوريا، موضحا: "ما يحصل أننا نواجه القوى التكفيرية والظلامية".
ورأى الرئيس السوري أن لا خيار أمام بلاده في الأزمة التي تواجهها منذ عامين "سوى الانتصار. إن لم ننتصر، فسوريا ستنتهي، ولا أعتقد أن هذا الخيار مقبول بالنسبة إلى اي مواطن في سوريا"، غير أنه شدد على أن الوضع حاليا أفضل مما كان عليه في بداية الأزمة.
رسائل بشار للعالم من جانبه حلل الكاتب الصحفي ورئيس تحرير صحيفة " القدس العربي" اللندنية عبد الباري عطوان ، حوار الأسد وقال ان حواره به العديد من الرسائل التي أراد إيصالها لجهات عديدة.
أول رسالة حسب ما ذكر عطوان بمقاله، هي التركيز بالدرجة الأولى على خطر تنظيم "القاعدة" ومحاولة تحذير الغرب من اخطاره، ليس في سوريا فقط وإنما في قلب أوروبا وأمريكا، وكأنه يقول "نحن في خندق واحد، والخطر يشملنا جميعا، وانا مستعد للتعاون معكم في مواجهة هذا التنظيم، إذا أردتم".
أما الربط بين وجوده واستمراره في الحكم وبين وجود سوريا كدولة وكيان هذه هي رسالة بشار الثانية، التي تجسدت بقول:"لا خيار لنا غير الانتصار في هذه الحرب الدائرة منذ سنتين، وإلا فان سوريا ستنتهي" في تلميح مباشر إلى احتمالات تفتيت سوريا على اسس عرقية وطائفية في حال سقوط النظام وانتصار الثورة المسلحة.
وأردف الكاتب عبد الباري عطوان قائلا :"إن رسالة بشار الثالثة تكمن في استهداف تركيا حزب العدالة والتنمية والهجوم الشخصي على رجب طيب اردوغان، وتركيزه على الأردن وتركيا يعكس مدى تأذيه من دور الدولتين في دعم الثورة السورية المسلحة وإرسال الأسلحة والمقاتلين إلى بلاده.
وقال عطوان ان بشار حاول في حديثه عزل الأكراد عن النفوذ التركي والغربي، من خلال التودد لهم والتأكيد على وطنيتهم، والإيحاء بان سورية لم ترتكب أي مجازر ضدهم.
وأكد رئيس تحرير صحيفة "القدس العربي" أن الرسالة الأهم في هذه المقابلة، كانت موجهة إلى الشعب السوري ومحاولة حشده خلف النظام، وإلقاء تهم الطائفية وتقسيماتها على المعارضة الإسلامية وحركة الإخوان بالذات.
وتر المقاومة وحول الجدل القائم حول خطاب الرئيس السوري قال المتحدث باسم الائتلاف الوطني المعارض أنور البني إن الأسد عزف في مقابلته كسابقاتها، على وتر "المقاومة والمؤامرة وكأنه كان يقاوم إسرائيل وانتصاراته عليها تملأ كتب التاريخ". وأضاف البني في تصريح لموقع "الجزيرة . نت" أنه اتهم الآخرين بترويج الطائفية بينما أول من تكلم عن هذا الموضوع في بدايات الثورة كانت مستشارته بثينة شعبان، ثم قام نظامه بتسريب فيديوهات "عن قتل طائفي وتنكيل بالمواطنين السنة لإخافتهم". ورأى أن حديث الأسد عن انتصار نظامه وإلا تنتهي البلاد فيه تهديد بتقسيم البلاد، مؤكدا أن البلاد ستنتهي "إن لم يرحل عن السلطة".
في المقابل يؤكد المحلل السياسي من دمشق شريف شحادة ل"الجزيرة. نت" أن ما قصده الرئيس من أن "لا خيار لدينا سوى الانتصار وإلا سوريا ستنتهي" هو أن الشعب السوري يجب أن ينتصر لا النظام أو الأسد الذي وصفه بأنه مفتاح الحل للأزمة وضمان عدم تفكيك البلاد وتقسيمها لدويلات، متهما كلا من أوروبا وقطر والسعودية بالسعي والدفع لتقسيم البلاد.
وأشار إلى أن القوات السورية غيرت إستراتيجيتها، كما قال الأسد إن قواته لا تقوم "بتحرير الأراضي بل القضاء على الإرهابيين" فبدلا من "تحرير المدن من الإرهابيين فإنها ستعمل على قتلهم وبما أنهم يريدون الشهادة فالجيش السوري لن يحرمهم هذه الأمنية وسيدفنهم في الأرض التي أتوا للمحاربة من أجلها".
أما شحادة فأكد أن الأسد لم يهدد أو يحذر الأردن بل يصف الواقع بقوله إن الحريق السوري سيمتد للأردن لأن الدول المتجاورة تتأثر بالأزمات، وأوضح أن عبور آلاف المقاتلين والسلاح من الأردن أمر واقع تتحدث عنه وسائل الإعلام الأجنبية. ونفى أن يكون الأسد "يدغدغ" مشاعر العرب والمسلمين حين قال إن الأردن لا يستطيع منع المسلحين من العبور لسوريا في حين يلقي القبض على أي شخص يحمل سلاحا بسيطا للمقاومة في فلسطين، وأشار إلى أن الحدود الإسرائيلية الأردنية لم تشهد أي عملية للمقاومة الفلسطينية منذ أربعين عاما بينما الحدود السورية الأردنية هي مسرح لتهريب المسلحين لدرعا ولكافة أنحاء سوريا. من جانبه يرى أبو دياب أن تركيزه على الأردن كان بسبب علمه بأن الخطر الداهم عليه من الجنوب "درعا" ولهذا قام بالتهويل على الأردن لدفعه لوقف دعمه "المقنن" للمعارضة.
وفي مسألة أن الغرب يدفع الثمن لدعمه للقاعدة، يوضح وليد البني أن الأسد يريد أن يقول للعالم إنه يستطيع استخدام اسم القاعدة كما فعل في لبنان والعراق، ويريد أن يهدد العالم بقدرته على ضربهم بعقر دارهم باستخدام علامة التنظيم التي مجرد ذكر اسمها يُخيف الغرب.
بدوره يرى الباحث السياسي أبو دياب أنه يجب أخذ تحذيرات الأسد على محمل الجد لأن النظام السوري ومنذ أربعة عقود تعامل مع كل "المجموعات الإرهابية والجهادية والثورية" . مبديا استغرابه من الإطلالات المتزامنة لزعيم تنظيم القاعدة وزعيم دولة العراق الإسلامية وزعيم جبهة النصرة عشية انعقاد اجتماع مجموعة الثماني "لتكون بمثابة هدية للأسد لتكريس خطابه بأنه البطل الذي يحمي العرب والعالم من الإرهابيين".