الأول : فى سيناء خط للسكك الحديدية السريع بين إيلات والبحر المتوسط
والثانى : فى الجولان من خلال إعطاء شركة أمريكية كبرى ترخيصاً بالتنقيب عن النفط فى الجولان
فى الوقت الذى ينشغل فيه العرب بالفتن الداخلية وصراعات القوى التى تدعى الانتساب لثورات الربيع العربى الذى تحول اليوم إلى شتاء أمريكى قارص؛ فى هذا الوقت قامت إسرائيل وفى توقيت واحد تقريباً بطرح مشروعين عملاقين للعمل الاقتصادى ذو البعد الاستراتيجى الخطير، مهددة من خلالهما الأمن القومى المصرى والسورى ، ومستغلة الأوضاع المتفجرة فى كلا الدولتين ، ودافعة بأطماعها خطوات للأمام ، لتفرض الأمر الواقع على الجميع ، المشروع الأول يتمثل فى إنشاء خط سريع للسكك الحديدية لربط مدينة "إيلات" الساحلية على البحر الأحمر، بعدة مدن صهيونية أو عربية محتلة مطلة على البحر المتوسط، ومن بينها "تل أبيب" و"حيفا" و"أشدود"، وذلك لنقل الركاب والبضائع ليكون بديلا ومنافسا قويا لقناة السويس المصرية.
أما المشروع الثانى فهو إعطاء شركة تنقيب أمريكية عملاقة حق التنقيب عن النفط فى الجولان المحتل ما يعزز الاحتلال ويحول مستقبلاً دون دحره إلا بالقوة المسلحة ، فماذا عن المشروعين ؟ .
لقد نشرت قبل أيام صحيفة " جلوباس " الاقتصادية الإسرائيلية ولأول مرة خرائط توضح خط سير القطار الجديد المقترح من الإدارة الصهيونية من إيلات إلى مدن البحر المتوسط، مشيرة إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتانياهو يصر على إنفاق عشرات المليارات فى ميزانية تقدر ب 30 مليار دولار، لتصل تكلفة المشروع عند انتهائه ل100 مليار دولار، وذلك لنقل البضائع بين البحرين الأحمر والمتوسط فى مدة لا تزيد عن ساعتين فقط، وهى المدة التى تقل عن نقل البضائع عبر القناة.
وأضافت الصحيفة الاقتصادية الإسرائيلية، أن تل أبيب تنوى أيضا إنشاء مطار دولى على طراز عالمى فى إيلات ليخدم المدينة الساحلية وتنشيط السياحة بها، لتكون مدينة سياحية نموذجية على غرار مدينة "شرم الشيخ".
وكشفت جلوباس عن أن وزير المواصلات الإسرائيلى يسرائيل كاتس قام مؤخرا بعدة زيارات سريعة للصين، (لنتأمل جيداً ونفكر بعمق كيف أصبحت العلاقات الصينية الإسرائيلية دافئة إلى هذه الدرجة ولماذا تحولت الصين إلى عدو بهذه السرعة ؟!) المهم الوزير الإسرائيلى زار الصين لبدء تنفيذ المشروع فى أسرع وقت بتكلفة منخفضة لتوفير جزء كبير من تكلفة التمويل لبناء الموانى الجديدة فى إيلات وحيفا وأشدود وتل أبيب وفق خطة نتانياهو الإستراتيجية للربط بين الموانئ الإسرائيلية وإنشاء الجسر البرى الذى سيعد الطريق التجارى البديل لقناة السويس، مضيفة أن المشروع سيجعل لإسرائيل رصيدا إستراتيجيا عند الصين القوة العظمى الصاعدة عند إتمامها لهذا المشروع الضخم.
وأوضحت الصحيفة الإسرائيلية ، أن إنشاء قطار لنقل البضائع سيثير مشاكل كبيرة وصعبة لدى المصريين، مشيرة إلى أنه على سبيل المثال، لا يفصح نتانياهو عن أن المشروع سيهدد واحدة من أهم المصادر الرئيسية للدخل القومى المصرى، وهى "قناة السويس" خاصة فى ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التى تمر بها مصر، مشيرة إلى أن القاهرة أرسلت وفدا رفيع المستوى فى اليوم التالى لزيارة كاتس لبكين، لتوصيل رسالة قوية لها عن معارضتها لهذا المشروع.
وقالت جلوباس، إن إسرائيل لا تزال كالمعتاد تشكل تهديدا لمصر، وإن هذه المشروعات الإستراتيجية الجديدة قد توتر العلاقات بصورة أكبر، وأن القاهرة قد تلجأ لعمل أى شىء لإيذاء المشروع، دون الانجرار إلى صراع عسكرى مفتوح مع إسرائيل، وذلك من خلال دعم الحكومة المصرية لتنظيم القاعدة فى سيناء، لشن عمليات مسلحة على طول الطريق التجارى الذى سيصل إلى نحو 200 ميلا على طول السواحل الشرقية لشبه جزيرة سيناء، وكذلك تنفيذ أعمال مسلحة ضد خط السكك الحديدية شمال إيلات.
وكشفت جلوباس، عن أنه قبل شهر واحد طلب الدكتور يعقوب شينين مدير إدارة النقل بوزارة المواصلات الإسرائيلية من كبار الخبراء الانتهاء من المشروع فى أسرع وقت، مشيرا إلى أن الفوائد الاقتصادية للمشروع ستساهم بصورة مذهلة فى نمو الاقتصاد الإسرائيلى، لافتا إلى أن إيلات تتلقى اليوم حوالى مليونى سائح سنويا، وأنه بعد الانتهاء من مشروع السكك الحديدية والمطار الدولى قد يصل عدد السائحين إلى الملايين.
