ندرك أن شرعية الرئيس محمد مرسي مستمده من صندوق الأنتخابات الذى أوصله وحزبه " الحرية والعدالة " وحلفائهم للفوز بالأغلبية فى الأستفتاء على الدستور وقبلها معركة الرئاسة ولا ننسى اكتساحهم لمجلسى الشعب المنحل والشورى رغم بطلانه دستورياً .. لكننا فى الوقت نفسه لا يمكننا أن نتجاهل أن ثمه أزمه كبيرة وخللاً اقتصادياً واجتماعياً يواجه السلطة الحاكمه .. والمفروض أن تلك الأزمة وهذا الخلل ينبهان الرئيس إلى أن المصريين انقسم تلاحمهم التاريخى وأصبحوا فسطاطين بينهما هوه عميقه وهما تيار الأسلام السياسي والاحزاب المدنية والليبرالية .. أو لنقل معسكر الأسلام فى مواجهه الكفار والعلمانين .. المشكلة الحقيقية أن الأخوان المسلمين ورئيسهم ومرشدهم الأعلى يرون أنهم معصومون ومحصنون من خلال نجاحات متكررة فى كل انتخابات أو استفتاء ، غير أن السياسي الحصيف عليه أن ينظر دائماً خارج الصورة الوردية التى يتحدث عنها المؤيدون والمنافقون والمتعصبون ..
نعم هناك أزمة ، ومع أحترامى لأراء واجتهادات مفكرى وكتاب الأخوان ، ألا أن المشكلة ليست فى جبهه الأنقاذ الوطنى التى يزعمون أنها وراء محاصره الأتحادية وقصر القبه وتسببت فى سقوط عشرات القتلى وآلاف الجرحى فى مظاهرات واحتجاجات يزعمون أنها تعبر عن أغلبية المصريين ، وإنما هى أكبر من ذلك بكثير ..
لقد انخدع الرئيس السابق حسنى مبارك بمظاهر التأييد الشعبى وهتافات وتصفيق أعضاء الحزب الوطنى ، فأعمته هذه المظاهر الخادعة عن الأزمة التى مدت جذورها إلى نسيج المجتمع المصرى .. انخذاع مبارك بالتهليل أعماه عما تكتبه صحف المعارضه .. ولا أنكر اننى وغيرى ساهمنا فى هذا الخداع .. لكن ما وصلت إليه مصر الآن يحتم على الرئيس مرسى تلبيه بعض مطالب المعارضه .. يا دكتور مرسى انظر إلى الصوره الحقيقية وليس المظاهر الخادعه وترتكب نفس خطأ مبارك ..
ليس كل المحتجين عملاء ومأجورين وكفار وخونه .. لقد كان الرئيس السابق يسخر منا عندما نقول له أن هناك احتقاناً فى الشارع ، فيرد " اللى عنده أحتقان يأخد مضاد حيوى " وذلك تعليقاً على تزايد المظاهرات الفئوية قبل ثورة يناير ومطالبتها بزياده الأجور وتحسين المعيشة ..
الرئيس مرسى عليه أن يتعلم من أخطاء مبارك ، الذى خدعته المظاهر وأنتشى بها رغم تمكن الأزمة وتجذرها فى المجتمع .. الأخوان مطالبون بالحذر فى الأنتخابات القادمة ، فربما تنقلب الموازين فى صناديق الاقتراع ، خصوصاً وأن حليفهم الرئيسي " حزب النور " أنقلب عليهم وطفق يهاجمهم بعد أن تبين للسلفيين أن الأخوان أتخذوهم مطيه للوصول للحكم .. لقد أصبحت الحرب علنيه بين " النور " و " الحرية والعدالة " ..أو بين " ياسر برهامى " و " محمد بديع " .. وهذه أيضاً صوره حقيقية على الرئيس النظر إليها وعدم تجاهلها بأعتبارها مظاهر خادعة .. إن جبهة الأنقاذ رغم عدم شعبيتها و أفتقادها لقاعدة عريضة من الناخبين ، لكنها تستثمر أخطاء جماعة الأخوان وعثراتهم فى الحكومة وسن القوانين لتنتزع حصة كبيرة من مقاعد مجلس الشعب القادم .
الشارع يا دكتور مرسى لا يغلى بفعل مؤمرات أو تحريض أو بلطجية – وإن كنت لا أستبعد وجود جزء من هذا فى المشهد – ولكن الغليان يأتى من غياب عائدات السياحة وزيادة البطالة لأكثر من 12 مليون عاطل وأرتفاع أسعار السلع بعد الضربات التى يتلقاها الجنية أمام الدولار وتوزيع الأرغفة بالبطاقة مع ندره الأدوية وتضرر التجارة والصناعة بسبب زيادة الأضرابات ناهيك عن المفاجأت المؤلمة مثل أنهيار أحتياطى النقد الأجنبى ل 13 مليار دولار لا تكفى لشراء مواد غذائية ل3 أشهر ..
سيادة الرئيس المصريون يقتربون من حرب أهلية ، بينما الأخوان مشغولون بتمرير القوانين بطريقة أقرب إلى تهريب "السلع الفاسدة أو منتهية الصلاحية".. أننا نفاجأ كل يوم بقانون جديد تتم الموافقة عليه لزيادة التمكبن للأخوان ووأوضح مثال هو قانون الانتخابات الذى أعادته المحكمة الدستورية مرة أخرى لمجلس الشورى لتعديله.. والمشكلة أن الحكومة لا تملك " أسطى " ماهر فى الأقناع أو شخص له قبول أو كاريزما لدى الرأى العام.
أننى لا استطيع أن أنسى دور الجيش عندما حذر عقب تداعيات المواجهة فى مدن السويسوبور سعيد وإسماعلية من مخطط للأضرار بمصر ..
ليس سراً أن وزير الدفاع العاقل الفريق أول عبد الفتاح السيسي لن يقبل جر الجيش للشارع ووضعه فى مواجهة الحشود الغاضبة التى وصلت لمرحلة العصيان المدنى فى بور سعيد وقد تنتشر لمحافظات أخرى .. الجيش يقتصر دوره الآن على حماية المنشأت الحيوية مثل قناة السويس والموانئ والترسانات البحرية ، لكننا بصراحة لا نريد أن تدفع القرارات والقوانين المباغتة التى يتخذها الأخوان إلى مواجهة دموية بين الرئاسة والمعارضة ومن ثم حرب أهلية يجد الجيش نفسه فيها مرغماً على التدخل لحماية الوطن والشعب .. وهو ما لا يريده أحد .
مرة أخرى نأمل أن يفطن الرئيس مرسي إلى وجود أزمات حقيقية .. وعلى هوامشها القتل والتخريب والشائعات إلى حد التخويف من ""مخطط لتدويل قناة السويس"" وشل الموانئ وما يتردد عن غضب حماس من تدمير الجيش المصرى لأنفاق غزة وزيادة الحصار عليها ، الأمر الذى أشاع أن هناك فجوة بين الرئيس مرسى والفريق أول السيسي وزير الدفاع .. من هنا نشأت شائعة عزل السيسي وهو ما نفته وزارة الدفاع.. وكان الأجدر والأكثر فاعلية أن تنفيها مؤسسة الرئاسة أو الرئيس بنفسه الذى ظهر لينفى أشياء أقل أهمية ، وحسن الأدراك من الفطن !
ما من شك أن الجيش غاضب من الشائعات التى تطول قياداته كل فترة.. ولابد أن يدرك الرئيس أن القوات المسلحة لديها عقيدة عسكرية ثابتة وهى الحفاظ على امن الوطن وحدوده ، ولن تقبل بوجود عناصر خارجية على الأرض المصرية بسيناء التى تحررت بدماء الأبطال ، كما أنها لن تنسى دماء جنودها من حرس الحدود الذين أغتالتهم عناصر فلسطينية فى رمضان الماضى ، كما لا يمكنها أن تتجاهل أكثر من طلب رفعته لمؤسسة الرئاسة للسماح بالقبض على عناصر حماس المسلحين الذين دخلوا سيناء ثم هربوا فى مدن القناة والقاهرة ، غير أن الرئاسة لم ترد حتى الان ..