***
أما المشروع الثانى الذى يهدد الأمن القومى العربى وليس السورى فحسب فهو قيام شركة طاقة أميركية شهيرة وذات تأثير سياسى معروف ، بالتنقيب عن النفط والغاز في مرتفعات الجولان المحتلة، بعد الحصول على رخصة عمل إسرائيلية ، في تطور يتوقع البعض أن يكون مصدراً جديداً من مصادر التهديد للأمن العربى ، وللثروات العربية بغض النظر عن تقييم المشهد السياسى الحالى فى سوريا.
هذه الشركة هي شركة فرعية محلية تابعة لشركة «جيني للطاقة المحدودة» (Genie Energy Ltd) ومقرها ولاية نيو جيرسي. ومن المعروف أن المجلس الاستشاري الاستراتيجي لشركة تابعة أخرى هي «جيني للنفط والغاز» (Genie Oil and Gas) يضم نائب الرئيس السابق ديك تشيني، والقطب الإعلامي روبرت مردوخ، والنائب الجمهوري السابق جيم كورتر، بالإضافة إلى العديد من مديري الاستثمار البارزين، مثل جايكوب روتشيلد (رئيس مجموعة «روتشيلد»)، ومايكل ستينهاردت (المساهم الرئيسي في خدمة القضايا اليهودية والصهيونية وبخاصة برنامج «Birthright Israel» وهو برنامج بملايين الدولارات لجلب الشباب اليهود إلى إسرائيل».
ومنحت وزارة الطاقة والموارد المائية الإسرائيلية هذا الترخيص وسط استمرار المؤامرة الدولية على سوريا ومحاولات زرع الفتن الكبرى الطائفية والسياسية بين شعبها .
***
وبشأن هذا المشروع الخطير يشير بول بيلار، وهو من كبار محللي الشرق الأوسط السابقين في وكالة الاستخبارات المركزية، إلى أنه «ربما لم يكن القصد من هذه الخطوة إزعاج الولاياتالمتحدة، لكنها أتت قبل شهر فقط من الموعد المقرر لزيارة الرئيس أوباما لإسرائيل».
وتابع «قد يتوقع الإسرائيليون بديلا لنظام الرئيس بشار الأسد بحكام سوريين جدد يحاولون استرجاع مرتفعات الجولان... والفكرة من وجهة نظر إسرائيل ستكون محاولة لتعزيز مطالبتها بهذه المنطقة عن طريق خلق حقائق على أرض الواقع بل وتحت الأرض أيضاً».
يذكر أن مرتفعات الجولان المحتلة تضم حاليا 32 مستوطنة يهودية يبلغ مجموع سكانها حوالي 20 ألف نسمة.
ويرى بعض المحللين ان الخطوة الإسرائيلية تهدف في ما يبدو في جزء منها إلى الاستفادة من الفوضى الجارية داخل سوريا. فقد رفضت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة طلبات للحفر في الماضي انطلاقاً من الرغبة في تجنب تأجيج التوتر مع دمشق، إلا أنه وفقاً للمحللين فإن المسئولين الإسرائيليين أصبحوا يرون إنه «مع عدم وجود حكومة فعالة في دمشق (بسبب الأحداث الجارية)، فهم يرون أن لا ضرر من المضي قدما في هذه الخطوة».
وتسمح رخصة التنقيب عن النفط في الجولان لشركة «جيني إسرائيل للنفط والغاز المحدودة» (Genie Israel Oil and Gas Ltd) بإجراء عمليات حفر استكشافي في معظم الجزء الجنوبي من مرتفعات الجولان.
وتؤكد شركة «جيني» - الحاصلة على ترخيص للتنقيب في منطقة «شفله» في آسيا الوسطى من خلال شركة إسرائيلية تابعة أخرى، وهي «اسرائيل لمبادرات الطاقة» (Israel Energy Initiatives)، ومشروع مشترك مع «توتال» (Total) الفرنسية في ولاية كولورادو في الولاياتالمتحدة بأنها تعتقد أن جنوب الجولان يحتوي على «كميات كبيرة من النفط والغاز التقليدية في تشكيلات ضيقة نسبيا».
***
* وبعد ... إن هذين المشروعين الإسرائيليين ، سوف يؤديان إلى خراب اقتصادى لكل من مصر وسوريا ، إذا لم تتحرك القوى الحاكمة فى كلتا الدولتين لإيقافهما فوراً هذا من جهة ، من جهة ثانية فإن هذين المشروعين يؤكدان مجدداً أن العدو لايزال واحداً ، وأن على جميع السياسيين والفاعلين من ثوار هذا الزمان ومن حكامه أن يدركوا مجدداً أن المستفيد الوحيد من صراعاتنا الداخلية، هو الكيان الصهيونى ، وأن التشرذم الوطنى الداخلى هو أكبر جائزة نقدمها لإسرائيل ، وأنها تستغل هذا الصراع وذاك التشرذم لبناء مزيد من المشاريع الاقتصادية التى تهدد الأرض ، والثروات والتاريخ والحقوق ، فهل ندرك – الآن وتحديداً فى سوريا ومصر – وقبل فوات الآوان خطورة ما يجرى داخل أوطاننا وحولها !! نرجو !! .