من حق الجيش أن يغضب ومن واجب الرئيس وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة أن يبادر بتصحيح الألتباس الذى تسرب لأبنائه فى الجيش وعليه التأكيد على الدور الوطنى العظيم الذى يضطلعون به ..
اتمنى أن يدرك الرئيس مرسى قبل – فوات الأوان – أن المظاهر الخادعة وتجاهل الأزمات المتجذره كفيل بأضاعة مكاسب الأنتخابات والشرعية .. فمصر أكبر بكثير مما نشهده حالياً من لعبة " بلاد يفير " أو ثنى الأذرع بين مكاسب الأخوان العاجلة وبين فوز النخب فى معارك أعلامية أو مناظرات فضائية ..
للأسف يشترك نظاما مبارك ومرسى فى" الكذب " لكن الأخوان يتفوقون لأنهم كذبوا من أول المشوار .. وقد ضجر المصريون من كثرة تنصلهم من تصريحات نسبت إليهم بدعوى أنها أجتزت من سياقها .. والأمثلة كثيرة على مسلسل التنصل ، من أول الرئيس مرسى وأنكاره أنه عمل فى وكالة ناسا للفضاء أو أنه سب اليهود أو دخل فى خصومه مع القضاء وتجاوز صلاحياته إلى رئيس الوزاراء ووزراء العدل والتموين والتعليم والبترول وغيرهم ..
لقد أكتوى المصريون بنيران من حكموهم 30 عاماً وأكتسبوا مناعة تلقائية تحصنهم ضد أمتهان ذكائهم الفطرى ..
وأخيراً على الرئيس مرسى أن يتنبه إلى النيران " الصديقة " التى تقصفه ليل نهار بدلاً من إلقاء اللوم على المعارضة والبلطجية والخارجين عن القانون فقط .. لا يمكن أن يتجاهل الرئيس "الغشم السياسي" والنيران الصديقة التى تسحب من شرعيته والثقة فيه ، ويلقى باللائمه على المعارضة والفلول فقط .. أنظر مثلاً إلى قضية التحرش الجنسى التى هزت المصريين رجالاً ونساءٍ لأنها تمس أغلى ما يملكه المسلم وهما العرض والشرف ..ماذا كان موقف مجلس الشورى " الأخوانى " من هذه القضية الخطيرة مع ملاحظة انه جهة التشريع الوحيدة الآن ؟!..
لقد بحث نواب الأخوان والسلفيون المحترمون المشكلة ثم أنتهوا إلى تحميل المتحرش بهن فى مظاهرات التحرير ما جرى لهن .. وأضاف " المحترمون " أنهن – أى السيدات والفتيات – وضعن أنفسهن فى مواقف تجعل التحرش بهن أمراً طبيعياً .. ألم يكن من الأجدر أن يبادر النواب بالبحث عن أسباب هذه الظاهرة وأتخاذ عقوبات رادعة تكفل إيقافها ، من ثم تأكد المفهوم – الذى لم ينفه أحد – أن الأخوان ونوابهم يهدفون لأرهاب النساء من المشاركة بالأنتخابات أو الأعتصام بالميادين وأحراج الشباب والرجال وكسر إرادتهم .. وبالتالى تنتهى مظاهر الاعتراض والأحتجاج ضد الرئيس والأخوان .. أو هكذا تصوروا ! ..
سيادة الرئيس أرجو الأنتباه : أنت وحزبك ونوابك ووزرائك تدفعون الناس لثورة ثانية لن تنتظر موعد الأنتخابات القادمة لتقول رأيها فيك ..
الآراء المنشورة في الموقع تعبر عن توجهات وآراء أصحابها فقط ، و لا تعبر بالضرورة عن الموقع أو القائمين عليه